فيما تركز عناوين الصحف العالمية اليوم على النسخة الجديدة المحسنة من زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، المعروف عالميا باسم "أبو محمد الجولاني"، لا يمكن للمرء أن يمنع نفسه من الشعور بأنه سبق وعاش هذه الأحداث نفسها. عندها يتبادر إلى الذهن في الحال المشهد السياسي في أفغانستان، عندما كان القادة أنفسهم ومفكرو العالم يدافعون عن "حركة طالبان المعاد تأهيلها" قبل سقوط كابول في أغسطس/آب 2021.
ورفض الشرع نفسه المقارنات مع "طالبان" في مقابلة حديثة له مع "هيئة الإذاعة البريطانية" (BBC)، ومع ذلك لا يغيب عن بالنا أن "هيئة تحرير الشام" عقدت في إدلب مؤتمرات عدة على مر السنين حول كيفية التعلم من دروس انتصار "طالبان" في عام 2021، وعمت الاحتفالات إدلب عندما تقدمت "طالبان" إلى كابول في عام 2021. وبينما تحتفل "طالبان" الآن بسقوط دمشق، يُقال إن أول الاتصالات بين الحركتين قد بدأت بالفعل.
وعلى الرغم من أن الجولاني نفسه يقول إن الوضع في سوريا مختلف كل الاختلاف عن أفغانستان، فإن ما بدأته "طالبان" في أفغانستان في تحقيق عودة الإسلام السياسي ما زال يدوي عاليا في العالم العربي. ولسوف يتردد صدى التوأمة الرمزية للانتصارين اللذين تحققا خلال ثلاث سنوات في سائر أرجاء الشرق الأوسط.
التأثير المستمر للجهاد الأفغاني
عند تتبع جذور معظم حركات الإسلام السياسي العربي بعد الثمانينات والصراعات اللاحقة داخل الدول الأمنية مثل الجزائر ومصر والسلطة الفلسطينية وسوريا، نجد أن هذه الجذور موجودة في قتال "المجاهدين الأفغان" المدعومين من الغرب ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان. فمن الرئيس رونالد ريغان الذي وصف "المجاهدين الأفغان" بـ "المحاربين من أجل الحرية" مرورا باغتيال الرئيس المصري أنور السادات ووصولا إلى الحرب الأهلية الشرسة في الجزائر، ثمة روابط واضحة وإلهام مستقى من الجماعات الإسلامية التي انتصرت على السوفيات. وكما رحب البعض العالم العربي بالانتصار الأفغاني على السوفيات، فقد كان الانتصار الأخير لـ"طالبان" ضد الأميركيين في عام 2021 موضع ترحيب.