من الطبيعي أن تستند أفلام سينمائية إلى أعمال روائية وقصصية بالنظر إلى المشترك التخييلي والفني في ما بينهما، إذ يجمعهما أكثر مما يفرقهما. في المقابل اللامألوف وغير العادي أن تستند أفلام سينمائية على قلتها إلى قصائد شعرية.
هي محض مغامرة أن تيمّم تجارب سينمائية بوجهها شطر نصوص شعرية كلاسيكية ومعاصرة، إذ كيف للأدوات السينمائية المحتكمة إلى ما هو حكائي أو سردي في الغالب بحسب معالجتها الجمالية الخاصة، أن تتوافق مع الأدوات الشعرية لقصائد معظمها مجازي واستيهامي؟
ثلاث قصائد لإدغار آلان بو
في مقدمة هذه المختارات السينمائية التي اشتغلت بشكل مجازف على المادة الشعرية، القصيدة المفردة بالذات، نلفي الفيلم الكلاسيكي الصامت، "الضمير المنتقم" 1914 من إخراج ديفيد وارك غريفيث، المرتهن في قسم كبير منه إلى قصيدة "آنابيل لي" 1849 للشاعر الأميركي إدغار آلان بو، وموجز حكايته البصرية أن شابا مهووسا بأعمال بو يغرم بفتاة تؤدي دورها بلانش سويت، غير أن عمه يعترض على تعلقه بها، بل ويمنعه من الظفر بها مما يذهب بالوقائع العنيفة حد أن يقتل الشاب عمه ويسعى إلى إخفاء الجثة. تغدو وتيرة سماعه أدنى الأصوات هذيانية، إذ تتحول حياته إلى هلوسة جارفة، ويتضح في آخر المشاهد الملتبسة أن ما حدث مجرد كابوس.
قصيدة ثانية لإدغار آلان بو حوّلها المخرج جاك تورنور إلى فيلم سينمائي موسوم بالعنوان ذاته "مدينة تحت البحر" 1965، كتبها الشاعر عام 1831، لكنها صدرت بصيغتها النهائية عام 1845، مدارها هو الرعب ولهذا صُنّف الفيلم ضمن منحى الخيال العلمي ونزوع المغامرة، وموجز حكايته البصرية اكتشاف مدينة مفقودة في ساحل كورنوال، عاش بحّارتها قرنا من الزمن دون أن يشيخوا بعد، بفضل الغازات المتسربة من بركان في عمق البحر، وهو ما حاول أن يتحكم في سريته وسحريته القبطان برايس.