بين الهواجس والسفارات... الحذر واجب

في سوريا الكثير الكثير من الفرح... والكثير الكثير من الخوف والحذر

بين الهواجس والسفارات... الحذر واجب

في سوريا ما يدعو للتفاؤل، ولكن ثمة ما يدعو للقلق ويتطلب اليقظة.

بعد نضال الشعب السوري الذي استمر 14 عاما إلا ثلاثة أشهر، وبعد معركة عسكرية استمرت أياما، سقط النظام وهرب بشار الأسد، عاد السوريون، فمن كنت ألتقيهم في عواصم العالم كلا على حدة، صار بإمكاننا الجلوس حول طاولة واحدة على مقهى في قلب العاصمة السورية دمشق، لنتحدث عن الحلم وعن ذكرياتنا طيلة أعوام مضت، وعن هذه اللحظة التاريخية العظيمة التي نعيشها. وبين لحظة فرح وأخرى نعبر جميعا عن مخاوفنا وقلقنا حيال المستقبل، لماذا تصر الإدارة السياسية على استبعاد الخبرات وهي كثيرة راكمها السوريون خلال سنوات الهجرة القسرية في دول العالم المتحضر؟

لماذا لم يصافح قائد المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وزيرة الخارجية الألمانية؟ هو يمثل الدولة السورية وليس له الحق في "أسلمة" صورة سوريا. وتصريحات مديرة مكتب شؤون المرأة في حكومة تصريف الأعمال السيدة عائشة الدبس لا تبشر بالخير، رغم محاولة بعض من هم في الإدارة الحالية للبلاد بالرد على تصريحها بشكل غير مباشر. وما قيل عن تعديلات على المناهج التعليمية من قبل وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة نذير القادري وما لحقها من توضيحات. ومنح بعض غير السوريين رتبا عسكرية بينما الضباط والعسكريون المنشقون مستبعدون حتى اللحظة أمر يثير الكثير من المخاوف.

لماذا لم يصافح قائد المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وزيرة الخارجية الألمانية؟ هو يمثل الدولة السورية وليس له الحق في "أسلمة" صورة سوريا

كلها وغيرها مخاوف مشروعة بل وضرورية، وإن كان التبرير اليوم أن شهرا لم يمر على سقوط بشار الأسد، وأن المرحلة مؤقتة وستنتهي في الشهر الثالث من العام الحالي، والحديث عن ضرورة انسجام الفريق اليوم فلا وقت لبناء ثقة بين أعضاء فريق جديد ستنتهي مهمته كما قيل بعد 3 أشهر.

في الواقع ثمة معضلة، فالتخبط عند الإدارة الجديدة في كثير من الملفات واضح، وهذا الاستعجال لاتخاذ قرارات وتعديلات ليست من صلاحياتهم لافت، حتى وإن كانوا يجدون طريقة سلسة للتراجع أو التبرير، ولكن قد يكون من المفيد للجميع منحهم فرصة مع إبقاء العين مفتوحة على الأداء والنقد والاعتراض عند الحاجة، وهي مرحلة مؤقتة كما التزموا، تنتهي بعد أشهر قليلة لتبدأ معها المرحلة الانتقالية.

وفي رأيي أن هذه المرحلة، أي المرحلة الانتقالية، هي الأساس وحجر الزاوية بسوريا المستقبل، سوريا الدولة التي يسعى إليها معظم أبنائها، معظم، ويؤسفني أن لا أقول جميع. ولذلك فإن الاستعجال بإعلان مواعيد مختلفة لمؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده قريبا لم يكن موفقا، مؤتمر وطني يحتاج إلى وقت لإعداده وقد يكون من المفيد أن يعقد أحمد الشرع مؤتمرا صحافيا يتوجه به للسوريين يشرح لهم واقع الحال، ويخبرهم بأن الإعداد للمؤتمر لا يقل أهمية عن المؤتمر نفسه كي تنجح الخطوة الأولى باتجاه المرحلة الانتقالية وباتجاه سوريا الدولة، ليخاطب الجميع ويطمئن هواجس القلقين وهم كثر.

ويبقى لافتا بين هواجس المرحلة المؤقتة وهواجس المرحلة الانتقالية، أن أجسام المعارضة السورية لم تستوعب بعد أن نظام الأسد قد سقط، فلم يبدلوا من سياساتهم شيئا، عادوا إلى دمشق لا ليلتقوا السوريين بل ليتابعوا لقاءاتهم مع السفراء الذين كانوا يلتقونهم في الخارج.

هذه المرحلة، أي المرحلة الانتقالية، هي الأساس وحجر الزاوية في سوريا المستقبل، سوريا الدولة التي يسعى إليها معظم أبنائها، معظم، ويؤسفني أن لا أقول جميع

ما يثير قلقي وهواجسي أكثر من كلام الدبس وتراجع القادري ومصافحة الشرع، هو هذه المحاولات التي يقوم بها البعض بالاستقواء بالخارج، في وقت صار الداخل بفضائه ومساحاته ملكا للسوريين، جميع السوريين. حتى إن البعض صار يلمح إلى الاستقواء بالخارج والسلاح معا، في وقت لم يعتد أحد عليه.

يضاف إلى ذلك هذا التعالي بالتعاطي من قبل بعض الغرب، والإصرار على النظر إلى مجتمعاتنا بوصفها مجتمعات رجعية لا أمل أن تتمكن من بناء دولة مواطنة، فنبقى ندور بحلقة حقوق الأقليات والنساء، دون أي حديث عن حقوق المواطنة، يلاقيه تعاطي البعض الذي يستقوي بهذا الخارج دون أن يحاول فتح أي حوار جدي مع السوري "الآخر".

نحن أمام أهم مفصل في تاريخ سوريا، دول كثيرة فتحت أبوابها ودعمت خيار السوريين، دول أخرى ما زالت تترقب، بينما هناك من يتربص بسوريا ومستقبلها.

على كل مواطن سوري تقع المسؤولية، والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق الإدارة السياسية، لنصل جميعا إلى المرحلة التي ستنقلنا إلى سوريا الدولة، وقد يكون من المفيد بعض الثقة وإن كان الحذر مشروعا، ولننظر إلى أنفسنا كمواطنين متساوين ولنسعَ لذلك، بدل أن تذهب كل مجموعة للاستقواء بسفارة ودولة، فقد جربنا ما حل بسوريا نتيجة استقواء بشار لا بالسفارات فحسب بل بدول وجيوش على حساب مصلحة سوريا والسوريين.

font change