كايا كالاس… حائط الصد ضد بوتين

مواقف حازمة تجاه تهديدات بوتين لأوروبا و"الناتو"

أكسيل رانغيل غارسيا/المجلة
أكسيل رانغيل غارسيا/المجلة

كايا كالاس…
حائط الصد ضد بوتين

في وقت تشتد فيه الحاجة إلى أن يظهر التحالف الغربي المزيد من الحزم في الدفاع عن مصالحه، يُعد تعيين رئيسة الوزراء الإستونية السابقة كايا كالاس كممثل أعلى جديد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في المفوضية الأوروبية خطوة إيجابية.

وباعتبارها زعيمة سابقة لإحدى الدول الموجودة في الخطوط الأمامية في مواجهة التصعيد المتزايد بين الغرب وروسيا، تتمتع كالاس بخبرة واسعة في إدراك الحاجة لدول "الناتو" للقيام بالمزيد لحماية نفسها من أعمال العدوان الروسي المستقبلية.

ومنذ أن نالت إستونيا استقلالها عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، ظلت التوترات مرتفعة بين موسكو وتالين في عدة قضايا، أبرزها وجود حوالي 25 في المئة من السكان الذين يتحدثون الروسية في البلاد.

وقد تصاعدت هذه التوترات بشكل كبير منذ أن أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما وصفه بـ"العملية العسكرية الخاصة" ضد أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. وأعربت إستونيا، إلى جانب دول البلطيق الأخرى، عن قلقها المتزايد تجاه السياسات العدوانية التي ينتهجها الكرملين. كما اتهمت موسكو بالانخراط في خطاب عنيف وارتكاب انتهاكات متكررة للأجواء والمياه الإقليمية لدول البلطيق.

وباعتبارها عضوا في حلف "الناتو"، لعبت إستونيا دورا بارزا في دعوة الحلف إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه روسيا، سواء من خلال تعزيز القدرات العسكرية أو زيادة الإنفاق على الدفاع.

وفي هذا السياق، برز اسم كايا كالاس خلال فترة عملها كرئيسة للوزراء في إستونيا، حيث اشتهرت بمواقفها الحازمة تجاه تهديدات بوتين لتحالف "الناتو"، مما أكسبها مكانة مرموقة في الأوساط الأوروبية.

وقد شكلت مواقفها الصارمة تجاه بوتين محطة خلاف بارزة مع المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، خاصة خلال قمة المجلس الأوروبي في صيف عام 2021، وهو ما عزز من سمعتها كقيادية ذات رؤية واضحة وموقف ثابت في بلدها وعلى المستوى الأوروبي.

شكلت مواقفها الصارمة تجاه بوتين محطة خلاف بارزة مع المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، خاصة خلال قمة المجلس الأوروبي في صيف عام 2021

كايا كالاس، البالغة من العمر 47 عاما، معروفة بمواقفها التي تتسم بعدم التهاون، مما جعلها تحظى باحترام واسع داخل الأوساط السياسية الأوروبية.

في ذلك الوقت، كانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تُعتبر الزعيمة الأبرز في أوروبا، واعتقدت أن علاقتها الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتيح لها فرصة دفعه إلى التهدئة. ومع تزايد القلق من أن بوتين يخطط لشن غزو عسكري آخر على أوكرانيا، اقترحت ميركل دعوة بوتين إلى اجتماع أوروبي في محاولة لتخفيف التوترات بين روسيا وأوروبا.

ورغم أن مبادرة ميركل الدبلوماسية حظيت بدعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإنها لم تتوقع المعارضة الشديدة التي ستواجهها من كايا كالاس، التي لم تكن قد أمضت سوى خمسة أشهر في منصب رئيسة وزراء إستونيا، لكنها كانت مصممة على ترك بصمتها.

أ.ف.ب
الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين

عندما عرضت ميركل اقتراحها لدعوة بوتين، ردت كالاس بحزم قائلة: "قمة حول ماذا؟ ما الهدف منها؟". وأصرت على أن بوتين لا يمكن الوثوق به، وأن أي دعوة تُوجه إليه ستُفسر من قبل الكرملين كدليل على ضعف الأوروبيين.

