أحداث سوريا واثرها على الحوثيين

هذه الفترة هي الأصعب على الحوثيين

أحداث سوريا واثرها على الحوثيين

عندما سقط نظام بشار الأسد جن جنون الحوثيين على موقع "إكس"، خاصة عندما شاهدوا منشورات من ظنوا أنهم يوالونهم تبارك ما حدث في سوريا وتحتفل. شعر الحوثيون بالخوف، وأن صورتهم كأبطال، والزخم الإعلامي الذي كانوا يتمتعون به أخذها منهم من انتصروا في سوريا. وكان المفاجئ والصادم هو ما كتبته قيادات الحوثيين من انتقاد للجماعات الإسلامية الموجودة في سوريا، ووصفها بأنها ضد حقوق الإنسان وخاصة الأقليات، بينما تناسوا أفعالهم في اليمن، وكأنهم رواد في النهضة وحقوق الإنسان.

لفترة قريبة كانت هناك شخصيات اجتماعية وإعلامية وسياسية من جماعة "القاعدة" و"الإخوان المسلمين" ممن كانوا يدعمون الحوثيين بطرق مختلفة. ورغم خلفيتهم السياسية والدينية فإن هذا لم يضايق الحوثيين بأي شكل، بل على العكس، كانوا يرون أن ذلك دليل قوة بأن شخصيات وجماعات سنية تناصرهم بعيدا عن الطائفية، ولكن كل ذلك غيرته الأحداث في سوريا.

وعندما تم الإعلان عن نجاح الثورة السورية، عبرت الشخصيات تلك عن سعادتها بهذا النصر، واحتفلت بالسلطة الجديدة في سوريا. هنا جن جنون الحوثيين، وشاهدنا على منصة "إكس" الكثير من المشادات والمشاحنات بينهم. كانت حجة الحوثيين لرفضهم ما حدث في سوريا، أن الجماعة التي استولت على الحكم جماعة إرهابية من وجهة نظرهم، وأنها ارتكبت جرائم، وأنها ضد حقوق الإنسان والأقليات. كان ذلك مثيرا للاستغراب وربما الضحك، كيف أن الحوثيين الذين اعتقلوا حقوقيين وصحافيين، وموظفين في الأمم المتحدة والمجتمع المدني، وأفرادا من أقليات دينية قلقون اليوم من أن سوريا سيجري فيها التنكيل بحقوق الإنسان والأقليات. انظروا من يتحدث!

لم يعترف الحوثيون بسبب غضبهم الحقيقي، بأن الموضوع لا علاقة له بخوفهم على حقوق الإنسان والأقليات، وإنما لأسباب أخرى طائفية. كان هذا قبل أن يجد الحوثيون سببا آخر أكثر منطقية ليتحججوا به، فبعدما تناقل الإعلام تصريحات تقول إنهم لا ينوون الحرب ضد إسرائيل، ويركزون حاليا على إعمار بلدهم وجد الحوثيون هنا سببا أكثر إقناعا لمهاجمة الحكومة السورية الجديدة، وزادوا من هجماتهم ضد إسرائيل ليثبتوا أنهم هم على الحق بينما الآخرون على باطل.

يجد الحوثيون هذه الأيام أنفسهم في ورطة كبيرة، فهذه الفترة هي الأصعب عليهم. فجماعة "حزب الله" اللبنانية التي دربتهم ومولتهم تعرضت للتنكيل، وبشار الأسد سقط وترك سوريا. وفشل الحوثيون أيضا في حكم المناطق التي تحت سيطرتهم بسبب فسادهم والظلم الذي يمارسونه ضد الشعب ما أدى لتزايد غضب المواطنين ناحيتهم، وظهر ذلك جليا أثناء الاحتفالات بثورة 26 سبتمبر/أيلول التي قامت ضد الإمامة التي يعتبر اليمنيون أن الحوثيين امتدادٌ لها.

