"ما نعلمه هو أن الكلمة قوة وتمكن، وأنه، بين الفئة المهنية والطبقة الاجتماعية، تعرّف مجموعة من الأفراد نفسها، بشكل جيد إلى حد ما، بكونها تلهج بلسان الوطن، وذلك بدرجات متفاوتة" - رولان بارت.
بفعل عوامل متشابكة، لم يكن الثنائي سارتر-دو بوفوار بعيدا عنها، ترسخت لدينا فكرة عن المثقف، والمثقف الغربي على وجه الخصوص، تصوره أنه "يساري بالطبع"، مما جعلنا ننظر إلى معظم المثقفين، على أنهم شخصيات معارضة، مستقلة، غريبة عن السلطة التي لا يترددون في مواجهتها. رأس المال الرمزي الذي اكتسبته شخصيات مثل إميل زولا ورومان رولان وجان بول سارتر وبرتراند راسل وجورج أورويل، أو نعوم تشومسكي في الغرب، خلق الانطباع بأن الأدباء الموهوبين كانوا دائما في طليعة النضال ضد الظلم والتعسف، وبأنهم كانوا دائما "جهة العدالة". وبما أن العلماء والمفكرين يلعبون دورا رئيسا في تشكيل الخيال الجماعي، فقد انتشرت سمعة هذا المثقف النقدي على نطاق واسع.
ما زلت أذكر إلى اليوم الصورة التي استطاعت "دار الآداب" للنشر، خلال ستينات القرن الماضي، أن ترسخها لدى قرائها عن مثقفي باريس، وعن الثنائي سارتر-دو بوفوار على وجه الخصوص. فقد استطاع هذا الثنائي، إلى جانب ألبر كامو، أن يرسخوا في أذهاننا، أنهم، ثلاثتهم، "نجوم الفكر"، وأنهم هم من يشكلون رمز المثقف الملتزم، "ضمير العالم"، الذي يقف جهة العدالة بلا منازع.
لم يكن الثلاثة بعيدين عن أسباب بلوغ هذا الهدف. وقد عملت دو بوفوار في روايتها "المثقفون"، على أن تسجل الدور الذي لعبه كل منهم في الحياة الثقافية في فرنسا، بهدف ترسيخه، جاعلة الشخوص: روبير دو بروي ممثلا لـجان بول سارتر، وهنري بيرون ممثلا لألبر كامو، إلى جانب الروائية نفسها، آن دو بروي.
يحتل كامو، نسبة إلى الآخرَين، مكانة خاصة، فهو ليس وليد "مدينة الأنوار"، وعلاقته بالبلد المستعمَر، لم تكن بكامل الوضوح. وعلى أي حال، فقد حاول أن يفصح عنها في خطاب تسلمه جائزة نوبل (التي رفضها سارتر) عندما قال: "أومن بالعدالة، لكنني، قبل العدالة، سأدافع عن أمي".