السياحة العالمية تتعافى وتوقعات متفائلة في 2025

1,5 مليار سائح يجوبون القارات الخمس ومساهمة بـ11 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي

Shutterstock
Shutterstock
سياح في سيدي بوسعيد، تونس

السياحة العالمية تتعافى وتوقعات متفائلة في 2025

في نهاية عام 2024، تكون السياحة العالمية قد استعادت عافيتها بالكامل في معظم الأسواق، التي كانت تضررت من توقف حركة السياحة والسفر خلال جائحة "كوفيد-19" التي امتدت لثلاث سنوات. وشمل الانتعاش كل القارات، وحافظت أوروبا على مكانتها كوجهة سياحية أولى في العالم، عززها احتضان أحداث رياضية واقتصادية وثقافية.

وحققت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معدلات نمو قياسية تجاوزت 29 في المئة عن مستواها قبل الجائحة، على الرغم من الاضطرابات الجيوسياسية، والأزمات الاقتصادية، والتغييرات المناخية العنيفة، التي شهدتها بعض المناطق. واعتبر محللون أن "الانتعاش السياحي مقدمة لدخول عالم يسوده السلام بين الشعوب والأمم، وبداية لتراجع الصراعات والأزمات، وانطلاق فترة من الاستقرار السياسي، يستتبعه تعاف ورفاه اقتصادي على المدى المتوسط". وغالبا ما تنتعش السياحة بعد الأزمات، لأن الناس تكون تعبت من الحروب والصراعات وتبحث عن متنفس، وهي دورة تاريخية تتكرر باستمرار منذ عقود.

قطاع السياحة في تحسن مضطرد

أفاد تقرير لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، "أن القطاع السياحي يتجه الى تحقيق التعافي الكامل في نهاية عام 2024 بعدما تجاوز عدد السياح ما تم تسجيله عام 2019، على الرغم من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية والمناخية". وخلال الأشهر التسعة الأولى من 2024 بلغ معدل التعافي 98 في المئة على المستوى العالمي، وتجاوز 99 في المئة في النصف الشمالي من الأرض. وتمكن نحو واحد من بين ثمانية أشخاص في العالم من السفر والسياحة داخل أو بين القارات الخمس، واستفادت من ذلك التعافي شركات الطيران والمواصلات والمطاعم والترفيه ومشتريات الهدايا والتذكارات والتحف. ومن المتوقع أن يقترب عدد السياح من 1,5 مليار شخص باحتساب مجموع السنة، وهو رقم يتجاوز ما كان يُسجَّل في العقد الماضي.

يقترب عدد السياح من 1,5 مليار شخص باحتساب مجموع السنة، وهو رقم يتجاوز ما كان يُسجَّل في العقد الماضي

وقال الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، زوراب بولوليكاشفيلي "إن النمو القوي الذي شهدته عائدات السياحة يعد خبرا ممتازا للاقتصادات العالمية، لأن زيادة الإنفاق على السياحة كانت أسرع من نمو أعداد الوافدين، مما انعكس إيجابا على فرص العمل ونشاط الشركات الصغرى، وزاد الإيرادات الضريبية وحسّن ميزان المدفوعات الخارجية في العديد من الدول".

وتجاوزت عائدات السياحة مستويات ما قبل الجائحة في العديد من الأسواق الدولية، خصوصا في أوروبا والخليج العربي وشمال أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأميركا، وزادت أعداد السياح في أكثر من 60 دولة بين 111 وجهة سياحية معروفة.

السياحة جزء أساس من الناتج العالمي

 يبقى القطاع السياحي هشا نظرا لارتباطه بعوامل اقتصادية مثل الأسعار والتضخم وتكلفة النقل والإقامة، وأيضا بعوامل جيوسياسية مثل الحروب والنزاعات والتهديدات المختلفة. كما تشكل التغيرات المناخية أسبابا إضافية للتحديات التي تواجه القطاع الذي يساهم بأكثر من 11 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بزيادة 12 في المئة في سنة، أو 7,5 في المئة على الرقم القياسي المسجل قبل الجائحة، وفق مجلس السفر والسياحة العالمي.   

