الاقتصاد الخليجي تجاوز تحديات 2024 ... والرهان على فرص تنويع الناتج في 2025

دعوة لتطوير قوانين الاستثمار وحاجة للتنسيق اقتصاديا وتوحيد الضرائب والرسوم وتطبيق اتفاقات الوحدة الجمركية

Al Majalla
Al Majalla

الاقتصاد الخليجي تجاوز تحديات 2024 ... والرهان على فرص تنويع الناتج في 2025

مر الاقتصاد الخليجي خلال عام 2024 بمنعطفات تتسم بالتحديات وأهمها تحدي الاقتصاد النفطي وتراجع الأسعار. هنـــاك أسباب سياسية واقتصادية لتقلب أسعـــار النفط. دفع التراجع غير المتوقع في استهلاك النفط في الصين وكالة الطاقة الدولية إلى تعديل تقديراتها للطلب على النفط في الصين والعالم، حيث قدر الانخفاض بنحو 300 ألف برميل في اليوم.

تشكل الصين أهم مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة، إذ يقدر الاستهلاك في أميركا بـ19 مليون برميل يومياً، في حين تستهلك الصين 16,6 مليون برميل يومياً، ثم تأتي الهند بـ5,4 ملايين برميل، واليابان بـ3,4 ملايين برميل. تصدر دول الخليج المنتجة للنفط نفوطها بشكل كبير إلى الدول الآسيوية من ضمنها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، ولذلك هي تبقى مكشوفة على المتغيرات الاقتصادية في آسيا.

تزامن ذلك مع انخفاض التصدير إلى الولايات المتحدة بشكل كبير على مدار السنوات المنصرمة نتيجة لارتفاع الإنتاج المحلي والاستيراد من الدول المنتجة القريبة في أميركا اللاتينية.

تذكر نشرة "أريبيان غلف بزنس إنسايت" بأن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية خلال عام 2024 بلغ 1,1 تريليون دولار، في حين سجل في الإمارات 545 مليار دولار، وفي قطر 221,4 مليار دولار، وفي الكويت 161,4 مليار دولار، وفي سلطنة عُمان 110 مليارات دولار، في حين بلغ 47 مليار دولار في البحرين. أما معدلات النمو فقد تفاوتت بشكل مهم حيث بلغت 1,5 في المئة في السعودية، و4 في المئة في الإمارات، و1,5 في المئة في قطر، و1 في المئة في عمان، و3 في المئة في البحرين، في حين كان معدل النمو سلبيا في الكويت بنسبة 2,8 في المئة.

تؤكد معدلات النمو الاقتصادية التباين في حيوية الاقتصادات الخليجية، وتؤكد الزخم في السعودية والامارات بعدما استمرت حكومتا البلدين في تنفيذ مشاريع حيوية وإنجاز برامج التنويع الاقتصادي وتعزيز دور القطاع الخاص

تؤكد هذه المعدلات للنمو الاقتصادي التباين في حيوية الاقتصادات الخليجية، وتؤكد الزخم في السعودية والإمارات بعدما استمرت حكومتا البلدين في تنفيذ مشاريع حيوية وإنجاز برامج التنويع الاقتصادي وتعزيز دور القطاع الخاص. هذه التقديرات مبنية على بيانات صندوق النقد الدولي. لكن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية قدرت النمو في البلاد بنحو 2,8 في المئة خلال الربع الثالث من العام، وأهم من ذلك قدرت النمو في القطاع النفطي بـ0,3 في المئة والنمو في القطاعات غير النفطية في الربع الثالث بنحو 4,2 في المئة، مما يعني أن هناك تحسناً مهماً في القطاعات غير النفطية، وإنجازاً بيّناً لرؤية 2030 الهادفة إلى التنويع الاقتصادي والابتعاد عن الاعتماد الكبير على القطاع النفطي.

التنويع والمرونة السعودية

أصبحت الصناعات التحويلية من أهم المساهمين في الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، حيث بلغت نسبة مساهمتها 47 في المئة. أهم الصناعات التحويلية بعد الصناعات النفطية والبتروكيميائية، هي صناعة الإسمنت والصناعات المعدنية والأسمدة. كذلك تساهم الخدمات بنسبة 44,9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، في حين تساهم الزراعة بنسبة 2,7 في المئة. جاء التطور في الصناعات بناء على استراتيجيا التنمية ورؤية 2030 ومرونة في الأداء الاقتصادي السعودي حفزت القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع الحيوي، الذي يعزز امكانات توفير فرص العمل للمواطنين.

