اتفاق غزة بين مطالب "الغزيين" وحسابات "حماس" الاستراتيجية

ما هي مطالب النازحين من ديارهم؟

أ.ف.ب
أ.ف.ب
فلسطينيون نازحون في مخيم مؤقت بمدينة غزة في 31 ديسمبر 2024

اتفاق غزة بين مطالب "الغزيين" وحسابات "حماس" الاستراتيجية

بين خيام النازحين المنتشرة على طول الساحل الغربي لمدينتي دير البلح وخانيونس وسط قطاع غزة، يجلس الغالبية من الرجال والنساء بين الخيام وفي الطرقات، وخلال جلساتهم يرتكز حديثهم اليومي حول آخر التطورات والتسريبات الشحيحة الواردة عبر وسائل الإعلام حول عمليات التفاوض بين حركة "حماس" وإسرائيل برعاية قطرية-مصرية-أميركية منذ قرابة شهر دون الإعلان عن الوصول لاتفاق واضح، إلى جانب الحديث حول استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحقهم وذكر من فقدوهم والحنين للعودة إلى ديارهم ومنازلهم التي أجبرهم الجيش الإسرائيلي على النزوح منها ومنعهم من العودة منذ أكثر من 14 شهرا من عمر الحرب.

ومنذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبعد الإعلان عن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالسباق الانتخابي لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الدورة القادمة حيث سيتقلد منصبه في الشهر الجاري، بدأت جولة جديدة من التفاوض في قطر ومصر برعاية الدولتين والولايات المتحدة الأميركية بين "حماس" وإسرائيل، اشترطت قطر خلال التفاوض السرية وعدم تسريب المعلومات حول مجريات التفاوض، وهو ما التزمت به حركة "حماس" بشكل أكبر من إسرائيل حتى لحظة نشر هذا المقال، إلا أنه وبعد قرابة شهر من المفاوضات والتكهنات الإعلامية، لم يتم الإعلان عن التوصل لاتفاق يقضي بانتهاء الحرب أو هدنة لإتمام عملية تبادل للأسرى.

وبحسب التسريبات الواردة عبر وسائل الإعلام المختلفة، فإن المفاوضات الجارية بين "حماس" وإسرائيل، ترتكز في الأساس على اتفاق حول عملية تبادل الأسرى بين الجانبين، فيما تبدو النقاط الخلافية حتى اللحظة، حول عدد ونوعية الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم في المراحل الأولى من الاتفاق، والذي قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار وعودة النازحين إلى ديارهم وانسحاب الجيش الإسرائيلي من أجزاء داخلية لقطاع غزة.

وتعبر وجهات نظر المفاوضين من كلا الطرفين عن مطالبهما فقط دون الالتفات لمطالب عائلات الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة "حماس"، والتي تطالب بعقد صفقة تبادل مع "حماس" وتنفيذ مطالبها واستعادة أبنائهم أحياء دون الاهتمام بمطالب الحكومة الإسرائيلية التي تركز في الأساس على إنهاء المقاومة الفلسطينية وسلاحها، وضمان عدم عودة "حماس" للحكم في غزة.

أما حركة "حماس"، فترتكز مطالبها الأساسية، على استعادة أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وبالأخص الأسرى القدامى والمرضى وأصحاب المؤبدات العالية، مقابل الإفراج عن المحتجزين لديها، كما تشترط لعقد صفقة التبادل، وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي وفتح المعابر وإعادة إعمار القطاع وما دمره الجيش الإسرائيلي الذي يحتاج أكثر من عشر سنوات بحسب ما أكدت عدة مؤسسات ومنظمات دولية في تقارير حديثة لها، حيث تعرض أكثر من 70 في المئة من قطاع غزة للتدمير والخراب.