أ.ف.ب
جزيرة جربة السياحية الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​في 25 مايو 2024

ويمكن اعتبار تعافي القطاع السياحي الذي يمثل 10 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، مقدمة للانتعاش التدريجي للاقتصاد الدولي، خصوصا داخل الأسواق الأوروبية والأميركية والصينية، وكذلك بداية التراخي في الأزمات الجيوسياسية، والإعداد لمرحلة من الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي. وربما تعيش نزاعات الشرق الأوسط وحرب روسيا وأوكرانيا طلقاتها ما قبل الأخيرة. وكلما سكتت المدافع تنقل الناس وعادت دورة الحياة الاقتصادية ومعها السفر والتنقل الذي يحتاج إلى السلام من أجل الازدهار.

ويعمل في قطاع السياحة والسفر نحو 350 مليون شخص، وتمكن القطاع من استحداث 14 مليون وظيفة جديدة منذ ما قبل جائحة "كوفيد-19"، وكلما تحسن النشاط السياحي وعم السلام زاد الطلب على الوظائف، مما يجعله على رأس قطاع الخدمات في العالم.

السياحة تساهم في خفض البطالة بين الشباب

 سجلت السياحة في شمال أفريقيا انتعاشا غير مسبوق للعام الثاني على التوالي خصوصا في المغرب ومصر وتونس، مما اعتُبر خبرا جيدا لاقتصادات دول جنوب البحر الأبيض المتوسط. وتُصنَّف هذه الدول  ضمن خانة الدول المستوردة للطاقة، التي تعتمد على السياحة كمصدر مهم للعملة الأجنبية، والتعويض عن بعض الخسائر التي تسببت فيها النزاعات الجيوسياسية، مثل تراجع عبور السفن التجارية عبر قناة سويس، أو التغيرات المناخية والاحتباس الحراري الذي تسبب في تراجع الإنتاج الزراعي في المغرب وتونس وزاد في تكلفة الواردات الغذائية.كما تساهم السياحة في امتصاص جزء من بطالة الشباب والنساء، وتطوير الاحتياطي النقدي ودعم شروط الاستدانة الخارجية، وتقليص عجز ميزان المدفوعات الخارجية، وتحسين التصنيف الائتماني الدولي.

وتعاني الدول الثلاث من تأثير أسعار الطاقة العالمية على التضخم الداخلي، مما ينهك القدرة الشرائية والعملة المحلية. في المقابل، تعد السياحة منقذا اقتصاديا مهما في مجال تنويع مصادر الدخل، مما يمكن اعتباره امتيازا للاقتصادات المتعددة الروافد، قياسا بجيرانها الذين لا يراهنون على السياحة الدولية مثل ليبيا والجزائر.

إيرادات بعشرات مليارات الدولارات

من المتوقع أن تدر عائدات السياحة على دول جنوب البحر الأبيض المتوسط أكثر من 30 مليار دولار عام 2024، وهو رقم قياسي غير مسبوق من شأنه المساهمة في زيادة مخزون العملة الصعبة ودعم قيمة صرف العملة المحلية. وغالبا ما ترتبط عائدات السياحة بتحويلات المغتربين في الدول المستوردة للطاقة في شمال أفريقيا. وحصل المغرب على إيرادات بلغت 197 مليار درهم (نحو 20 مليار دولار) من تحويلات المغتربين وعائدات السياحة خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة. وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلغ عدد زوار المغرب 16 مليون سائح، بمعدل 1,5 مليون سائح كل شهر بارتفاع 20 في المئة على زوار 2023.

وقالت وزيرة السياحية والاقتصاد الاجتماعي فاطمة الزهراء عمور لـ"المجلة" إن "الأرقام المسجلة في السياحة المغربية غير مسبوقة وهي نتيجة عمل وخطة استراتيجية وطنية، ونتطلع لاستقبال 26 مليون سائح قبل عام 2030، ونعمل من أجل أن يصبح المغرب الوجهة 15 ضمن خريطة السياحة العالمية". وتساهم السياحة بـ7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها تعتبر قطاعا حيويا لأنه يرتبط بأنشطة أخرى منها المواصلات والفنادق والمطاعم والحفلات والترفيه.