ديانا استيفانيا روبيو

من جانب آخر، استمرت السعودية في تطبيق سياسة نقدية محفزة حيث خفض سعر الحسم إلى 5,25 في المئة، مما يؤدي إلى توفير التمويل الملائم من حيث التكلفة للمستثمرين وأصحاب الشركات.

وفي الوقت نفسه، لم يكن معدل التضخم في السعودية خلال 2024 مثيراً حيث بلغ 2 في المئة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب هيئة الاحصاء. هذه المؤشرات تعكس أداءً إيجابياً في البلاد وتعزز إمكان التوسع لدى مؤسسات ومنشآت في قطاعات عديدة. يتناغم الأداء الاقتصادي في السعودية مع أداء عدد من الاقتصادات الأخرى كما سنبين لاحقاً.

يؤكد صندوق النقد الدولي أهمية معالجة الاختلالات المالية وإصلاح الهياكل الاقتصادية في الكويت خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية حيث تتراجع إيرادات النفط وتتباين التقديرات حول الطلب على النفط في الدول المستهلكة الرئيسة

ظلت الكويت تواجه تبعات السياسات الاقتصادية التي اعتمدت منذ عدة عقود لكنها تتمتع بإيرادات نفطية مناسبة على الرغم من ارتفاع قيمة المصاريف الحكومية وبلوغها في السنة المالية الحالية 2024 / 2025 ما يزيد قليلاً عن 24 مليار دينار كويتي (78 مليار دولار).

الاقتصاد الكويتي بحاجة للإصلاح

وهناك محاولات من الإدارة الحكومية الجديدة في الكويت لخفض حجم الإنفاق والتحرر من الالتزامات غير الأساسيىة أو المبالغ فيها، بما في ذلك عقد التأمين للمتقاعدين، "عافية"، والذي يتيح لهم العلاج لدى المراكز والمستشفيات الخاصة يؤكد صندوق النقد الدولي على أهمية معالجة الاختلالات المالية وإصلاح الهياكل الاقتصادية في الكويت خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية حيث تتراجع إيرادات النفط وتتباين التقديرات حول الطلب على النفط في الدول المستهلكة الرئيسة. لكن الصندوق أشار إلى استمرار تمتع المصارف الكويتية "باحتياطات وقائية قوية". 

تبقى الكويت معرضة للانتقادات من المؤسسات المالية الدولية لضعف التنويع الاقتصادي وانخفاض تدفقات الاستثمارات المباشرة، والتي بلغ حجمها التراكمي منذ عام 2015 نحو 1,7  مليار دينار أو 5,5 مليار دولار، منها 207 مليون دينار أو 675 مليون دولار في السنة المالية 2023/2024.

الإمارات مركز استثماري حيوي

يعد اقتصاد دولة الإمارات الرابع من حيث الحجم في منطقة الشرق الأوسط بعد تركيا والسعودية وإسرائيل، وكما سبق الإشارة فإن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 يقدر بـ 545 مليار دولار. تمكنت الإمارات من رفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى نحو 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن هناك اشكالية التركيبة السكانية حيث يقدر عدد السكان بـ9,5 ملايين نسمة تبلغ نسبة المواطنين بينهم 11 في المئة، ولذلك فإن سوق العمل يعتمد على العمالة الوافدة. تقدر قوة العمل بـ6,7 ملايين ويشكل الوافدون 85 في المئة. لكن يبدو أن البلاد اعتادت على هذه التركيبة السكانية وكيفت أوضاعها بما يحقق نتائج اقتصادية مفيدة للبلاد وللسكان بكافة فئاتهم.

تستقبل الإمارات تدفقات كبيرة من الاستثمارات المباشرة، وبلغت أكثر من 30 مليار دولار في عام 2023

لا تزال الإمارات تستقبل تدفقات كبيرة من الاستثمارات المباشرة، وهي بلغت أكثر من 30 مليار دولار في عام 2023. تحقق هذا التدفق نتيجة للتسهيلات التي تتيحها القوانين في دولة الإمارات والفرص المتاحة للاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية.

هذه التطورات لا بد أن تعزز مكانة الإمارات في ترتيب الاقتصادات على المستوى العالمي وتجعل من البلاد مركز جذب استثماريا حيويا في هذه المنطقة من العالم. 

