بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها الحزب الديمقراطي على جميع المستويات السياسية، بدأ قادته يتبادلون الاتهامات ويتساءلون إلى أين المسير ومن أين يبدأون. فقد بات الحزب دون قيادة وتحول الكثيرون من أتباعه إلى اليمين الجمهوري. وعلى صعيد آخر، بدأت الولايات الديمقراطية تحصن أجهزتها ومدنها من الحرب الضرورس التي سيشنها الرئيس المنتخب دونالد ترمب على المهاجرين.
وقد كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية عن الصدع الذي أصاب العلاقة بين الحزب الديمقراطي والطبقة الوسطى، والانفصال الذي حدث بينه وبين الشارع الأميركي.
فلم يأخذ الديمقراطيون على محمل الجد المؤشرات المبكرة التي أبانت عنها استطلاعات الرأي فيما يتعلق بأداء الرئيس جو بايدن وإدارته قبيل الانتخابات، حيث كشفت أن 59 في المئة من الناخبين غير راضين عن أدائه. وتحت وطأة هذه التقديرات هبطت معه نائبته كامالا هاريس. ففي يوم الانتخاب، قال 68 في المئة من الأميركيين الذين استطلعت آراؤهم إن الاقتصاد ضعيف. لكن الاقتصاد بالنسبة للديمقراطيين مختلف عنه بالنسبة للمواطنين. فقد أراد الديمقراطيون أن ينظر الناخب إلى انخفاض معدلات البطالة، واضطراد النمو الاقتصادي، وانتعاش أسواق الأسهم التي نمت معها مدخرات التقاعد. لكن الناخب كان لديه قول آخر.
فقال 46 في المئة إن الأوضاع المالية لأسرهم تدهورت لتصبح أسوأ مما كانت عليه منذ أربع سنوات، فيما ذكر 75 في المئة أن التضخم تسبب في ضيق العيش. وترجمت هذه الأجواء التي جرت فيها الانتخابات إلى استياء وغضب. وجعلت زهاء 28 في المئة من الناخبين يتخذون من السعي للتغيير أولوية لهم، حتى لو كان هذا يعني انتخاب ترمب الذي اقتنص من هذه الفئة ثلاثة أصوات مقابل كل صوت للمرشحة الرئاسية هاريس.
وبعيدا عن المناخ الذي ألقى بظلاله على حملة هاريس، فقد بلورت الانتخابات التحديات التي يتعين على الديمقراطيين أن يجابهوها لانتزاع السلطة من جديد. فالتحالف الذي أعاد ترمب إلى البيت الأبيض كان أكثر تنوعا، وأكثر شبابا فضلا عن جذب عدد من الطبقات العاملة يزيد عمن صوتوا له في انتخابات 2016. على سبيل المثال تقدم ترمب على هاريس في أعداد الناخبين من غير الحاصلين على درجات جامعية بنحو 14 نقطة، وهو أكبر هامش يفوز به مرشح جمهوري بين هذه الفئة منذ انتخاب رونالد ريغان عام 1984. ولا شك أن هذه النسبة على ضآلتها كانت من عوامل فوز ترمب الذي لم تتجاوز نسبة الأصوات الشعبية التي حصل عليها 51 في المئة. ورغم أن القاعدة الانتخابية التي استند عليها ترمب هي من البيض، بيد أنه وسع تحالفاته أيضا بين اللاتين، لاسيما من الرجال الذين حصل على 54 في المئة من أصواتهم مقابل 44 في المئة لهاريس، مسجلا زيادة بنسبة 19 في المئة عن عام 2020. وفي تكساس وفلوريدا، حيث تتمركز أعداد كبيرة من اللاتين، فاز ترمب بنسبة 64 في المئة من أصوات الرجال منهم. ويبدو أن أصوات اللاتين لم تعد من المسلمات بالنسبة للديمقراطيين، وهو تغير هائل ينبغي عليهم أن لا يتجاهلوه.