الصراع على سوريا... وفيها

الدول العربية الرئيسية بادرت الى دعم العهد الجديد

الصراع على سوريا... وفيها

بشار الأسد صار من الماضي. عائلة الأسد في محكمة التاريخ. الوحشية لا توقف مساره. التاريخ يثبت أحكامه. الشعب يقهر ولا يُقهر. السقوط هو النهاية الحتمية لأي ديكتاتور. سقط النظام وبقيت سوريا. هدية ثمينة يحملها السوريون من نهاية 2024 إلى بداية 2025.

طوت سوريا 54 سنة من تاريخها. بعد 14 سنة من الثبات، يفتح السوريون صفحة جديدة. فر بشار الأسد إلى موسكو ودخل رئيس "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) إلى دمشق. أسابيع مرت على فرار الأسد وسقوط منظومته بعد 11 يوما هزت سوريا والإقليم، لكنها تبدو للسوريين كأنها دهر. آلام مشاهد السجون والزنازين و"المسلخ البشري" في صيدنايا، ثقيلة. نزول الملايين إلى الساحات للاحتفال بـ"جمعة النصر"، احتفالي.

انتهت "جمهورية الكبتاغون". الآن، بإمكان السوريين التفرغ إلى طرح الأسئلة الكبرى ومعالجة التحديات الكبيرة وما أكثرها، خصوصا تلك التي تركتها المنظومة. ولعل المعادلة الأساسية هي ما قاله أحمد الشرع، قائد العمليات، من أن الثورة السورية انتصرت، لكن لا يجب أن تُقاد سوريا بعقلية الثورة، بل بعقلية الدولة. المعادلة الثانية هي استعادة السوريين لقرارهم واستعادة سوريا سيادتها، في وقت يحتدم فيه الصراع الدولي والإقليمي على دمشق وتتغير المعادلات الإقليمية.

اخترنا في "المجلة" أن تكون قصة الغلاف لشهر يناير/كانون الثاني 2025، بعنوان: "الصراع على سوريا". العنوان مستوحى من الكتاب الأول للكاتب البريطاني الراحل باتريك سيل. لخص فيه كيف كانت ساحة لصراع النفوذ العربي والأجنبي. ثم كتب كتابا ثانيا مدح فيه حافظ الأسد، بعنوان: "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط".

انتهت هاتان الحقبتان. تحولت سوريا من لاعب إلى ملعب. تقسمت إلى "ثلاث دويلات" وأقامت فيها وفي أجوائها جيوش خمس دول: أميركا في شمال شرقي البلاد، روسيا وإيران في وسطها وغربها، وتركيا في الشمال، إضافة إلى إسرائيل التي واصلت غاراتها. وكان واضحا من تصريحات الشرع رفضه تقسيم سوريا.

تدخل سوريا حاليا مرحلة جديدة، حيث يحتدم الصراع عليها وفيها. ونعالج هذا الملف من جميع جوانبه بأقلام خبراء وصحافيين.

تدخل سوريا حاليا مرحلة جديدة، حيث يحتدم الصراع عليها وفيها. ونعالج هذا الملف من جميع جوانبه بأقلام خبراء وصحافيين

إيران وميليشياتها خسرت استراتيجياً في سوريا وفي لبنان، ما أدى إلى انهيار "محور الممانعة"، لكنها تحاول التمكن في العراق. روسيا خسرت في سوريا بفرار بشار الأسد ونقله إلى موسكو، لكنها تبحث عن مستقبل قاعدتيها العسكريتين، في طرطوس واللاذقية، اللتين كانتا تاجاً لنفوذها في الشرق الأوسط بعد التدخل العسكري المباشر في 2015.

تركيا الرابح إلى الآن بسبب العلاقة التحالفية مع الحكم الجديد. استمرت العلاقة منذ 2011، وكانت داعما لانتصار "هيئة تحرير الشام" والفصائل في حلب وحماة وحمص ودمشق. ومن أبرز التعبيرات على ذلك أن وفدا أمنيا وسياسيا تركياً زار دمشق في منتصف ديسمبر/كانون الأول، فكان أول وفد أجنبي يزورها منذ سقوط الأسد وتسلم الشرع. كما وعدت تركيا بتقديم الدعم العسكري اللازم.