بدعم من دول أوروبية شرقية أخرى شاركتها تحفظاتها حول التواصل مع بوتين، أجبرت اعتراضات كالاس ميركل على التراجع عن خطتها، وهو إنجاز استثنائي بالنسبة لشخصية جديدة نسبيا في النخبة السياسية الأوروبية.

ووفقا لدبلوماسي بارز في الاتحاد الأوروبي تحدث لاحقا لموقع "بوليتيكو"، لم يستطع ماكرون إخفاء دهشته من جرأة كالاس. وأضاف، مشيرا إلى احتمال مواجهة ردود فعل في إستونيا لإحراجها المستشارة الألمانية: "هل ستظلين رئيسة للوزراء غدا؟".

وعلى العكس، عزز موقف كالاس الحازم تجاه بوتين شعبيتها في الداخل والخارج، لدرجة أنها عُينت في الأول من ديسمبر/كانون الأول في منصبها المرموق كمنسقة السياسة الخارجية القادمة للاتحاد الأوروبي. وبدعم من قادة الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم ماكرون، أصبحت كالاس مسؤولة عن تحقيق التوازن بين مصالح الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، وهي مهمة شاقة نظرا للانقسامات داخل التحالف، خاصة بشأن قضية الصراع الأوكراني.

ورغم أنها تنتمي إلى واحدة من أصغر دول الاتحاد الأوروبي، فإن كالاس لا تخشى التعبير عن آرائها بوضوح، كما ظهر ذلك في قمة "الناتو" التي عُقدت في واشنطن في يوليو/تموز. هناك دخلت في مواجهة مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بتعاطفه المزعوم مع بوتين.

عندما زعم أوربان أن السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف "الناتو" سيكون خطوة خاطئة، تخلت كالاس عن خطابها المُعد مسبقا وهاجمته مباشرة، مجادلة ضد قوله إن توسع "الناتو" شرقا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي هو الذي استفز روسيا لغزو أوكرانيا. وأكدت بشدة أن أولوية "الناتو" كانت دائما تجنب الحروب، وليس استفزاز الصراعات.

ومنذ توليها منصبها، واصلت كايا كالاس الإدلاء بتصريحات صريحة بشأن التهديد الذي تمثله روسيا على أمن أوروبا.

وبعدما ظهرت ادعاءات بمحاولة روسيا التأثير على نتائج الانتخابات الأخيرة في رومانيا، أعربت كالاس عن "قلقها الشديد" من قدرة موسكو على استخدام التكنولوجيا الحديثة للتلاعب بنتائج الانتخابات الأوروبية. وقالت: "أرى أمثلة من رومانيا، وأيضا من أماكن أخرى، أن الروس قد توصلوا فعلا إلى طريقة لفهم كيفية التأثير على الانتخابات".

رغم أنها تنتمي إلى واحدة من أصغر دول الاتحاد الأوروبي، فإن كالاس لا تخشى التعبير عن آرائها بوضوح

كما حذرت كالاس من أن الغرب يجب أن يتجنب إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سيئ مع روسيا في حال جرت مفاوضات لحل النزاع الأوكراني.

وأوضحت أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد أعلن بوضوح عزمه على إنهاء الصراع عند عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل. ولكن، وقبل قمة لقادة أوروبيين، حذرت كالاس من أن الضغط على أوكرانيا للدخول في مفاوضات متسرعة مع روسيا لإنهاء الحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات قد يؤدي إلى "صفقة سيئة" لكييف.

وقالت للصحافيين في بروكسل: "أي ضغط لإجراء مفاوضات قبل الأوان سيؤدي فعليا إلى صفقة سيئة لأوكرانيا. جميع الفاعلين الآخرين في العالم يراقبون عن كثب كيف سنتصرف في هذا الموقف، وبالتالي علينا أن نظهر قوة".

