غضب مكتوم داخل بيئة "حزب الله" بعد تأخر التعويضات

من المسؤول عن تمويل إعادة الإعمار، الدولة اللبنانية أم المتسبب بمصائب الحرب والدمار؟

المجلة
المجلة

غضب مكتوم داخل بيئة "حزب الله" بعد تأخر التعويضات

لم تكن الحرب الأخيرة بين إسرائيل ولبنان، مجرد مواجهة عسكرية واستعراض لتفوق إسرائيل عسكريا واستخباراتيا على "حزب الله"، بل كانت اختبارا قاسيا لتحمّل بيئة الحزب أعباء وتبعات هذه الحرب التي خلّفت دمارا هائلا طال الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، إضافة إلى تهجير مئات الآلاف من العائلات وفقدان مصادر أرزاقهم.

ولكن مع دخول الشهر الثاني من تاريخ وقف إطلاق النار، تتعالى صرخات المتضررين، الذين وجدوا أنفسهم بين وعود التعويضات التي لم تُنفذ، وواقع اقتصادي منهار لا يسمح لهم بإعادة بناء حياتهم من جديد. ورغم زيارات الكشف من الجهات المعنية، وفي مقدمها "حزب الله"، لم تصل المساعدات إلى معظم المتضررين، مما ولد حالا من الإحباط والاستياء داخل بيئة الحزب.

أبو علي، مواطن لبناني من مدينة صور الجنوبية، وهو أحد المتضررين من القصف الاسرائيلي، قال لـ"المجلة" إنه لم يعد ينتظر أي تعويض من أي جهة، "أوكلت أمري إلى الله فقط، بيتي دُمّر بالكامل، ونادي الرياضة الذي أمتلكه تضررت فيه معظم المعدات، بالإضافة إلى الزجاج وغرفة الساونا، تقدّر الخسائر في النادي بين أربعة وخمسة آلاف دولار، إضافة إلى خسارة منزلي".

حتى الآن لم أحصل على أي تعويض أو مساعدة، لا من جمعية "صامدون" ولا من أي جهة أخرى. جميعهم يأتون لإجراء الكشف، يسجلون المعلومات على الورق ثم يرحلون

أبو علي، مواطن لبناني من مدينة صور في جنوي لبنان

وأضاف: "حتى الآن لم أحصل على أي تعويض أو مساعدة، لا من جمعية "صامدون" ولا من أي جهة أخرى. جميعهم يأتون لإجراء الكشف، يسجلون المعلومات على الورق ثم يرحلون. وعندما نراجعهم، يقولون: "انتظروا وصول أسمائكم". لذلك بدأت بتصليح الأضرار في النادي على نفقتي الخاصة لأتمكن من استئناف العمل، خصوصا أن المسؤوليات كبيرة جدا، حتى أنني استأجرت بيتا في صور وبدأت بتجهيزه على نفقتي أيضا".

كذلك هو الحال بالنسبة لأبو حسين الذي لم يتلق أي تعويض، بل إنه يؤكد أن "أي مبلغ سيدفع لن يعوض الخسارة التي منينا بها". أبو حسين كان يخطط لإرسال ابنه إلى إحدى الدول الأوروبية لاستكمال دراسته الجامعية قبل بداية الحرب، معتمدا على عائدات بدل الايجار من عقارات ومحال تجارية كان يملكها في قريته عيتا الشعب، التي كانت مصدر رزقه الأساسي. لكنه خسرها خلال الحرب، ولم يتلق أي تعويض عن الخسائر التي تكبدها. إضافة إلى تدمير منزله بالكامل.

.أ.ف.ب
سيدة وابنتها تسيران وسط الأنقاض عقب الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، في 29 نوفمبر 2024

حاله حال أبناء القرى الحدودية، تهجر مرتين خلال الحرب، المرة الأولى من قريته التي تقع على الشريط الحدودي إلى إحدى قرى قضاء صور، والمرة الثانية بعد توسع الحرب نزح وعائلته إلى قضاء المتن ولا يزال يعيش هناك، وأكد أبو حسين في حديثه الى "المجلة"، أنه تعرض مرتين للاستغلال بسبب الإيجارات المرتفعة، وبعد أكثر من عام من التهجير يقول "وصلت إلى مرحلة بتّ فيها أطلب الأموال من أصدقائي المغتربين، بعدما كنت أملك العقارات وأخطط لمستقبل عائلتي، هذا ما جنيناه من الحرب".

