سنة تحديات جديدة تنتظر "أوبك" وأسواق النفط في 2025https://www.majalla.com/node/323617/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D9%88%D8%A8%D9%83-%D9%88%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%81%D9%8A-2025
كان عام 2024 صعبا على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها من المنتجين، المجتمعين في إطار تحالف "أوبك بلس"، نتيجة ضعف الطلب ونمو العرض اللذين انعكسا انخفاضا في أسعار النفط الخام.
ومن المتوقع أن تواجه المجموعة التي تقودها السعودية وروسيا الظروف نفسها عام 2025، مع إضافة عامل مربك آخر وهو السياسة التجارية المشاكسة في أسواق النفط، المتوقع أن ينتهجها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال ولايته الثانية.
فرض تباطؤ الطلب على الطاقة في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وزيادة إمدادات النفط في القارة الأميركية، على المجموعة، بأن تستمر في سياسة خفض الإنتاج التي اتبعتها خلال العام المنصرم، لتجنب تدهور حاد في أسعار النفط.
هناك احتمال كبير في أن يكون التهديد بالتعريفات الجمركية المرتفعة مجرد تكتيك تفاوضي لانتزاع تنازلات من الصين
ناجي أبي عاد، خبير في شؤون الطاقة
ويقدّر وائل مهدي، المحلل السعودي المستقل المتخصص في شؤون "أوبك" والمؤلف المشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري"، أن "سوق النفط كانت ستواجه فائضا كبيرا في العرض هذا العام لولا خفوصات إنتاج أوبك بلس"، مشيرا الى أن "التوقعات لعام 2025 لا تزال قاتمة وسط التوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين".
وكان الرئيس الأميركي المنتخب قد هدد خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة على الواردات من الصين، و20 في المئة على المصدرين الآخرين للولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم. مثل هذه الإجراءات، إذا تم إقرارها، سيكون لها تأثير شديد على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، وسترفع مستويات التضخم بشكل كبير مما يلحق الضرر بالطلب العالمي على السلع ومن ضمنها النفط.
إلا أن خبير الطاقة ومستشار "أوبك" السابق، ناجي أبي عاد، يظن أنه من المحتمل جدا "أن يكون التهديد بالتعريفات الجمركية المرتفعة مجرد تكتيك تفاوضي لانتزاع تنازلات من الصين". ويعتقد أن "الصينيين براغماتيون وسيجدون طريقة للتعامل بشكل بناء مع ترمب".
أسواق النفط تخطت حروب الشرق الأوسط
بلغ متوسط سعر خام برنت المنتج في بحر الشمال، وهو المرجع الرئيس لتسعير النفط، نحو 80 دولارا للبرميل في عام 2024، على الرغم من الحروب في غزة ولبنان والضربات التي تبادلتها إسرائيل وإيران، وهجمات منظمة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران على السفن في البحر الأحمر، وهو ممر رئيس للتجارة العالمية.
كان من المنطقي التوقع أن يتسبب كل هذا الاضطراب في المنطقة التي تزود ثلث إمدادات العالم من النفط بارتفاع الأسعار أكثر بكثير مما هي عليه. ففي عام 2022، عندما شنت روسيا هجومها العسكري على كييف، تجاوز سعر خام برنت 120 دولارا للبرميل.
ارتفع سعر النفط إلى نحو 90 دولارا للبرميل عندما تبادلت إيران وإسرائيل الضربات الصاروخية والجوية، في أبريل الماضي، ثم انخفضت لتبلغ نحو 73 دولارا للبرميل في منتصف ديسمبر
في حالة الشرق الأوسط، استنتج العاملون الأساسيون في السوق – المتداولون ومصافي التكرير ومستوردو النفط – بسرعة أن كلا من إيران وإسرائيل لا تريد حربا إقليمية شاملة، وتاليا لا يوجد تهديد مباشر لإنتاج النفط في منطقة الخليج.
فقد ارتفع سعر النفط إلى نحو 90 دولارا للبرميل عندما تبادلت إيران وإسرائيل الضربات الصاروخية والجوية، في أبريل/نيسان الماضي، ثم انخفضت لتبلغ نحو 73 دولارا للبرميل في منتصف ديسمبر/كانون الأول.
مستويات قياسية للانتاج الأميركي
من جهة العرض، حقق الإنتاج الأميركي مستوى قياسيا في أغسطس/آب 2024، بإنتاج 13,4 مليون برميل يوميا، مما عزز مكانة الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط الخام، والتي حافظت عليها منذ عام 2018، وذلك بفضل تطوير استخراج النفط من الأحواض الصخرية. كما ارتفع الإنتاج في كندا والبرازيل وغيانا وكازاخستان في عام 2024، ومن المتوقع الاستمرار على هذا النحو عام 2025.
أما لجهة الطلب، فلا يزال الاقتصاد الصيني يترنح تحت وطأة ركود سوق العقارات ومخاوف أخرى برزت في أعقاب جائحة "كوفيد-19"، تتعلق بثقة المستهلكين والأمان الوظيفي، وكلها كان لها أثر على نمو استهلاك الطاقة.
