"الحمار الذهبي" الشهير بـ"التحولات" للمؤلف المتعدّد لوكيوس أبوليوس ذي الأصول الأمازيغية واسمه أفولاي، من أبكر الأعمال السردية في التاريخ (القرن الميلادي الثاني)، اللافت بنزوعه العجائبي والغرائبي في آن، وعلامته الموشومة تفرده بأكثر من خصيصة حكائية ومعرفية وفنية وأجناسية، بوأته ليكون من أبدع السرديات الكبرى في المكتبة الروائية المتوسطية والكونية.
السحر غاية السفر
يسافر البطل لوكيوس إلى مدينة هيباتا ويلتقي في طريقه شابين يخوضان في حوار محتدم حول أعمال السحر، فيبدي لوكيوس فضولا وحماسة لتصديق حكاية الشاب أرسطومان الذي يدافع عن وجود السحر وحقيقة فاعليته، منحازا اليه ضد مرافقه الذي يرفض بشكل دامغ الأمر واصفا إياه بالسفيه. سرعان ما ينكشف مطلب وغرض سفر لوكيوس، إذ استأثر باهتمامه ما سمعه عن أعمال الساحرة بانفيلا. بعد أن ينفصل عن رفيقيه ويشيعهما، ينزل ضيفا في منزل البخيل ميلون، بدعوى أنه يحمل له رسالة توصية من ديمياس الكورنيتي كي يقيم عنده مؤقتا، غير مكترث لتحذيرات قريبة أمه بيرهينا، التي صادفها في سوق المدينة واتضح أنها من ربته صغيرا. يتودّد إلى الخادمة فوتيس التي أمست معشوقته مع اندلاع حب طارئ بينهما (ينبغ لوكيوس في وصفها بـ فينوس ويسهب في مدح وجهها وشعرها وفق مذهب ذوقي خاص، الكاتب هنا يكشف عمقا تصويريا أشبه ما يكون بالرسم والنحت ويؤسس لرؤية جمالية فلسفية خاصة ببورتريه الوجه وقيمة شعر المرأة بالذات حين يوجز فتنة المرأة وسحرها في شعرها) كي تكون دليله إلى مختبر بانفيلا السحري، وهو ما تأتى له حين أطلعته على عملية تحول للساحرة بانفيلا من امرأة إلى بومة بعدما دهنت جسدها بمرهم.
عندئد طالب لوكيوس الخادمة فوتيس بعلبة المرهم كي يتحول بدوره إلى طائر/ نسر. أخطأت فوتيس التقدير، وجاءته بعلبة ثانية، فلما دهن جسده تفاجأ بتحوله الصاعق إلى حمار بدل طائر! يقضي لوكيوس الذي آل إلى حمار ليلته الأولى في إسطبل مع حمار ثان وحصان، في انتظار أن تأتيه فوتيس صباحا بنوعية من الزهور ليلتهمها كي يعود إلى طبيعته الآدمية، وهو ما لن يحصل عندما يتعرض البيت إلى سطو لصوص حمّلوه والحمار الآخر غنيمة السرقة وذهبوا به إلى كهف.
هناك يتعرف لوكيوس إلى حسناء اختطفها اللصوص ليلة عرسها وراح ينصت الى الحكاية التي طفقت ترويها للعجوز السيئة التي ترعى اللصوص، تحت ضغط التهديد.