الدول العربية الرئيسية بادرت الى دعم العهد الجديد. خطوة طبيعية على اعتبار ان العمق الطبيعي لسوريا هو في الخليج والعالم العربي، وهذا ضمانة لاستقرارها وبنائها. وكان لافتا مستوى الزيارات من المسؤولين العرب الى دمشق، وان الرياض كانت أول محطة خارجية لوزير الخارجية الجديد أسعد الشيباني مع وزير الدفاع ورئيس جهاد الاستخبارات.

إسرائيل لم تتوقف عن ملاحقة المواقع الإيرانية و"حزب الله" في السنوات الأخيرة، بل إن الوثائق التي تكشفت بعد سقوط الأسد، تدل على وجود تنسيق بينه وبين تل أبيب

أما الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا، فإنه يدخل مرحلة جديدة لثلاثة أسباب: الأول، اتفاق إدارة بايدن وبغداد على الانسحاب من العراق على مرحلتين بدءا من سبتمبر/أيلول 2025. الثاني، تسلم دونالد ترمب، وهو لا يؤمن بالوجود العسكري والتدخل الخارجي. الثالث، حكم سوري جديد يرفض هذا الوجود والدعم العسكري الذي يقدمه لقوى عسكرية كردية غير سورية مقيمة في البلاد.

هناك إسرائيل. لم تتوقف عن ملاحقة المواقع الإيرانية و"حزب الله" في السنوات الأخيرة، بل إن الوثائق التي تكشفت بعد سقوط الأسد، تدل على وجود تنسيق بينه وبين تل أبيب. وكان لافتا أنه بمجرد تغيير النظام، بادرت إسرائيل إلى سلسلة من الإجراءات العسكرية: دمرت كل الأصول الاستراتيجية العسكرية، مثل الصواريخ والطائرات والقوات البحرية ومراكز الأبحاث. واحتلت المنطقة العازلة في الجولان بموجب اتفاق "فك الاشتباك" لعام 1974. واحتلت مواقع رقابة في قمة جبل الشيخ تطل على دمشق، ووصل الجيش الإسرائيلي إلى تخوم العاصمة السورية.

في سوريا الآن. يتداخل الخارج والداخل، تتناحر الجيوش الأجنبية والفصائل المحلية، ويتنافس الرابحون والخاسرون. معركة الحكم السورية المقبلة، هي استعادة القرار والسيادة

أمام هذا المشهد يبدو وجود الفصائل المسلحة أمراً مهماً. لا شك أن "هيئة تحرير الشام" وحلفاءها انتصرا في المعركة. وشاركت معهما في ذلك فصائل قدمت من الجنوب إلى دمشق. وهناك أيضا "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية-العربية في شمال شرقي البلاد. وهناك "فلول النظام" وتنظيماته في الساحل. وبدا أن "إدارة العمليات" وضعت في أولوياتها حل الفصائل وتأسيس جيش جديد للبلاد، بمواكبة دبلوماسية، من خلال تسمية وزيرين للدفاع والخارجية في الحكومة المؤقتة، وعرض تسويات على مسلحيي النظام.

في سوريا الآن. يتداخل الخارج والداخل، تتناحر الجيوش الأجنبية والفصائل المحلية، ويتنافس الرابحون والخاسرون. وصفة مقلقة لصراع في سوريا وعليها. معركة الحكم السورية المقبلة، هي استعادة القرار والسيادة وسط معارك محتدمة ومنع التقسيم وحياكة الجغرافيا السورية من جديد.

وإلى قصة الغلاف في عدد يناير 2025، هناك ملف خاص يستشرف سياسات ترمب في 2025، إضافة إلى مقالات وتحليلات ومقابلات في السياسة والاقتصاد والعلوم والثقافة.

font change