في الذكرى الخمسين لرحيل فريد الأطرش (1910-1974)، ربما يحسن بنا الالتفات إلى ما صنعه، وما فاته، تذكرا له، بدل الانغماس المعهود في الحكايات الشخصية عن الأشخاص وطباعهم وآلامهم الشخصية ومنافساتهم مع غيرهم.
لعل علينا أولا أن ننبذ مسألة المنافسات هذه. إذ تحفل مواقع التواصل الاجتماعي على كثرتها بأخبار وفيديوهات يتنافس فيها عشاق فريد الأطرش مع محبي رياض السنباطي أو المعجبين ببليغ حمدي في التسويق لبطلهم في مسابقات الموسيقار "الحقيقي"، أي ضمنا التنافس مع محمد عبد الوهاب. ويعتمد مثل هذا التنافس في العموم على قدر لا بأس به من الاختلاق في الأخبار، حول حقيقة الجائزة التي نالها السنباطي من الـ"يونسكو" كمؤدّ لا كمؤلف موسيقي في الحقيقة، أو وسام الخلود الذي لم ينله مع فريد الأطرش سوى شوبان وثلاثة آخرين، أو دعوى الوصول إلى العالمية لأن بعض المراقص في الغرب عزفت هذه الأغنية أو تلك أو أن موزعا مغمورا أعاد توزيع جملة ما في عملية استشراقية معتادة.
كما يعتمد مثل هذا التنافس على مناقشة "السرقة أو الاقتباس"، اتهاما لأحدهم أو انكارا. وأدلة هذا الاتهام لا تعدو في العموم كونها تشابها في بعض مناحي الجملة الموسيقية، مستقطعة من سياقاتها، أي تشابه الأبعاد والدرجات المستعملة، مع اختلاف الإيقاع، أو تشابه الإيقاع مع اختلاف المقام المستعمل، سواء طالت مدة هذا التشابه أو قصرت.
الجملة الموسيقية
يتجاهل هذا الأمر أن اختلاف الإيقاع أو اختلاف المقام يعنيان أننا أمام جملة جديدة "موسيقيا"، سواء استلهمت ـ عن وعي أو عن غير وعي ـ أصلا ما. فالجملة الموسيقية فريدة في ذاتها، وفرادتها هي في اندماج أبعاد النغمات المستعملة مع مدد زمنية محددة، وحتى "التنويع" عليها يعد كتابة متفردة (كتنويعات بيتهوفن مثلا على ألحان لآخرين). وهذا التشابه في كثير من الأحيان وارد، عمدا أو عن غير عمد كما أسلفنا، لأن المساحة النغمية التي تتحرك فيها جمل الملحنين عندنا لا تتجاوز عموما الجنس أو العقد الموسيقي (أربع أو خمس درجات) في جنس معين، والتناول المستخدم عموما في القرن العشرين يبحث عن تكرار التراكيب النغمية ـ الايقاعية على درجات متتالية (كأن تتكرر الثيمة نفسها على التوالي من الري، ثم الدو، ثم السي، ثم تختم بقفلة) وربط هذين الشرطين مع الغزارة في الأعمال سيحتم إنشاء تشابهات كثيرة.