"فريج بن درهم"... رواية عن المجتمع القطري في السبعينات والثمانينات

حي تجمعه قصص الحب

Facebook
Facebook
رواية "فريج بن درهم".

"فريج بن درهم"... رواية عن المجتمع القطري في السبعينات والثمانينات

تقدّم رواية "فريج بن درهم" للكاتبة القطرية كلثم جبر الكواري إضافة سردية إلى الروايات التي تتخذ من قصص وحكايات أحياء المدن العربية بوابة للتعرّف الى الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية في هذه المدن أو البلدان. "فريج بن درهم" هو اسم حي في قطر، حيث يطلق وصف "فريج" هناك، وفي بعض دول الخليج العربي، على الحي أو الحارة. كما تطلق صفات مثل "زنقة" و"درب" و"حومة" و"حافة" و"محلّة"، في بلدان عربية أخرى، على مثل هذه التجمعات السكانية.

الرواية التي صدرت عن دار "جامعة حمد"، وفازت أخيرا بجائزة كتارا، فئة الروايات القطرية المنشورة، تستعيد فترة المجتمع القطري خلال سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، من خلال فرحة، الشخصية الرئيسة في الرواية، التي تسرد الرواية كمشاركة في الأحداث، أو بضمير السارد العليم أحيانا، حيث تنتقل إلى أماكن متفرقة وتسرد حوارات وهواجس أشخاص ليسوا بالقرب منها. ومع فرحة يظهر شخوص عديدون مثل الأم ورفيقات المدرسة وسكّان الحي، "الفريج"، بمن فيهم أولئك الذين أتوا من الهند وباكستان وأفغانستان وإيران والفيليبين، يعملون في المنازل والمحلات وسيارات الأجرة، أو يتصاهر بعضهم مع المجتمع القطري، حيث يسعى الرجال في الحي نحو الزواج من نساء مصريات وسوريات وهنديات وفيليبينيات شغفا باللون الأبيض الذي يختلف عن سحناتهم المائلة نحو السواد، حسب ما تظهر الساردة. نجد صراعات خفية، وأحيانا معلنة، بسبب تفضيل لون على لون. فحمد يتخلى عن فاطمة، ابنة خالته، لأنها سوداء، ويتزوج من نادرة السورية البيضاء بالرغم من معارضة أبيه ووالدته، "ترغبين أن أتزوّج سوداء، وأبي يتمرّغ في حضن بيضاء كالنهار؟".

صالحة مثل أخيها حمد تتخلى عن مبارك ابن خالتها وتتزوج من سعد، وهو "نصف أسود وأمه بيضاء (مصرية)". ولأن فرحة كانت تطّلع على رسائل مبارك الملتهبة إلى صديقتها، فإنها اعترضت على زواجها من سعد مما تسبب بشقاق مؤقت بين الصديقتين. مع هذا، فإن العرس لم يدم ليلة واحدة، فقد وصل الى الناس أن العريس ترك عروسه في اللحظات الأولى ليتسبب بـ"فضيحة" اجتماعية. وقد تناقلت الأقاويل في الحي، أو في "الفريج"، أن سعد "مرتبط بامرأة فيليبينية قبل زواجه من صالحة، وهذا ما دعا والديه لتزويجه من صالحة على أمل أن ينسى تلك المرأة، وذلك ليس لأنها فيليبينية فقط، بل لأنها غير مسلمة أيضا، والخوف كبير من أنها قد تربي أبناءها على ديانتها في المستقبل وهي التي لم تعلن إسلامها، بل ربما ذهبت بهم إلى بلادها ليعرفوا الطريق إلى الكنيسة، بدل الطريق إلى المسجد".

تقدّم لنا هذه الحكايات، الكثير من حال المجتمع القطري اثر تشكله بعد الاستقلال عام 1971 وسعي البعض إلى العيش فيه

تعترف صالحة في ما بعد، في حبكة مشابهة للمسلسلات التلفزيونية، بأنها كانت تكذب حين قالت إن سعدا لم يقم بواجبه كرجل نحوها حين غادر، والحقيقة هي أنه اعترف لها بزواجه من الفيليبينية، وهذا ما أغضبها فطلبت منه أن يغادر على أن تبقى معه إلى جانب زوجته الأولى. وعلى هذا المنوال تتواصل الحكايات فنعرف أن مبارك تزوج من فتاة أمها إسبانية، وأن مجلي اختفى فجأة، بعد خلاف مع شيخه، ويُعرف بعد فترة أنه عاش وتزوج في مدينة الثقبة السعودية.

