ترمب وسيناريوهات ‏الأزمة اليمنية

تطورات إقليمية كبيرة تجعل الأزمة مفتوحة على الاحتمالات كلها

EPA
EPA
مقاتل حوثي يسير عبر الشاطئ وفي الخلفية سفينة شحن استولى عليها الحوثيون، في 5 ديسمبر 2023

ترمب وسيناريوهات ‏الأزمة اليمنية

لا شك أن انتخاب دونالد ترمب للمرة الثانية رئيسا للولايات المتحدة الأميركية سيلقي بظلاله على الأزمة اليمنية وموقعها من خارطة سياسة ترمب الخارجية المقبلة. ‏ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي علينا الإشارة سريعا لإخفاق إدارة بايدن في إيجاد حلول سلمية للصراع في اليمن رغم إشاراته الإيجابية جدا حيال الحوثيين في بداية حكمه.

فلقد رفعت إدارة بايدن- ودون مقابل أو تنازلات من الحوثيين- اسم جماعة الحوثي من قائمة الجماعات الداعمة للإرهاب كما صنفتها إدارة ترمب السابقة. وكما تجدر الإشارة أيضا إلى تعقيد المشهد اليمني متأثرا بانفجار الصراع في غزة ودخول الحوثيين دائرة الصراع باستهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر مما حدا بالولايات المتحدة وبريطانيا وبعض حلفائهما الدوليين بتشكيل تحالف عسكري بحري يعرف بـ"تحالف حماية الازدهار" لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتأمين مسار الملاحة التجارية الدولية في هذا الممر البحري الهام.

وكما قامت إدارة بايدن بشن هجمات جوية عديدة مستهدفة بعض المواقع العسكرية الحوثية بغرض تحجيم قدرات الحوثيين الصاروخية، بيد أن هذه الهجمات لم تنجح في ردع الحوثيين ردعا كاملا إذ ربط الحوثيون بين مواصلة هجماتهم في البحر الأحمر واستمرار الحرب في غزة. لا يبدو أن ترمب سيكون متحمسا جدا لزيادة دور الولايات المتحدة الأميركية العسكري في منطقة البحر الأحمر إلا إذا أقنعه مستشاروه بأهمية الممر البحري للمصالح الأميركية التجارية ‏أو ‏هاجم الحوثيون أهدافا أميركية في منطقة البحر الأحمر.

السيناريو الأول

تقوم فرضية السيناريو الأول وهي الأكثر تفاؤلا ‏على افتراضين، وهما وقف الحرب في غزة، ومن ثم وقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تلقائيا نتيجة لذلك، وإعادة الملاحة الدولية لما كانت عليه سابقا في هذا الممر الاستراتيجي. والافتراض الثاني يتوقع حدوث انفراج أو تفاهمات بين إدارة ترمب وإيران بشأن ملفها النووي خلاف ما كان عليه الحال من استعداء خلال فترة الأولى والبناء على التفاهمات الأخيرة بين بعض الدول الخليجية ودولة إيران بضرورة تخفيف حدة التوتر في المنطقة.

ستتوفر أرضية جيدة للبدء في مسار سياسي يمني-يمني يمثله كل الأطراف بما فيهم الحوثيون والحكومة الشرعية اليمنية بقيادة العليمي والمجلس الانتقالي الجنوبي، لفتح صفحة جديدة برعاية إقليمية ودولية تنهي إحدى أكبر المآسي الإنسانية في العالم 

سيوفر تحقيق هذين الفرضين أرضية جيدة للبدء في مسار سياسي يمني-يمني يمثله كل الأطراف اليمنية بما فيهم الحوثيون والحكومة الشرعية اليمنية بقيادة العليمي والمجلس الانتقالي الجنوبي، لفتح صفحة يمنية جديدة برعاية إقليمية ودولية تنهي إحدى أكبر المآسي الإنسانية في العالم.

