بعدما أسفرت الانتخابات العامة سنة 1994 عن تشكيل حكومة وحدة وطنية في جنوب أفريقيا برئاسة نيلسون مانديلا، اختير الأسقف ديزمون توتو لرئاسة لجنة "الحقيقة والمصالحة"، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان السابقة التي ارتكبتها الجماعات المؤيدة والمناهضة للتمييز العنصري خلال سيادة نظام الأبارتايد.
كانت هذه اللجنة استدعت الفيلسوفة باربارا كاسان لتكون من جملة متابعي أعمال اللجنة. وقد سعت الفيلسوفة الفرنسية، في ما بعد، إلى أن تبرز "الفلسفة" التي كانت وراء انعقاد هذه اللجنة. أقول "الفلسفة"، لأن انعقاد تلك اللجنة وتدبير شؤونها، لم يكونا ممكنين إلا بتدخل حصيف من طرف الأسقف د. توتو الذي كان يهدف أساسا إلى "طيّ صفحة الماضي" من دون إراقة دماء.
لنسجل أولا أن هذه اللجنة لم تتحدث عن "الصفح والمصالحة"، شأن مثيلتها التي انعقدت في المملكة المغربية في ما بعد، وإنما عن "الحقيقة" والمصالحة. سيكون علينا، في ما بعد، أن نتساءل عن معنى "الحقيقة" في هذا السياق. لكن، قبل ذلك، لنتوقف عند الهدف الأساس التي كانت تتوخاه اللجنة. نجد جواب ذلك في تصريح لتوتو قال فيه إنها ترمي إلى "صناعة تاريخ مشترك". لم يقل الساهرون على اللجنة إنهم كانوا يرومون "إحياء" الماضي المشترك، ولا نسيانه، وإنما ابتداع ماض مشترك و"صناعته".