إعادة الإعمار: مسؤولية الدولة أم "حزب الله"؟

بعد انتهاء الحرب أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، أن الحزب سيقدم التعويضات للمتضررين من الحرب، بقيمة 8000 دولار كبدل أثاث للمنازل المدمرة كليا، وفي حال كان صاحب المنزل يسكن في بيروت أو الضاحية، يحصل على 6000 دولار كإيجار لمدة سنة، بينما يحصل من يسكن خارج بيروت على 4000 دولار. كما أشار قاسم إلى وجود تفاصيل أخرى متعلقة بالهدم الجزئي وفقدان الأثاث، سيتم نشرها على موقع إلكتروني وعبر اللجان المتخصصة المنتشرة في المناطق.

هناك جدلية أساسية هل الدولة غير مسؤولة لأنها لم تتخذ قرار الحرب؟ أم أنها مسؤولة رغم عدم قدرتها بسبب الانهيار الاقتصادي وغياب المساعدات والإصلاحات؟

سامي نادر، خبير اقتصادي ومحلل سياسي

ولكن يؤكد مطلعون أن هناك بطئا شديدا في تنفيذ وعود "حزب الله" في شأن التعويضات. وهناك محاولة لتخفيف وطأة الضغط عن كاهله عبر تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية إعادة الاعمار، إلاّ أن هذا التصريح الذي أتى على لسان قاسم أثار استياء جمهوره والبيئة الحاضنة التي وُعدت قبل أشهر وتحديدا في تموز/يوليو الماضي بإعادة إعمار البيوت أجمل مما كانت، وذلك في تصريح للأمين العام السابق حسن نصر الله الذي قال "نؤكد لأهلنا في الجنوب أننا سنعيد إعمار منازلنا لنعيدها كما كانت وأجمل".

في هذا السياق قال الخبير الاقتصادي ومحلل شؤون الشرق الأوسط، الدكتور سامي نادر إن "هناك جدلية أساسية "هل الدولة غير مسؤولة لأنها لم تتخذ قرار الحرب؟ أم أنها مسؤولة رغم عدم قدرتها بسبب الانهيار الاقتصادي وغياب المساعدات والإصلاحات؟".

.أ.ف.ب
لبناني جنوبي يدخن "الأركيلة" وسط ركام مبنى استهدفه الجيش الإسرائيلي في مدينة النبطية، جنوب لبنان، 4 ديسمبر 2024

وأضاف لـ"المجلة": "اعادة الاعمار ستكون مسؤولية الدولة اللبنانية لو انها هي التي اتخذت قرار الحرب، وبالتالي هناك اشكالية. نعم صحيح المتضررون هم مواطنون لبنانيون، والدولة تتحمل مسؤوليتهم. ولكن لا يمكن غض النظر ان "حزب الله" اتخذ منفردا قرار بدء الحرب، وقرار وقفها، وقبل بشروط اتفاق وقف إطلاق النار، وهو يتحمل مسؤولية ما جرى، وبالتالي عليه ان يتحمل اعباء هذه الحرب ونتائجها".

وتابع "في عام 2006، تحمل الحزب بشكل مباشر جزءا من الأعباء، إلى جانب الدولة التي تحملت أيضا، بالإضافة إلى تلقيها مساعدات دولية وعربية. أما اليوم، فالظروف مختلفة. لبنان يفتقر إلى الدعم والمساعدات لبدء إعادة الإعمار، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي هو أسوأ بكثير مما كان عليه لبنان عام 2006. حينها كانت عائدات الدولة تصل إلى 11 مليار دولار سنويا، بينما اليوم لا تتجاوز المليار ونصف المليار. لذلك الدولة عاجزة عن تحمل أعباء إعادة الإعمار".

هذه الحرب كانت صراعا بين التكنولوجيا والأيديولوجيا، وفي النهاية انتصرت التكنولوجيا. "حزب الله" لم يمتلك القدرة على الانتصار في الحرب، لأنّ إسرائيل تفوقت عليه تكنولوجيا، ولم يعد يمتلك الإمكانات المادية لإعادة الإعمار

منصور، خبيرة اقتصادية

وأكد أيضا أن "حزب الله لن يتمكن من تنفيذ وعوده المتعلقة بإعادة الإعمار بسبب إغلاق طرق الإمداد عبر سوريا واستهداف مخازن أمواله، ومصادر تمويله، الأمر الذي أدى إلى تراجع قدراته المالية. وهذا سيؤثر بالتأكيد على حجم التأييد الذي يحظى به، خصوصا أن القاعدة الشعبية للحزب تضررت ولا تزال بشكل كبير".