لا شك أن لدى ترمب حافزا انتخابيا قويا في تصوير نفسه رجل سلام جاء لإنهاء الصراعات في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط. سيشكل هذا السيناريو- الذي ربما ببدو حالما جدا- فرصة لا تعوض للحوثيين من تخفيف حدة الاحتقان القابلة للانفجار في وجوههم في مناطق سيطرتهم جراء معاناة الشعب اليمني معاناة لم يعيشوا ‏مثلها من قبل في تاريخهم الحديث. ولطالما أثبت اليمنيون في فترات سابقة قدرتهم على التسامي فوق الجراح وقبول الحلول الوسطى لإنهاء الصراعات تحت مبادئ التعايش السلمي وربما وجدت القضية الجنوبية حلا ‏عادلا مقبولا لكل الأطراف على ضوء مخرجات الحوار الوطني الذي أجهضه الانقلاب الحوثي عام 2014.

وإذا تحقق مثل هذا السيناريو فمن المتوقع أن يشهد اليمن حركة ضخمة لإعادة إعماره بدعمٍ سخي من أشقائهم من دول الجوار الخليجي ومباركة دولية. ‏لقد عانى اليمن كثيرا من الصراعات والحروب الداخلية خلال الثلاثة عقود الماضية، وربما يحمل هذا السيناريو بارقة أمل موغلة في التفاؤل العريض. ستكون سياسة ترمب حيال هذا السيناريو إيجابية جدا لتعزيز صورته كرئيس أميركي يدعو للسلام كما أشاع إبان حملته الانتخابية التي حظي فيها بتأييد قوي من الجالية اليمنية في ولاية ميشيغان الأميركية.

السيناريو الثاني

هذا السيناريو أيضا سيناريو متفائل وإن كان أقل تفاؤلا من السيناريو الأول وهو يقوم أيضا على افتراض وقف حرب غزة، ولكن مع إبقاء التوتر قائما بين الولايات المتحدة ودولة إيران مما يجعل الأخيرة تستخدم الملف اليمني من أجل الحصول على تنازلات من الجانب الأميركي مما يعني تأجيل الوصول إلى تسوية شاملة وحل نهائي للأزمة اليمنية. لا يعني هذا السيناريو توقف مسار المفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية بوساطة المملكة العربية السعودية- كما حاولت الأخيرة جاهدة في السنوات الأخيرة- ولكن بقاء الملف الإيراني متأزما مع الجانب الأميركي تحت قيادة ترمب يعني أن الملف اليمني لن يجد طريقه للحل النهائي السلمي والشامل. ولكن ربما تخف قليلا حدة الأزمة الإنسانية في اليمن ويقدم الحوثيون بعض التنازلات- على حسب مرونة الأزمة الإيرانية- مما يساهم في عملية صرف المرتبات لموظفي الدولة تحت سيطرة الحوثيين المنقطعة لسنوات عديدة وعودة تصدير النفط اليمني كما كان الحال عليه قبل الحرب اليمنية وعودة معظم الرحلات الجوية لمطار صنعاء بغية تخفيف معاناة اليمنيين المسافرين من مرضى ودارسين وعاملين ‏في الخارج.

السيناريو الثالث

ويقوم هذا السيناريو على افتراض ‏تأثير انتصار قوات المعارضة السورية على نظام الأسد وإدراك جماعة الحوثيين مغبة تداعيات الحرب السورية على التوازنات الإقليمية ومن ثم التفكير بشكل جاد في فك الارتباط القوي مع إيران والنأي عن سياستها الإقليمية في المنطقة ‏ولكن مع الإبقاء على ‏سياسة القبضة الحديدية ‏للسيطرة على مناطق نفوذهم ‏وفرض سلطة الأمر الواقع دون اعتبار للشرعية الدولية. لقد بدأ الحوثيون فعليا في تخفيض الاعتماد على الدعم الفني العسكري من جماعة "حزب الله" خاصة بعد اغتيال قيادات الجماعة بما فيهم زعيمها حسن نصرالله وتدمير الكثير من بنيتها العسكرية والقيادية خلال الضربات الإسرائيلية. جاء النأي الحوثي حاليا خشية اختراق الجماعة أمنيا من قبل عناصر لبنانية أو إيرانية تعمل لديها وهي في الحقيقة ربما تكون عناصر مخترقة أصلا لجماعة "حزب الله" وإيران.