تكيفت "أوبك بلس" مع أوضاع السوق، فحافظت على سياسة تقليص الانتاج. وأرجأ التحالف الذي يضم 22 دولة في ديسمبر/كانون الأول قرارا برفع الامتدادات تدريجيا بمقدار مليوني برميل يوميا، وهي من ضمن كمية كان قد سحبها من السوق على مراحل عدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.
يشكل إنتاج تحالف "أوبك" نحو 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية، بمعدل إنتاج 41,46 مليون برميل يوميا في منتصف عام 2024
وكالة الطاقة الدولية
من المقرر أن تراجع المجموعة وقائع السوق في يونيو/حزيران المقبل، وتتخذ قرارا في شأن المضي قدما في رفع القيود المفروضة على الإنتاج أو إبقائها. ويقول أبي عاد إن "هناك الكثير من المتغيرات في هذه المرحلة وكل ما تستطيع المجموعة فعله هو مراقبة السوق والوضع الجيوسياسي وتكييف الإنتاج وفقا لذلك" في منتصف السنة المقبلة.
اعتماد الاقتصاد على الدخل النفطي
تشكلت "أوبك بلس" في عام 2016، وهي تتألف من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ومقرها فيينا، وولدت في القرن الماضي بهدف الدفاع عن مصالح الدول المصدرة للنفط. وتقود السعودية المنظمة إلى جانب 10 دول رئيسة أخرى منتجة للنفط، منها روسيا وكازاخستان وأذربيجان والمكسيك وعمان. ويشكل إنتاج التحالف نحو 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية، بمعدل إنتاج 41,46 مليون برميل يوميا في منتصف عام 2024، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
إزالة القيود المفروضة على الإنتاج كان من شأنه أن يتسبب في انخفاض الأسعار بشكل لا يستطيع المنتجون المعتمدون على النفط بشكل عام تحمله في هذه المرحلة، لأنهم بحاجة إلى الاستثمار بكثافة في التنويع الاقتصادي ومصادر الطاقة المتجددة
ناجي أبي عاد خبير الطاقة ومستشار "أوبك" السابق
ويقول أبي عاد إن "إزالة القيود المفروضة على الإنتاج كان من شأنه أن يتسبب في انخفاض الأسعار بشكل لا يستطيع المنتجون المعتمدون على النفط بشكل عام تحمله في هذه المرحلة، لأنهم بحاجة إلى الاستثمار بكثافة في التنويع الاقتصادي ومصادر الطاقة المتجددة".
ترمب والسعودية وروسيا
على سبيل المثل، تشهد المملكة العربية السعودية تحولا اقتصاديا هائلا في ظل "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل غير النفطية من خلال تطوير السياحة والصناعة والمواصلات والرياضة والتكنولوجيا. كما فازت المملكة اخيرا باستضافة كأس العالم 2034، الأمر الذي يتطلب استثمارات إضافية في الملاعب الرياضية والفنادق والبنية التحتية.
أما روسيا، فهي بحاجة ماسة إلى مدخول النفط من أجل مجهودها الحربي في أوكرانيا ولدعم الاقتصاد في وجه العقوبات المالية الغربية المفروضة عليها نتيجة لهذه الحرب.
ويشير مهدي، المحلل النفطي المقيم في الرياض، إلى أنه "في أعقاب الحرب الأوكرانية، أظهرت روسيا التزاما أكبر بخفوضات الإنتاج التي أقرتها 'أوبك بلس'، إدراكا منها للأهمية المتزايدة لهذا التحالف في ضمان مكانتها كلاعب رئيس في المشهد العالمي للطاقة". ووسط عدم اليقين الذي يحيط برئاسة ترمب وما ستؤول إليه الأمور على مستوى الاقتصاد العالمي، هناك عامل إيجابي في سياسته المعلنة بالنسبة لـ"أوبك بلس" وهو دعمه لاستخراج الوقود الأحفوري، الذي يعبر عنه في مقولته الشهيرة "أحفر، يا عزيزي، أحفر".
وصول ترمب للرئاسة يشكل تطورا سياسيا جيدا بالنسبة للسعودية وروسيا، كونه بنى علاقات جيدة مع كلتيهما في فترة ولايته الأولى وهو يشاركهما اهتمامهما بالحفاظ على تدفق الاستثمارات في صناعة النفط
وائل مهدي، محلل سعودي مستقل متخصص في شؤون "أوبك"
لذا يعتبر مهدي أن وصول ترمب للرئاسة "يشكل تطورا سياسيا جيدا بالنسبة للسعودية وروسيا" كونه "بنى علاقات جيدة مع كلتيهما في فترة ولايته الأولى وهو يشاركهما اهتمامهما بالحفاظ على تدفق الاستثمارات في صناعة النفط، ولا يمكن تحقيق ذلك إذا قلّت أسعار النفط عن 70 دولارا للبرميل" لأنها لن تكون عندئذ مجدية.