وهذا ما أكده أيضا الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل بأن "حزب الله لن يستطع أن يفي بوعود إعادة الإعمار، فتقديم مبلغ يصل إلى 14 ألف دولار لكل عائلة بين إيجار وأثاث منزلي، لا يغطي تكلفة إعادة بناء المباني المدمرة. فالإعمار يحتاج إلى مبالغ كبيرة لن يستطع "حزب الله" تأمينها ولا حتى إيران، التي إن أرادت المساعدة كما أعلنت، يجب عليها المساعدة حصرا عبر النظام المالي الشرعي والقنوات الرسمية وبشفافية، مع التزام العقوبات الدولية المفروضة".

 

من جهتها أكدت الباحثة في الشأن الاقتصادي الدكتورة ليال منصور لـ"المجلة" أنه " على الرغم من الوعود التي أطلقها "حزب الله" في شأن إعادة الإعمار، تبقى هذه الوعود بعيدة عن الواقع. هذه الحرب كانت صراعا بين التكنولوجيا والأيديولوجيا، وفي النهاية انتصرت التكنولوجيا. "حزب الله" لم يمتلك القدرة على الانتصار في الحرب، لأن إسرائيل تفوقت عليه تكنولوجيا، ولم يعد يمتلك الإمكانات المادية لإعادة الإعمار، خصوصا مع التدهور الاقتصادي الحاد الذي تشهده إيران، وانهيار عملتها".

وأضافت أن "حزب الله" نجح في السابق بجذب جمهوره عبر المال والمراكز التي وفرها في نطاق "الدويلة"، ولكن مع تقلص التمويل وتآكل نفوذه العسكري نتيجة الحرب، لم يتبق لديه سوى الخطابات السياسية، وتقديم الكلام والوعود إلى جمهوره، وهذا ما يفعله الآن من خلال وعود إعادة الاعمار".

لا يمكن غض النظر عن الفرص الضائعة على الاقتصاد اللبناني بسبب الحرب، ففي عام 2023، كان أداء الاقتصاد اللبناني جيدا خلال الأشهر التسعة الأولى أي قبل 8 أكتوبر موعد بدء حرب الاسناد، حيث كان متوقعا أن يبلغ النمو 2%. ولكن بعد الحرب، تراجع النمو إلى 1 في المئة

الدكتور نسيب غبريل، خبير اقتصادي

مع وقف إطلاق النار أعدت جهات مختلفة رسمية وغير رسمية تقديراتها حول حجم الدمار وتكلفته، ومع تفاوت الأرقام أكد غبريل لـ"المجلة" أنه حتى الآن لا أرقام دقيقة حول تكلفة إعادة الإعمار والخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي نتجت من الحرب، فالأرقام المتداولة تعبر عن آراء أكثر مما هي تقارير مبنية على أسس علمية".

تباين في الأرقام وخسائر اقتصادية

وقال: "في حرب تموز/يوليو 2006 جرى مسح مباشر للأضرار، وهذا ما لم يحدث حتى الآن وقدرت حينها الخسائر بـ 3.6 مليارات دولار. اليوم، لا تزال هناك قرى على الشريط الحدودي يمنع الوصول إليها بسبب الانتشار الإسرائيلي فيها، وحجم الأضرار فيها غير معروف، مع تسجيل تدمير كامل لنحو 40 قرية.

ولكن ما يمكن تأكيده أن حجم الخسائر المادية لهذه الحرب تفوق الخسائر المادية المسجلة في حرب تموز/يوليو بسبب شدة القصف والدمار وطول فترة الحرب. هذا عدا عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تضرر المصانع، الشركات، والمتاجر، إضافة إلى تراجع الحركة الاقتصادية من سياحة، استهلاك، واستثمار".