وأضافت، في إشارة إلى الانهيار الأخير لنظام بشار الأسد، الذي كان الكرملين أحد أبرز داعميه: "تُظهر لنا سوريا أن روسيا ليست لا تُقهر، ولا يجب أن نقلل من شأن قوتنا".

كما دعت كالاس أيضا الدول الأوروبية إلى زيادة استثماراتها في الإنفاق الدفاعي لتعزيز قدرتها في الدفاع عن نفسها ضد أي اعتداءات روسية مستقبلية. مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يختار بين "الاستعداد لردع روسيا أو تجاهل الأمر". وشددت كالاس على أن السؤال ليس ما إذا كانت روسيا ستشن حربا جديدة في أوروبا، بل "متى ستبدأ الحرب القادمة؟".

أ.ف.ب
كايا كالاس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء استقبالهافي قصر الإليزيه في 3 مايو2024

ويقول مؤيدو كالاس إن موقفها المتشدد تجاه روسيا ينبع من تاريخ عائلتها الطويل في مواجهة موسكو. فجدها الأكبر، إدوارد ألفر، حارب الجيش الأحمر السوفياتي خلال حرب استقلال إستونيا بين عامي 1918 و1920، وسُجن بعد أن احتل السوفيات إستونيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، شغل والد كايا كالاس (سيم كالاس)، منصب وزير الخارجية في عام 1995، ثم رئيس الوزراء في عام 2002، قبل أن يتم تعيينه أول مفوض أوروبي لإستونيا في عام 2004، عندما انضمت إستونيا إلى الاتحاد الأوروبي. واستمر في هذا المنصب لمدة عقد كامل.

إحدى اللحظات المحورية في طفولة كايا كانت في عام 1988، عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها. إذ اصطحبها والدها إلى برلين الشرقية عندما كانت إستونيا لا تزال تحت الحكم السوفياتي، لزيارة بوابة براندنبورغ، حيث يمكن رؤية برلين الغربية والحرية التي تمثلها. قال لها والدها: "تنفسي بعمق، إنه هواء الحرية القادم من الجانب الآخر".

يقول مؤيدو كالاس إن موقفها المتشدد تجاه روسيا ينبع من تاريخ عائلتها الطويل في مواجهة موسكو

حصلت كايا على شهادة في القانون من جامعة تارتو عام 1999، وأكملت دراساتها العليا في كلية الأعمال الإستونية عام 2007، حيث تخصصت في قانون المنافسة. ومع مرور الوقت، انجذبت إلى عالم السياسة، وانتُخبت لأول مرة لعضوية البرلمان الإستوني في عام 2011، قبل أن تحصل على مقعد في البرلمان الأوروبي عام 2014.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، أصبحت كالاس أول امرأة تتولى رئاسة وزراء إستونيا. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، برزت كالاس كداعم قوي للقضية الأوكرانية، حيث دفعت الاتحاد الأوروبي لوضع أهداف واضحة لدعم كييف.

وفي رسالة وجهتها إلى أعضاء البرلمان الأوروبي قبل جلسة الاستماع الخاصة بترشيحها للمنصب الأوروبي، كتبت مبررة موقفها: "أردت أن تكون إستونيا قدوة... الحلم الإمبريالي لروسيا لم يمت أبدا".

التحدي الكبير الذي يواجه كالاس الآن هو قيادة تعامل الاتحاد الأوروبي مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عند عودته إلى البيت الأبيض في يناير القادم، وهو تحدّ يبدو أنها تتطلع إليه بحماس.

عندما سُئلت عن خطتها للتعامل مع إدارة ترمب القادمة، أجابت بإيجاز: "إذا كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن الصين، فيجب أن تقلق أولا بشأن روسيا... إذا نظرنا إلى التاريخ، فإن الانعزالية لم تكن أبدا فعالة بالنسبة لأميركا".

واختصرت كايا رؤيتها العامة للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة بشأن التحديات المقبلة بجملة واحدة: "العالم يشتعل، لذلك علينا أن نتكاتف".

font change

مقالات ذات صلة