يتطلع المغرب لاستقطاب 80 مليون سائح على المدى المتوسط، ويجري حاليا تحديث 25 مطارا منها 20 دوليا، وتوسيع أسطول الخطوط الملكية المغربية بـ200 طائرة جديدة، ومد شبكة جديدة للقطارات الفائقة السرعة

رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش

وقال رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أمام مجلس النواب "إن المغرب يتطلع لاستقطاب 80 مليون سائح على المدى المتوسط، ويجري حاليا تحديث 25 مطارا منها 20 دوليا، وتوسيع أسطول الخطوط الملكية المغربية بـ200 طائرة جديدة، ومد شبكة جديدة للقطارات الفائقة السرعة على مسافة 450 كيلومترا، وتشييد عدد من الموانئ على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تجهيزات فندقية ورياضية وسياحية وتكنولوجية". وبحسب رئيس الحكومة، رصد المغرب استثمارات بقيمة 13 مليار دولار في مجال البنى التحتية استعدادا لاحتضان نهائيات كأس العالم 2030.

السياحة في مصر وتونس

حطمت السياحة في مصر أرقاما قياسية عام 2024، وتتوقع مواقع متخصصة أن تتجاوز 15 مليون سائح وإيرادات بنحو 14 مليار دولار، بفضل موسم سياحي قياسي للعام الثاني على التوالي، على الرغم من الاضطرابات الإقليمية المتواصلة، التي كان لها الأثر في الحد من توقعات وزارة السياحة والآثار المصرية بقدوم 18 مليون سائح إلى مصر عام 2024.
بدوره، يتوقع المغرب عائدات بنحو 13,5 مليار دولار من نشاط  السياحة والسفر باستقبال 17 مليون زائر، غالبيتهم من فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا والبرتغال. وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام بلغت الإيرادات من السياحة الدولية 10 مليارات دولار، وفق مكتب الصرف المشرف على العملة والتجارة الخارجية.

غيتي
سياح يشترون البمبلوني، وهي كعكة تونسية تقليدية مقلية في الزيت ومرشوشة بالسكر وتحظى بشعبية خاصة في قرية سيدي بوسعيد

 في تونس، بلغت عائدات السياحة 2,2 مليار دولار حتى نوفمبر/تشرين الثاني بزيادة 6 في المئة، وسط توقع تسجيل أرقام قياسية في الوافدين قد تصل عشرة ملايين من السياح والمغتربين. وتساهم السياحة بـ9 في المئة من الناتج المحلي  ويعمل فيها 400 ألف شخص. وتساعد إيرادات السياحة في معالجة بعض الاختلالات المالية المسجلة في السنوات الأخيرة، بعدما علقت تونس المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في خصوص قرض الـ 1,9 مليار دولار قبل عامين. وتحتاج تونس إلى تمويلات بالعملات الأجنبية لتسديد أقساط مستحقات خدمة ديون من الأسواق الدولية تبلغ قيمتها مليار دولار ويستحق أجلها في 30 كانون الثاني/يناير 2025.

رسائل سياحية

اعتاد ملايين الناس الانتقال بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط سنويا لأغراض مختلفة قد تكون بهدف السياحة أو التجارة أو الدراسة أو العلاج وغيرها. وكل زيادة في أعداد الزوار في الاتجاهين دليل انسجام ووفاق بين الحكومات، وتراجع في الخلافات والنزاعات والمخاوف والاحتراز والتوجس من الآخر. وقد يكون الأمر كذلك في مناطق كثيرة من العالم، لأن تعافي السياحة وحرية التنقل يعكسان منسوب الثقة بين الشعوب والأمم، وهو مدخل مهم لتعافي الاقتصاد من سنوات الأزمات.

font change

مقالات ذات صلة