لكن ما هي مطالب المواطنين الغزيين النازحين من ديارهم في خيام لا تقيهم من حرارة الصيف أو برد وأمطار الشتاء؟ وماذا عن مطالب أهالي ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية، حيث تجاوزت أعداد الضحايا لأكثر من 45 ألفا فيما لا يزال هناك أكثر من 10 آلاف مفقود غير معلوم مصيرهم بحسب آخر إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة بغزة، وماذا عن مطالب من فقدوا أعمالهم ومنازلهم وحياتهم واستقرارهم ولا زالوا تحت القصف وعرضة للقتل في أي لحظة؟ وماذا عن الغزيين في الخارج والذين اضطروا للسفر من أجل العلاج أو التعليم أو بحثا عن الأمان في بداية الحرب ولم يتمكنوا من العودة بعد أكثر من عام من خروجهم؟

يستغرب النازحون والناجون من حرب الإبادة الإسرائيلية استمرار التفاوض لأسابيع طويلة دون الوصول إلى حل يقضي بوقف عمليات القتل والدمار مقابل التمسك بشروط الإفراج عن الأسرى

يجلس محمود يونس- نازح من مدينة غزة شمال القطاع- وجاره في النزوح بكر محمود– نازح من مدينة رفح جنوبي القطاع- مقابل خيامهم في منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس، وهي المنطقة التي ارتكب فيها الجيش الإسرائيلي المجازر وعمليات القتل للفلسطينيين رغم تحديدها كمناطق إنسانية آمنة. يقضي الرجلان معظم يومهم في الحديث حول آخر تطورات المفاوضات بين حركة "حماس" وإسرائيل، بناء على ما يسمعانه في وسائل الإعلام من تسريبات للمفاوضات، على أمل الوصول لاتفاق يقضي بعودة كل واحد منهم مع عائلته إلى منزله، التي تعرضت للدمار خلال نزوحهم.

يقول يونس 51 عاما، لـ"المجلة"، إنه اضطر للنزوح مع عائلته قبل أكثر من عام معتقدا أنه سيعود خلال أيام، إلا أنه لم يتمكن من ذلك بسبب استمرار الحرب وقطع الجيش الإسرائيلي للطريق بين جنوب وشمال القطاع، حيث أنشأ وتمركز في محور نتساريم، مضيفا: "أنا لو بعرف هيك الحال بدها أطول، كان ما طلعت، كان متت في بيتي مع ولادي وزوجتي ولا أعيش ظروف النزوح والبعد عن البيت اللي تعرض للسرقة وبعدين تعرض للقصف والدمار".

أ.ف.ب
طفل فلسطيني يطهو طعاما خارج خميته بغزة، في 31 ديسمبر 2024

كان يونس يمتلك محل بقالة أسفل منزله بحي تل الهوى جنوب غربي غزة، وهو مصدر دخله وأسرته الأساسي، حيث فقد عمله وبضائعه ودفاتر الديون على زبائنه خلال تدمير منزله وعمله، ووجد نفسه يجلس في خيمة لا يمتلك إلا بعض النقود التي احتفظ بها ليوم "أسود" كما يقول، لكن اليوم تحول لأسابيع وشهور وتجاوز العام، حيث لم يعد يستطيع توفير احتياجات أبنائه، ما دفعه لإنشاء بسطة أمام خيمته لبيع بعض المواد الغذائية المتوفرة في الأسواق من المساعدات الغذائية الواردة للنازحين.

ويشير إلى أنه يتابع بشكل يومي الأخبار على أمل الإعلان عن وقف الحرب، موضحا أنه ينتظر بفارغ الصبر وقف الحرب وتمكنه من العودة لما تبقى من ركام منزله المُدمر، والعمل على استعادة حياته ضمن عملية إعادة الإعمار التي يتأمل بها "أنا ما بدي أكتر من وقف القتل والدمار وعودتنا دون أي شروط، ونقدر نعمر البيت من جديد ونكمل حياتنا، وولادي يكملوا دراستهم بالمدارس والجامعات".

ويتفق بكر محمود (46 عاما)، مع جاره في المطالب، مركزا على ضرورة أن تكون هناك إعادة إعمار لما دُمر خلال الحرب، ويقول لـ"المجلة": "أنا كنت باشتغل مقاول بناء، فقدت البيت والعمل، ما في حدا يبني في الحرب، كل اللي بصير بس قتل وتدمير، وعندي أمل نقدر نعمّر البيت وكمان الإعمار بخلينا نستعيد شغلنا، الناس أُنهكت ماديا، وما في حدا قادر يرجع يعمّر بيته على حسابه، اللي كان معه شوية فلوس صرفها على خيمة وأكل والأسعار أضعاف سعرها، ولازم يكون في إعادة إعمار وإلا احنا بكونوا حكمونا إعدام على البطيء".

