حيفا- إسرائيل وكعادتها مصرة على تأجيج التوترات في محيطها العربي، مصممة إلى درجة لا تترك للعرب منفذا سوى تحديها. ومن توهّم أن إسرائيل تتطلع إلى العلاقات الطبيعية وإلى سلام نسبي وإلى حالة استقرار مع محيطها، أتت تبعات الثورة في سوريا لتبدد كل تلك الأوهام. فبعد أيام من انتصار الثورة والإطاحة بنظام البعث الدموي، والذي كبت أنفاس السوريين لأكثر من ستة عقود، خرج أحمد الشرع قائد "هيئة تحرير الشام" ليوجه رسائل إلى إسرائيل ومن يدعمها بأن إيران أبعدت عن سوريا وأن دمشق ليست معنية بأي توترات معها، وأنها ترغب في علاقة جوار سلمية مبنية على سلام حقيقي. والأكيد أن سوريا والشرع لا يستطيعان أن يقوما بذلك مستقبلا بغير التزام إسرائيلي بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا والانسحاب من الجولان السوري المحتل.
يعرف الشرع، ومن معه، أن دعم القضية الفلسطينية وحلها مسألة عضوية رسمية وشعبية. الموقف الرسمي هو ما عبرت عنه المملكة العربية السعودية بربط العلاقة مع إسرائيل بحل الصراع، وشعبيا هناك دلائل قاطعة بالتزام الشارع العربي بحل عادل للقضية الفلسطينية. وفي هذا فإن القيادة السورية الجديدة أو تلك التي ستأتي مع تقدم الاستقرار في سوريا وكما الشارع السوري، كلهم في نفس موقف السعودية وباقي الدول العربية.
إسرائيل من طرفها لا تريد ذلك، تريد الاستمرار في التحكم بفلسطين وعدم إتاحة الفرصة لحل حقيقي وثابت وعادل ولا تريد العودة عن احتلال الجولان، ومستعدة في سبيل ذلك أن تضحي بأية عملية حقيقية لمصالحة شاملة مع العالم العربي. وكما أنها تعمل ليل نهار لإثارة التوتر في أجزاء مختلفة من العالم العربي، ولبنان أكبر شاهد على ذلك، والآن تعود سوريا إلى الصدارة، فهي مصرة على حالة التوتر في علاقتها مع سوريا وغير مهتمة بأي إمكانية لإتاحة الفرصة للحكم الجديد في سوريا لإثبات ما يقوله الشرع، وهنا بيت القصيد.
وفي رأيي أن إسرائيل تدرك أن أي استقرار في سوريا سوف يكون مفتاحاً مهماً لاستقرار على مستوى المنطقة، وهذا سوف يفتح المجال لضغوطات جدية عليها لأجل القيام بدورها في إعطاء فرصة لاستقرار حقيقي. وعندها فإن المطلوب منها التصالح مع الفلسطينيين من جهة، والتصالح مع سوريا من جهة أخرى، وإنهاء حالة التوتر مع لبنان والأردن، وربما مصر، وبهذا فتح المجال أمام مصالحة عربية وإسلامية شاملة معها.