هناك اعتقاد بأن الطائفة العلوية كانت المستفيد الأول من نظام الأسد الأب والابن. وهناك من يقول انها تضررت منه. لماذا لم يبن بشار الأسد لأبناء طائفته، منذ وصوله إلى الحكم قبل 24 عاما، الجامعات والمدارس، ولم يطلق المشاريع التنموية والاقتصادية في قراهم النائية؟
لم يفعل بشار الأسد ذلك، كما لم يفعل والده حافظ من قبله. لقد فضلا أن تبقى قرى العلويين فقيرة ومعدمة، لكي يضمنا عوز أبنائها وولائها التام. لو كان أحد منهما قد بنى المدارس والجامعات في القرى العلوية، وخرّج منها العلماء والأطباء والمهندسين، لما وجد بشار الأسد علوياً واحداً مستعدا لحمل السلاح معه سنة 2011. لقد أراد الأسد لأبناء الطائفة أن يكونوا مجرد عسكر في خدمته، حجّاباً على أبوابه، حراساً في موكبه أو سائقين عنده وعند بقية المسؤولين، أو- في أحسن الأحوال– مهربين ومرتزقة، إما في سرايا الدفاع أولاً، وإما في الحرس الجمهوري، ثم في الفرقة الرابعة ثانيا.
ضمنياً لم يكن بعض وجهاء الطائفة راضين عن انقلاب حافظ الأسد سنة 1970، أولاً لاعتقاله اللواء صلاح جديد وزجه في سجن المزة حتى وفاته سنة 1993، ولأنه أبعد كل مشايخ الطائفة أو أبناء عائلاتها الإقطاعية الكبرى، من آل كنج والعباس والهواش وغيرهم، واستبدل بهم ضباطه المنحدرين من أصول علوية متواضعة جداً. ثم جاء بشار الأسد إلى الحكم سنة 2000، الذي جرّ أبناء الطائفة إلى معركة دموية مع اندلاع الثورة السورية سنة 2011، مات فيها عشرات الآلاف من شبابهم، دون تعويض أسرهم بشكل لائق من قبل النظام. أبقى قراهم في الظلماء، وما تبقى من مجتمعهم في فقر مدقع، بينما كان هو ورجالاته يشيّدون القصور، ويجمعون الثروات الطائلة، قبل أن يدير الأسد ظهره ويتخلّى عنهم جميعاً ليلة 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
روّج الأسد لكذبة تاريخية كبيرة بأنه "حامي" العلويين وبقية الأقليات، ولولاه لما وصلوا إلى مناصب رفيعة في الدولة والجيش، علماً بأنهم تقلّدوا بعض المناصب في سنوات الاستقلال الأولى، منها قيادة سلاح الطيران، وقيادة الشرطة العسكرية، وحقائب الصحة، والأنباء، والأشغال العامة، والداخلية. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة لدحض تلك الأكاذيب، كي تتخلص الطائفة من إرث الأسد، وتعود لممارسة دورها الطبيعي في المجتمع السوري، الذي كان فعّالاً ومتناسباً مع تعداد الطائفة في النصف الأول من القرن العشرين، وحتى مجيء حزب "البعث" إلى السلطة عام 1963.