تقدّم رواية "فريج بن درهم" للكاتبة القطرية كلثم جبر الكواري إضافة سردية إلى الروايات التي تتخذ من قصص وحكايات أحياء المدن العربية بوابة للتعرّف الى الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية في هذه المدن أو البلدان. "فريج بن درهم" هو اسم حي في قطر، حيث يطلق وصف "فريج" هناك، وفي بعض دول الخليج العربي، على الحي أو الحارة. كما تطلق صفات مثل "زنقة" و"درب" و"حومة" و"حافة" و"محلّة"، في بلدان عربية أخرى، على مثل هذه التجمعات السكانية.
الرواية التي صدرت عن دار "جامعة حمد"، وفازت أخيرا بجائزة كتارا، فئة الروايات القطرية المنشورة، تستعيد فترة المجتمع القطري خلال سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، من خلال فرحة، الشخصية الرئيسة في الرواية، التي تسرد الرواية كمشاركة في الأحداث، أو بضمير السارد العليم أحيانا، حيث تنتقل إلى أماكن متفرقة وتسرد حوارات وهواجس أشخاص ليسوا بالقرب منها. ومع فرحة يظهر شخوص عديدون مثل الأم ورفيقات المدرسة وسكّان الحي، "الفريج"، بمن فيهم أولئك الذين أتوا من الهند وباكستان وأفغانستان وإيران والفيليبين، يعملون في المنازل والمحلات وسيارات الأجرة، أو يتصاهر بعضهم مع المجتمع القطري، حيث يسعى الرجال في الحي نحو الزواج من نساء مصريات وسوريات وهنديات وفيليبينيات شغفا باللون الأبيض الذي يختلف عن سحناتهم المائلة نحو السواد، حسب ما تظهر الساردة. نجد صراعات خفية، وأحيانا معلنة، بسبب تفضيل لون على لون. فحمد يتخلى عن فاطمة، ابنة خالته، لأنها سوداء، ويتزوج من نادرة السورية البيضاء بالرغم من معارضة أبيه ووالدته، "ترغبين أن أتزوّج سوداء، وأبي يتمرّغ في حضن بيضاء كالنهار؟".
صالحة مثل أخيها حمد تتخلى عن مبارك ابن خالتها وتتزوج من سعد، وهو "نصف أسود وأمه بيضاء (مصرية)". ولأن فرحة كانت تطّلع على رسائل مبارك الملتهبة إلى صديقتها، فإنها اعترضت على زواجها من سعد مما تسبب بشقاق مؤقت بين الصديقتين. مع هذا، فإن العرس لم يدم ليلة واحدة، فقد وصل الى الناس أن العريس ترك عروسه في اللحظات الأولى ليتسبب بـ"فضيحة" اجتماعية. وقد تناقلت الأقاويل في الحي، أو في "الفريج"، أن سعد "مرتبط بامرأة فيليبينية قبل زواجه من صالحة، وهذا ما دعا والديه لتزويجه من صالحة على أمل أن ينسى تلك المرأة، وذلك ليس لأنها فيليبينية فقط، بل لأنها غير مسلمة أيضا، والخوف كبير من أنها قد تربي أبناءها على ديانتها في المستقبل وهي التي لم تعلن إسلامها، بل ربما ذهبت بهم إلى بلادها ليعرفوا الطريق إلى الكنيسة، بدل الطريق إلى المسجد".