المخاطر التي يواجهها الحوثيون حاليا تهدد مصيرهم. هناك من يتوقع أن ينتج عن ذلك تقديمهم لتنازلات في مفاوضات سلام قادمة، خاصة وأنهم رفضوا ذلك عدة مرات حتى عندما كانت هذه المفاوضات ترجح مصلحتهم

عندما تزايد الخوف عند الحوثيين بعد إضعاف حلفائهم في محور الممانعة، هنا فقط تذكروا الشعب، فقرروا أن يحاولوا إرضاءه، فما كان منهم إلا أن أعلنوا أنهم سيعيدون المرتبات للموظفين العاملين في المقار الحكومية. قد يكون هذا الخبر إيجابيا ولكنه جعل كثرا يتساءلون باستغراب، لماذا أعلنوا ذلك الآن؟ وإن كانوا قادرين على فعل شيء مثل هذا فلماذا لم يفعلوه خلال السنوات السابقة، وتحججوا بأسباب عديدة وتركوا الناس يتضورون جوعا دون مرتبات لسنوات؟
الجانب الآخر الذي ركز عليه الحوثيون بعد شعورهم بالخوف هو زيادة ضرباتهم ضد إسرائيل. فتزايدت وتيرة إطلاقهم الصواريخ نحو تل أبيب والتصعيد في البحر الأحمر، فماذا تبقى لهم اليوم غير قضية فلسطين ليثبتوا أنهم ما زالوا الأبطال الذين لم يخذلوا القضية رغم كل شيء؟ كيف سيجعلون الشعب اليمني يقف معهم مرة أخرى ويصرفون تركيزه عما يحدث في لبنان وسوريا وعن الوضع الذي يعيش فيه. الحرب هي الطريقة الوحيدة بغض النظر عما ستؤول إليه، فلم يعد هناك ما يخسرونه، وهذه هي ورقتهم الأخيرة.
مؤخرا زار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس صنعاء لمناقشة الوضع الإنساني في اليمن، والتفاوض من أجل إطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة، وغيرهم من الموظفين والعاملين في المجتمع المدني. وبينما هو في المطار للمغادرة قامت إسرائيل بقصف المطار، ونجا المدير العام بحياته وعاد لبيته سالما. لا نعرف ما نتيجة مفاوضاته مع الحوثيين، ولكن يبدو لي أن الحوثيين يستخدمون موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني كرهائن أو ورقة تفاوض.
المخاطر التي يواجهها الحوثيون حاليا تهدد مصيرهم. هناك من يتوقع أن ينتج عن ذلك تقديمهم لتنازلات في مفاوضات سلام قادمة، خاصة وأنهم رفضوا ذلك عدة مرات حتى عندما كانت هذه المفاوضات ترجح مصلحتهم، وهناك من يرى أنهم لن يقدموا تنازلات وأنهم سيستمرون في عنادهم المعتاد وطيشهم.
بالنسبة للحوثيين، ها هم يكررون دائما بأن اليمن تختلف عن سوريا ولبنان. وأن اليمن بعيد في المسافة عن إسرائيل، وبذلك تصبح الحرب على الأرض مستحيلة خاصة وأنهم يرون الضعف في الحكومة الشرعية. ويحذرون أيضا أي دولة من التدخل، ويذكرون بمصير الجنود الأتراك في فترة العثمانيين، والأرواح التي خسروها في اليمن، والتي لم ينسَها الأتراك حتى يومنا هذا، ويتذكرونها في أغانيهم، وأيضا الجنود المصريين الذين قتلوا في حرب اليمن في الستينات والتي يُقال إنها كانت أحد أسباب النكسة. هم يعولون على كل هذا، وبأن اليمن "مقبرة الغزاة".
اليمن وخاصة صنعاء أصبحت مقبرة كبيرة. صور القتلى في ساحاتها ومقابرها ملأت وسائل الإعلام. وبينما قياداتها تختبئ في كهوف جبال اليمن الوعرة البعيدة عن إحداثيات الطيران يتزايد الخوف على مصير الشعب اليمني من الضربات الجوية إن استمرت هذه الجماعة في طيشها وعنادها، والمضي في طريق الموت والدمار.

font change