ويتابع محمود الأخبار اليومية، مستغربا من استمرار التفاوض لأسابيع طويلة دون الوصول إلى حل يقضي بوقف عمليات القتل والدمار في مقابل التمسك بشروط الإفراج عن الأسرى، مضيفا: "أنا مش ضد الجميع ينول حريته، والأسرى حقهم الحرية لكن حجم الدمار والقتل واستمرار المجازر احنا وحدنا اللي بنعاني منها وبنواجهها مش المفاوض، احنا قدامنا مليون حرب بعد الحرب، حرب كيف نرجع وحرب كيف نستعيد حياتنا، حرب كيف نسجل ولادنا بالجامعات بعد ما تم تدميرها، وحرب عشان تحصل على حقك في إعادة إعمار بيتك، وحرب عشان تحصل على خدمات أساسية زي الكهرباء والمياه والصرف الصحي والشوارع وغيرها، كل هادي الحروب الفردية لسة بانتظارنا احنا النازحين".

تختلف طريقة تفكير الغزيين النازحين في التعبير عن احتياجاتهم ومطالبهم الأساسية البسيطة، عن المفاوض الفلسطيني الذي تمثله قيادة حركة "حماس" في المفاوضات

وتختلف طريقة تفكير الغزيين النازحين في التعبير عن احتياجاتهم ومطالبهم الأساسية البسيطة، عن المفاوض الفلسطيني الذي تمثله قيادة حركة "حماس" في المفاوضات، حيث تركز الحركة على مطالبها السياسية الاستراتيجية من وجهة نظرها، واعتمادها على لعبة الصمود– سياسيا وعسكريا- لأطول نفس ممكن أمام الهجمات والتعنت الإسرائيلي الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعقب اقتحام عناصر من "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" للحدود الشرقية للقطاع واختطاف أكثر من 100 أسير إسرائيلي بحسب المعطيات المتوفرة، دون الإعلان عن رقم دقيق للمختطفين.

سمية عبد النبي (44 عاما)، تعرضت عائلتها إلى قصف إسرائيلي طال منزلهم بمدينة غزة في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، ما تسبب في مقتل عدد من أفراد عائلتها وإصابة آخرين، حيث تعرض ابنها البالغ من العمر 12 عاما لإصابة بالغة في القدمين، اضطرت على أثرها إلى السفر معه للعلاج في مصر قبل أن يسيطر الجيش الإسرائيلي على معبر رفح البري مع مصر في مايو/أيار الماضي عندما اجتاح مدينة رفح وسيطر عليها عسكريا، حيث تابعت مع طفلها العلاج فيما مكث زوجها وأطفالها الثلاثة الآخرون مع والدهم في خيمة وسط القطاع.

تقول لـ"المجلة"، إن ابنها أكمل رحلة علاجه وتشافيه في المستشفيات المصرية، ولم يعد لوجودهم هناك مبرر، وكان من المفترض أن يعودا قبل شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن بسبب إغلاق المعبر اضطرت لاستئجار شقة صغيرة هي وطفلها وحدهما، مضيفة: "طول الوقت بس بفكر في ولادي وزوجي، خايفة يصير معهم إشي وأنا بعيدة ومش قادرة أكون معهم، كل تفكيري الحالي كيف بدنا نرجع مع بعض، كيف بدي أرجع أنا وابني لغزة".

صحيح أنها استأجرت منزلا، لكنها ما زالت ترفض تفريغ حقائبها وحقائب طفلها، وتصر على أنها ستبقى جاهزة للعودة في أول فرصة تسمح لهما.. "أنا بديش أكون هنا، بدي الحرب تخلص ونرجع على غزة، كل يوم باتابع الأخبار وباستنى أي خبر، باتعلق في معبر رفح، عندي أمل يرجع يفتح ونقدر نرجع، احنا تعبنا ومش قادرين لا على البُعد ولا على المصاريف كمان".

font change

مقالات ذات صلة