هل يتوقع أن تشجع درامية الأحداث في سوريا الحكومة الشرعية في ‏اليمن في اتخاذ نهج عسكري مثيل للمعارضة السورية، وحشد قواتها من الحديدة وتعز ومأرب لتزحف معا نحو العاصمة صنعاء؟

ويبقى هنا سؤال مهم، هو: هل يتوقع أن تشجع درامية الأحداث في سوريا- مع النصر السريع غير المتوقع للمعارضة السورية ‏وسقوط نظام بشار الأسد- الحكومة الشرعية في ‏اليمن في اتخاذ نهج عسكري مثيل للمعارضة السورية لحشد قواتها من الحديدة وتعز ومأرب لتزحف معا نحو العاصمة صنعاء؟

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع مع الجمهوريين في مجلس النواب في فندق حياة ريجنسي في واشنطن، في 13 نوفمبر 2024

وعلى الرغم من توقع حدوث مثل هذا الاحتمال فإن تعقيدات المشهد اليمني وضعف الحكومة الشرعية السياسي يجعل من هذا الاحتمال ‏أمرا صعب التحقيق حاليا إلا في حالة وجود دعم وتشجيع إقليمي قوي لتحقيقه. وذلك لاختلاف طبيعة اليمن الجغرافية وتركيبة القوى المعارضة للحوثيين مما يجعل تكرار المشهد السوري بعيد ‏المنال لأن معارضي الحوثي ينقسمون إلى ثلاث مجموعات رئيسة ‏غير متفقة فيما بينها.

أولى هذه المجموعات تضم حزب "التجمع اليمني للإصلاح" والتيارات الإسلامية والقبلية المنضوية تحت زعامته ومعقلهم الآن مدينة مأرب اليمنية حيث تتمركز قوى عسكرية ضخمة تتبع الحكومة الشرعية. القوى السياسية الثانية المعارضة للحوثيين بقيادة "المؤتمر الشعبي اليمني"- جناح الحكومة الشرعية- والقوات العسكرية الموالية لهم بقيادة القائد العسكري طارق محمد صالح الذي لن ينسى للحوثيين قتلهم عمه الرئيس السابق الراحل علي عبدالله صالح، ومعقل هذه القوات ساحل البحر الأحمر. أما القوى السياسية الثالثة فهي بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي تحت زعامة القائد العسكري عيدروس الزبيدي الذي تسيطر القوات العسكرية التابعة له على مناطق واسعة جنوب اليمن.

السيناريو الرابع

يبدو هذا السيناريو الأكثر تشاؤما في الحالة اليمنية إذ يفترض عودة خيار الحرب مرة أخرى وانتهاء الهدنة التي يعيشها اليمنيون لأكثر من عامين الآن، وذلك لتعنت الجانب الحوثي في تقديم تنازلات سياسية مهمة تمهد ‏الطريق لتسوية سياسية شاملة ومواصلة هجماتهم في البحر الأحمر وغيرها مما يجعل خيار ‏عودة الحرب أمرا لا بد منه. سيكون من شأن هذا السيناريو مضاعفة معاناة اليمنيين الإنسانية وربما تشظي اليمن لأجزاء لن يلتئم بعدها قريبا. ولربما زادت الضربات الجوية العسكرية الأميركية في إطار فرضيات هذا السيناريو لتزيد الأزمة اليمنية تعقيدا هي في غنى عنه.

كل السيناريوهات السابقة تبنى على مدى تعاطي الحوثيين للتغيرات الإقليمية والدولية ومتطلبات المرونة السياسية الجادة من قبلهم من أجل توافق سياسي مع كافة الأطراف السياسية اليمنية تحت رعاية دول الجوار. لقد كانت الأزمة اليمنية في طريقها للحل السلمي منذ عدة سنوات لولا التعنت الحوثي مرة بعد مرةٍ والتسويف في تقديم ما هو مطلوب منهم من تنازلات ‏تتمثل في وقف هجماتهم على موانئ تصدير النفط وفتح الطرقات وصرف معاشات الموظفين والمتقاعدين والانخراط في مفاوضات الحل السلمي النهائي في اليمن.

يأمل اليمنيون أن يكون العام القادم عام سلام تلتئم فيه الجراحات اليمنية ويجتمع فيه الشمل اليمني- داخل وخارج اليمن- ليعود سعيدا كما كان العهد به تاريخيا يحتل مكانه الطبيعي بين الأمم.

font change

مقالات ذات صلة