"يطوف في ذاكرتي هذا المشهد من مدينتي مأدبا. كانت الأعراس تقام في ساحات بيوتنا، وأنا طفلة صغيرة، أقف وراء أمي متمسكة بثوبها، أراقب المحتفلين. ضحكاتهم تملأ المكان وتختلط مع التهاليل الصاخبة، ينشدون الأغنيات ويتناولون الأطباق التقليدية، والفرح يختلط بنشوة المشروب. وعندما يحين وداع العروس، ويكون المزاج في أوجه، يختمون بأغنية ’يا خيي قول لأمّي’. كنت أشعر أن هذه الأغنية لغتهم في الحزن والفقد، كأنها تسأل، كيف ستتركنا ابنتنا وتعيش مع الغريب؟ وحين قررت تجديد أغنية من تراث الأردن، فكرت بها".
تتحدث مكادي نحاس لـ"المجلة" عن خلفية تجديدها أغنيتها الأوسع انتشارا "هيا على هيا/ يا خيي قول لامي". ولا تتبنى المعتقدات الشائعة حولها، مفسرة ميزتها بإحساس عميق بالشجن، وأنها قصة نموذجية قد تحدث في المجتمعات التقليدية، حين يفضل الأهل تزويج بناتهم لأبناء الأعمام. وتوضح أن أحدا لم يقتل الصبية، كما لم تجسّد الأغنية على الفسيفساء في مأدبا. فالفسيفساء تعود إلى آلاف السنين، بينما الأغنية من التراث.
شكلت هذه الأغنية شخصية نحاس الفنية في الأردن والمنطقة العربية، كما أحدثت انتقالا في المشهد الفني الأردني، الذي كان يفتقر إلى محاولات جادة لإحياء التراث الغنائي، ولا يزال يحتاج الى جهود كبيرة لتقديمه الى الجمهور العربي، ويكاد يغيب عن معرفة الجيل الأردني الجديد.
الفن الملتزم وعقباته
تستمر مكادي بتجديد اللون التراثي الذي يندرج ضمن خطها الملتزم على مدى 25 عاما، فهي اليوم تضع اللمسات الأخيرة على ألبومها السادس، الذي يصدر مطلع العام 2025. يضم الألبوم 10 إلى 12 أغنية تراثية أردنية، بروح عصرية، ويتولى الملحن والموسيقار اللبناني أسامة الرحباني التوزيع والانتاج الموسيقي، والانتاج ذاتي عبر "مقام"، التي أسستها بالشراكة مع زوجها سعود علان.