الكاتبة والروائية القطرية الدكتورة كلثم جبر الكواري.

تطغى الحكايات على مجمل السرد، حتى لا نكاد نتعرّف الى مجمل ملامح وأوصاف الحي، باستثناء الدكان الذي يسكن في غرفة ملحقة به مهاجران. لكن، مع هذا، تقدّم لنا هذه الحكايات، الكثير من حال المجتمع القطري اثر تشكله بعد الاستقلال عام 1971 وسعي البعض إلى العيش فيه، من بعض البلدان، مما أدى إلى اتساع الأواصر الاجتماعية واحتدامها أحيانا. وفي كل حال هناك رغبة بالاندماج، ليس اندماج أولئك الذين أتوا من بلدان بعيدة في المجتمع، بل رغبة أفراد من هذا المجتمع أيضا بالاندماج مع العائلات الوافدة، من خلال الزواج وغيره.

 إخفاء العمر

تبدأ الرواية بعتبة أو مقدمة تقريرية عن التحولات الاجتماعية التي صاحبت تغيرات الحي والمجتمع القطري، وهو منحى تستعيده الساردة أثناء الحديث عن استقلال البلد. لتبدأ سرد الحكايات من خلال صندوق تلقته فرحة في أميركا، حيث تدرس، من صديقتها صالحة في لندن، وفيه رسالة وبعض الأشياء التي تذكّرها بعلاقتهما. في البيت تعيش صالحة مع أمها والخادم الهندي شمسوه (شمس الدين) اللذين يحضران في كثير من قصص البيت والحي، على عكس الأب والأخ والأخت الذين لم تشر إليهم سوى مرّتين وبدون أي تفاصيل عنهم.

تتخلل قصص الحب والزواج كل مفاصل حكاية هذا الحي الذي قدمته لنا الكاتبة بلغة سلسة وحية في واقعيتها

تظهر صالحة كشخصية مشاكسة وصريحة الرأي، تتعرض للكثير من المشاكل جراء مواقفها. تحاول أن تخفي بروز أنوثتها المبكرة من خلال لبسها قمصانا ضاغطة، لكي لا تضطر إلى لباس "الغشوة"، وهو قماش يغطي الوجه. في وقت بدأت تصلها فيه رسائل حب موقعة باسم "عذاب"، وهي الرسائل التي حملت إدارة المدرسة على معاقبتها. وبالرغم من أنها لا تعرف من هو "عذاب"، إلا أنه بقي حلم حبها الدائم، ورفضت بسببه جميع من تقدموا للزواج منها. "سأتزوج من عذاب"، هكذا كانت تقول لمن يطلب القرب منها.

غلاف رواية "فريج بن درهم".

عادات ومعتقدات

نتعرّف من خلال الرواية الى جوانب من الحياة الأسرية والاجتماعية في تلك الحقبة من تاريخ قطر، ومنها عادات رمضان وأفراح الأعياد، ووجود المعتقدات الدينية مثل تحريم الكتابة على قبور الموتى، أو اتباع بعض العادات كعلاج ووقاية من الأمراض، كـ"الرقية" أو "التبرك بالقرآن". حيث لم تكن هناك مشكلة في اختلاف المذاهب الدينية، التي تكرّس بعضها هذه الممارسات. كما سنجد بعض الاختلافات الفئوية والطبقية، ولكن في إطار التعايش والتكافل الاجتماعي. فقصة حسون، مثلا، تبدو علامة على حياة العمالة في قطر والخليج، فهو يرحل من بندر عباس، مرورا بمدينة خصب، وصولا إلى الدوحة، حيث عمل حمّالا في سوق واقف إلى عام 1965، حين انتقل إلى العمل في محل إصلاح عجلات السيارات في "نجمة". وبعد خمس سنوات، اتجه إلى "فريج بن درهم" ليعمل بائعا في دكان، ما لبث أن تحول إيجاره باسمه بعدما قرّر المستأجر السابق التخلي عنه. وفد عمل معه أخوه رمضان بعدها، الذي استدعاه لمساعدته، إلا أن العلاقة بين الأخوين سادها بعض التوتر بسبب زواج رمضان من زوجة أخيه السابقة، بهمن. هكذا، تتخلل قصص الحب والزواج كل مفاصل حكاية هذا الحي الذي قدمته لنا الكاتبة بلغة سلسة وحية في واقعيتها.

font change

مقالات ذات صلة