رويترز
جندي من الجيش اللبناني، يسير وسط حي مدمر عقب الغارات الإسرائيلية على قرية الخيام اللبنانية، 23 ديسمبر 2024

وبحسب غبريل لا يمكن غض النظر عن الفرص الضائعة على الاقتصاد اللبناني بسبب الحرب، "ففي عام 2023، كان أداء الاقتصاد اللبناني جيدا خلال الأشهر التسعة الأولى أي قبل 8 أكتوبر/تشرين الأول موعد بدء حرب الاسناد، حيث كان متوقعا أن يبلغ النمو 2%. ولكن بعد الحرب، تراجع النمو إلى 1 في المئة، مما يشير إلى خسائر في الفرص الاقتصادية تعادل نقطة مئوية واحدة".

في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان، لن تستطيع الدولة تأمين مليارات إعادة الإعمار ولن يستطيع القطاع المصرفي مساندتها كما حصل في حرب تموز، ولن تستطيع الحصول على تمويل داخلي أو خارجي لتأمين مبالغ إعادة الإعمار بسبب عدم القيام بالإصلاحات المطلوبة ومعالجة الدين العام. 

الدكتور نسيب غبريل، خبير اقتصادي

وأوضح: "أما بالنسبة الى عام 2024، فكانت التوقعات تشير إلى نمو بنسبة 3 في المئة، إلا أن الحرب أدت إلى انكماش يتراوح بين 6 في المئة و7 في المئة. بذلك، خسر الاقتصاد ما يعادل 9 إلى 10 نقاط مئوية من النمو المتوقع".

إعادة الإعمار وتحديات التمويل

يبدو أن الأمور ستراوح مكانها في ما يتعلق بخطط إعادة الاعمار، فهناك تحديات مالية كبيرة لن تتحقق إلا من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية وإعادة تموضع لبنان في الحضن العربي والدولي.

وهذا ما أكده غبريل "في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان، لن تستطيع الدولة تأمين مليارات إعادة الإعمار ولن يستطيع القطاع المصرفي مساندتها كما حصل في حرب تموز، ولن تستطيع الحصول على تمويل داخلي أو خارجي لتأمين مبالغ إعادة الإعمار بسبب عدم القيام بالإصلاحات المطلوبة ومعالجة الدين العام. ما تستطيع أن تفعله وتقدمه الحكومة قامت به، فهي لن تستطيع تقديم أكثر من طرح إجراءات كالإعفاءات الضريبية للمؤسسات والمباني المتضررة".

رويترز
امرأتان تقفان بجانب مركبات محترقة عقب الغارات الإسرائلية على العاصمة بيروت، 11 أكتوبر 2024

وأضاف: حتى أنّ البنك الدولي نصح لبنان بالاعتماد على الهبات لبدء عملية إعادة الاعمار مع الإشارة إلى أنه أبلغ لبنان بإمكان تحويل جزء من القروض المخصصة لمشاريع معينة إلى مشروع إعادة الإعمار، لكنها مبالغ محدودة وغير كافية. لذلك يتطلب أي تمويل لإعادة الاعمار تصحيح علاقات لبنان الدولية والعربية المتدهورة، وإعادة التواصل مع المؤسسات المتعددة الاطراف كصندوق النقد الدولي وغيره عبر تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لاستعادة الدعم".

وختم غبريل: "إضافة إلى إعادة تكوين السلطة عبر انتخاب رئيس جمهورية لديه رؤية واضحة لتموضع لبنان ومستقبله، وتشكيل حكومة منسجمة مع هذه الرؤية، وضبط الحدود ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي، ووقف تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج وغيرها، وتثبيت حكم القانون. حينها تضع السلطة التنفيذية الجديدة برنامجا لإعادة الاعمار ومصادر التمويل من جهة واعادة النهوض بالاقتصاد من جهة ثانية لأننا اصلا في أزمة اقتصادية".

الاستياء من قيمة التعويضات داخل بيئة "حزب الله"، بدأ يخرج إلى العلن ولو بشكل خجول، وبعضه خرج على مواقع التواصل الاجتماعي

نزار مرتضى لـ"المجلة" ضمن المستحقين للتعويضات

بدورها أكدّت منصور أن "معظم الدول التي تدخل الحروب لا تستطيع تمويل إعادة الإعمار بمفردها، لذا تلجأ إلى تسويات سياسية وجيوسياسية مع قوى دولية للحصول على الدعم اللازم لإعادة الإعمار. وغالبا ما يتم تقديم تنازلات في سبيل ذلك، مقابل جزء من الأرباح أو الاستثمارات المرتبطة بعملية الإعمار، وهذا ما يجب على لبنان فعله".

