لم يكن مستغربا أن هيمنة قوى الإسلام السياسي الشيعي على المجال العام في العراق بعد سقوط الدكتاتورية وتغيير نظام الحكم نحو "الديمقراطية" في 2003، ومن ثم بات الطريق معبدا أمام القوى والحركات السياسية الإسلامية الشيعية إلى سدة الحكم ما دامت هناك انتخابات، لأنهم الأكثر فاعلية وتنظيما في تحشيد الأتباع في مواسم الانتخابات. رغم مرور أكثر من عشرين عاما على ممارستهم الحكم، إلا أن حضورهم السياسي لم يتجاوز دائرة التمركز في دوائر السلطة، من دون أن يرافقه تغيير على مستوى الخطاب أو المراجعة النقدية للأطروحات الفكرية التي كانوا تبنونها في فترة المعارضة، ولا محاكمة أيديولوجياتهم.
تقييم تجربة القوى الإسلاموية في العراق يحتاج استحضار البيئة السياسية التي نشأت وعملت فيها في أيام المعارضة، إذ لم تساهم في إنضاج تجربتها السياسية. وهناك علاقة سببية وثيقة بين طبيعة وبنية النظام السياسي القائم ودور قوى المعارضة السياسية وسلوكها، ومن ثم تكون المعارضة امتدادا طبيعيا للثقافة والسلوك السياسي السائد في بلد معين. ولذلك فالمعارضة هي الوجه الآخر للنظم السياسية القائمة، حيث تتعلم أساليبها وتتبنى أطرها وآلياتها وسلوكها العام إذا وصلت الحكم!