من هنا، يرى مهدي أنه "سيتوجب على الرئيس الجديد التوفيق بين هدفين أساسيين" التزمهما في حملته الانتخابية، هما "كبح التضخم من جهة، وتعزيز إنتاج النفط الأميركي من جهة أخرى"، مضيفا أن "تحقيق هذا التوازن سيكون عملية صعبة، تتطلب ان تكون الأسعار عند 70 دولارا للبرميل".
السيطرة على التضخم أمر مهم للأميركيين خصوصا في هذه المرحلة، بعد سنوات من الارتفاع الحاد في الأسعار. كما سيسمح للاحتياطي الفيديرالي بالاستمرار في خفض أسعار الفائدة، مما يخفف تكاليف الاقتراض من أجل تعزيز الاستثمار والاستهلاك.
وبالإضافة الى الإجراءات المتعلقة بالطاقة والتجارة الدولية والعلاقة مع الصين، فإن لترمب أهدافا معلنة أخرى قد يتكون لها تداعيات مهمة على سوق النفط كإنهاء الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إذ من المرجح في حال تحقيقه أيا منها، أن ينحفض سعر النفط بفعل زوال الأخطار الجيوسياسية.
انخفض اعتماد دول الخليج على الهيدروكربونات، كمعدل وسطي، من نحو 45% في الفترة ما بين 2005 و2010، إلى نحو 30% في الفترة ما بين 2017 و2022، وفقا لصندوق النقد الدولي
أما لجهة العرض والطلب، ومن دون النظر إلى الأخطار السياسية، تتشابه توقعات سوق النفط لعام 2025 مع عام 2024، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، التي تأخذ بوجهة نظر الدول المستوردة للنفط.
وأفادت الوكالة في تقريرها الشهري في ديسمبر/كانون الأول الجاري أن "نمو العرض القوي من الدول غير الأعضاء في مجموعة "أوبك بلس" والطلب المتواضع نسبيا على النفط سيريحان السوق في عام 2025".
يشكل دخل النفط عاملا جوهريا بالنسبة الى دول "أوبك بلس" في هذه المرحلة خصوصا، إذ تلزم الاتفاقات الدولية الخاصة بمكافحة الاحتباس الحراري كل الدول خفض استخدام الوقود الأحفوري تدريجيا وصولا إلى وقف استخدامه كوقود.
التكيف مع السوق والتنويع الاقتصادي
وتستخدم دول الخليج جزءا كبيرا من هذا الدخل لتطوير القطاعات غير النفطية وتعزيز القطاع الخاص، مما أدى إلى انخفاض اعتمادها الاقتصادي على الهيدروكربونات، كمعدل وسطي للمجموعة، من نحو 45 في المئة في الفترة ما بين 2005 و2010، إلى نحو 30 في المئة في الفترة ما بين 2017 و2022، وفقا لصندوق النقد الدولي.
سعر النفط الذي تحتاجه السعودية للموازنة بين الدخل والانفاق الحكومي هو 90 دولارا للبرميل في عام 2024 و85 دولارا لعام 2025
وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني
وقد استطاعت السعودية، أكبر اقتصاد بين الدول العربية والعضو في مجموعة العشرين لأكبر الاقتصادات في العالم، خفض دخلها الناتج من الصناعات المرتبطة بالهيدروكربونات من نحو 50 في المئة في الفترة ما بين 2005 و2010، إلى أقل من 25 في المئة في الفترة ما بين 2017 و2022.
وتوقعت وزارة المالية السعودية أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0,8 في المئة عام 2024، على الرغم من تدني أسعار النفط، مدفوعا بنمو قدره 3,7 في المئة في الأنشطة غير النفطية. كما أنها خفضت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني توقعاتها للإنفاق في موازنة 2025 بنحو 4,5 في المئة عن عام 2024، مما يعطيها مرونة في التعامل مع أي هبوط محتمل لأسعار النفط.
وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني قد قدرت في فبراير/شباط الماضي سعر النفط الذي تحتاجه السعودية للموازنة بين الدخل والانفاق الحكومي بـ90 دولارا للبرميل في عام 2024 و85 دولارا لعام 2025. وقالت "فيتش" إن أي تحرك بمقدار 10 دولارات للبرميل صعودا أو نزولا من شأنه أن يزيد أو ينقص الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة تصل إلى 2,5 بالمئة.
ويخلص مهدي إلى "أن اقتصادات الخليج قد أظهرت مرونة ملحوظة" في التعامل مع تقلبات أسعار النفط، و"قد تطورت بشكل كبير خلال العقد الماضي، مع تبني استراتيجيات طموحة للتنويع الاقتصادي واستثمارات كبيرة في القطاعات غير النفطية. إنهم الآن أقل اعتمادا على عائدات النفط مما كانوا عليه قبل 10 سنوات".