.أ.ف.ب
نموذج من الدمار بلدة ياطر في جنوب لبنان، ويبدو عنصر من "حزب الله" يهم بزرع أعلام الحزب فوق الخراب

وتابعت "ما يحتاج إليه لبنان ليس فقط قرار وقف إطلاق النار، بل يتطلب الأمر تغييرا سياسيا للوصول إلى تسوية تحقق استقرارا سياسيا وجيوسياسيا على المدى الطويل. والتحدي الأساسي يكمن في وجود "حزب الله" كقوة مسلحة تهيمن على قرار الدولة. استمرار "حزب الله" في سياسته الحالية وتمسكه بسلاحه سيؤدي إلى عزلة دولية للبنان وحرمانه من دعم الدول الكبرى في إعادة الإعمار، مما يجعله شبيها بالدول التي تخضع لهيمنة إيران. وإذا أصر لبنان على السير بعكس التيار الدولي، فعليه تحمل عواقب خياراته".

وأضافت: "إعادة الإعمار مرهونة بالتسوية، فبحسب الدراسات، لا يمكن إعادة إعمار لبنان دون التوصل إلى حل سياسي طويل الأمد بين إسرائيل و"حزب الله". التسوية ليست مجرد وقف إطلاق نار، بل هي إطار شامل يضمن استقرارا سياسيا واقتصاديا يمكن من خلاله جذب الاستثمارات وإعادة بناء البلاد. وهذه التسوية تتطلب وقف أنشطة "حزب الله" غير المشروعة، بما في ذلك تجارة المخدرات، تهريب الأموال، وعمليات التهريب الأخرى. هذه الأنشطة حرمت لبنان إمكان تحسين علاقاته الدولية واستقطاب الدعم، التي صنف "حزب الله" بسببها منظمة إرهابية في العديد من الدول".

غضب مكتوم داخليا

الاستياء من قيمة التعويضات داخل بيئة "حزب الله"، بدأ يخرج إلى العلن ولو بشكل خجول، بعضه على مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبيته تقتصر على الاعتراض داخل مجموعات على تطبيق "واتساب" تضم متضررين يتشاركون الحي نفسه أو الأبنية نفسها. وذلك بحسب ما أكد نزار مرتضى لـ"المجلة" وهو مواطن جنوبي مطلع على سير عملية التعويضات.

يبدو أن الحديث عن خطط ضخمة لإعادة الإعمار هو في كثير من الأحيان وسيلة لتهدئة الجمهور أكثر من كونه خطة تنفيذية واضحة

وأضاف: "حتى الآن، هناك صرخات داخلية من المتضررين أنفسهم، لكنهم يحاولون تجنب التعبير عنها في الإعلام خشية التعرض للتخوين أو التهديد بحرمانهم من التعويضات. هذا بالإضافة إلى أن أي مطالبة علنية بحقوقهم قد تفسر كإضعاف لدور "المقاومة"، مما يجعل الغضب محصورا في النقاشات الخاصة أو احتجاجات محدودة النطاق".

.أ.ف.ب
امرأة تمشي وسط أنقاض المباني المدمرة عقب الغارات الإسرائيلية على حي الشباح، في الضاحية الجنوبية لبيروت، 28 نوفمبر 2024

وتابع "يلاحظ أن الحزب يستغل رواية "الصمود والمقاومة" لإبقاء البيئة الحاضنة ملتزمة، لكنه يواجه صعوبات عملية في تقديم المساعدات بسبب القيود المالية المفروضة عليه، خاصة مع تراجع الدعم الخارجي مقارنة بالسنوات السابقة. ويبدو أنّ الحديث عن خطط ضخمة لإعادة الإعمار هو في كثير من الأحيان وسيلة لتهدئة الجمهور أكثر من كونه خطة تنفيذية واضحة، فلم تُصرف التعويضات بشكل كافٍ، والناس يعيشون حالة من الترقب والخيبة، معتمدين على إمكاناتهم الشخصية أو المساعدات الأهلية".

وختم مرتضى: "الصرخة الكبرى في البقاع الذي يعاني أهله من تجاهل واضح، حيث إن الأولوية تُعطى للجنوب والضاحية كونهما منطقتي الثقل السياسي والشعبي لحزب الله".

font change

مقالات ذات صلة