سلطنة عُمان وسعي للتقدم

يستمر الاقتصاد العُماني في مسيرة التوسع مدعوماً بالإصلاحات المستحقة. وأشار تقرير لصندوق النقد الدولي صدر أخيراً الى أن معدل النمو المتوقع خلال عام 2024 قد يصل إلى 1,2 في المئة. كما أوضح أن نمو القطاعات غير النفطية قد يصل إلى 3,8 في المئة، مثل ما تحقق في النصف الأول من عام 2024.

Shutterstock
مباني وأبراج مدينة دبي في الامارات

وأشارت وزارة المالية في سلطنة عمان إلى تحقيق إيرادات حتى نهاية أغسطس/آب من عام 2024  بلغت 8,1 مليارات ريال عماني أو 21 مليار دولار. ولا تزال عُمان تعمل من أجل تطوير القطاعات الحيوية مثل الصناعات التحويلية والسياحة والصيد البحري. كذلك تجتهد الإدارة العمانية من أجل الارتقاء بمخرجات التعليم المهني لمواكبة متطلبات سوق العمل.

قطر ودور الاستثمارات الحكومية

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد القطري نموا بنسبة 2 في المئة في عام 2024. يعتمد الاقتصاد القطري على الاستثمارات الحكومية التي ظهرت في عام 2022 عندما أقيمت فاعليات كأس العالم لكرة القدم في البلاد حيث تم تطوير البنية التحتية والمرافق والعديد من المنشآت السياحية. أما الايرادات السيادية فلا تزال تعتمد على الغاز الطبيعي والنفط. وتمكنت البلاد من تحقيق أعلى دخل للفرد على مستوى العالم حيث بلغ 115 ألف دولار في عام 2024. وذلك نتيجة لارتفاع قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومحدودية القاعدة السكانية التي لا تتجاوز 2,8 مليون نسمة لا يمثل القطريون أكثر من 12 في المئة منهم.

البحرين إشادة دولية ونمو 3 في المئة

حظيت البحرين بإشادة من صندوق النقد الدولي خلال عام 2024، ويؤكد الصندوق أنه على الرغم من الامكانات المالية المحدودة للبلاد، فإنها تمكنت من تحقيق معدل نمو بنسبة 3 في المئة خلال العام. يضاف إلى ذلك، هناك جهود واضحة لتنويع القاعدة الاقتصادية. وكذلك بيّن تقرير صندوق النقد الدولي خطط الحكومة لهيكلة الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص وتأكيد أهمية المنافسة من أجل بناء اقتصاد كفؤ.

تحتاج دول الخليج للتنسيق في المجالات الاقتصادية، وتوحيد القوانين والضرائب والرسوم وتطبيق الاتفاقات المتعلقة بالوحدة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة

غني عن البيان أن دول الخليج يجب أن تعتمد قوانين تشجيع الاستثمار المباشر لتمكين المستثمرين ورجال الأعمال والشركات الأجنبية من المساهمة في رفع كفاءة مختلف القطاعات الحيوية. اتخذت السعودية تدابير مهمة في هذا المجال حيث أصدرت في 11 أغسطس/آب من السنة الجارية قانوناً معدلاً  ألغى القانون الصادر في عام 2000 بما يضمن المساواة في التعامل بين المستثمرين الأجانب والمحليين. قدرت الاستثمارات المباشرة في الربع الثاني من العام بـ11,7 مليار ريال أو 3,1 مليارات دولار.

شركة نفط الكويت
مصفاة تابعة لشركة نفط الكويت.

وتأمل السلطات الاقتصادية رفع هذه الاستثمارات خلال الأعوام المقبلة بعد أن يتم التطبيق الشامل للقانون الجديد. ويجب أن تحذو الدول الخليجية الأخرى حذو السعودية وتطور قوانينها المتعلقة بالاستثمار من أجل جذب المستثمرين.

تبقى هناك أهمية للتنسيق في المجالات الاقتصادية وتوحيد الأنظمة الحاكمة والضرائب والرسوم وتطبيق الاتفاقات المتعلقة بالوحدة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة، وربما العمل من أجل تحقيق الوحدة النقدية كما كان مأمولاً. أيضا هناك آمال معقودة على تطوير أنظمة التعليم المهني في دول الخليج لتعزيز دور العمالة الوطنية في دول الخليج في سوق العمل كلما كان ذلك متاحاً.

font change

مقالات ذات صلة