مازن درويش لـ"المجلة": يجب محاكمة الأسد علنا في دمشق... والتوقف عن العبث بالأدلة والمقابر الجماعية

رئيس "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" يقدّر عدد المفقودين بأكثر من 110 آلاف شخص

أ.ف.ب
أ.ف.ب
مازن درويش (وسط) يتحدث إلى الصحفيين خارج المحكمة التي يحاكم فيها ضابط المخابرات السوري السابق أنور رسلان في كوبلنز، غرب ألمانيا، في 13 يناير 2022

مازن درويش لـ"المجلة": يجب محاكمة الأسد علنا في دمشق... والتوقف عن العبث بالأدلة والمقابر الجماعية

قال مازن درويش رئيس "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" في حديث لـ"المجلة"، إن "بشار الأسد يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والجنائية عما حصل في سوريا وعن الغالبية العظمى من الجرائم حتى بالمعنى الجنائي"، مضيفا: "عندما يصبح لدينا المسار الوطني للعدالة الانتقالية يجب أن تطالب السلطات القائمة في سوريا في ذلك الوقت بتسليمه وغيره من المجرمين. ويجب أن يكون ذلك جزءا من عملية التعافي، وجزءا من عملية المصالحة الوطنية، وإمكانية محاكمة هؤلاء الأشخاص في سوريا وبشكل علني".

وأوضح درويش ردا على سؤال: "مع سقوط النظام أصبح لدينا مجموعة واسعة جدا من الأدلة والوثائق والأوامر وتفاصيل أخرى تتعلق حتى بالضحايا أنفسهم والمقابر الجماعية"، داعيا إلى ضرورة التوقف عن "العبث بالأدلة والفتح العشوائي للمقابر الجماعية لأن كل هذا يمكن أن يؤثر فعلا على إمكانيات المحاسبة لكن أيضا على إمكانيات كشف الحقيقة بالنسبة للضحايا وعائلاتهم في المستقبل".

وقدر درويش أعداد الضحايا الذين تم توثيقهم كمفقودين بـ"أكثر من 110 آلاف مفقود".

وعن التسويات التي حصلت مع بعض مسؤولي النظام السابق، قال درويش: "كنا كسوريين نعتقد أن لحظة سقوط النظام ستشهد مجازر ومذابح سواء بالمعنى السياسي أو حتى بالمعنى الطائفي. حتى الآن الوضع فعلا مفاجئ جدا بالمعنى الإيجابي بشكل عام، رغم وجود خروقات هنا أو هناك"، مضيفا: "كنت أتمنى أن تحل المسألة بمجرد عفو عام أو مصالحات شكلية. الموضوع للأسف أعقَد. أعتقد أن مسارا وطنيا للعدالة الانتقالية، جزء منه يقوم على أن المحاسبة أمر ضروري".

وهنا نص الحوار الذي جرى عبر تطبيق "زووم" مع درويش المقيم في باريس:

* شاهدنا بعد سقوط نظام الأسد تفاصيل الانتهاكات والعذابات في السجون بينها سجن صيدنايا وهناك الكثير من الوثائق. كيف يمكن تحويل ذلك إلى آلية للمحاسبة والمساءلة؟

- مع سقوط النظام أصبح لدينا مجموعة واسعة جدا من الأدلة والوثائق والأوامر وتفاصيل أخرى تتعلق حتى بالضحايا أنفسهم والمقابر الجماعية. مجموعة هائلة من الأدلة على كل ما كنا نقول إنه كان يحصل في سوريا.

للأسف الشديد بعض هذه الأدلة يتم التعاطي معه بشكل عشوائي، وهي أدلة بحاجة إلى حفظ وإلى أن يتوقف العبث فيها. حتى المقابر الجماعية والفتح العشوائي لها كل هذا يمكن أن يؤثر فعلا على إمكانيات المحاسبة لكن أيضا على إمكانيات كشف الحقيقة بالنسبة للضحايا وعائلاتهم في المستقبل.

الخطوة الأولى الأساسية الآن أعتقد أنه يجب حفظ هذه الأماكن، وإغلاقها وعدم السماح حتى للصحافيين بالدخول إليها سواء كانت مقرات أمنية، أو سجونا، أو مقابر جماعية... وأيضا نحن نعرف أن الإمكانيات المحلية الموجودة حاليا لا تستطيع أن تتعامل مع هذا الكمّ من الأدلة وخصوصا ما يتعلق بالمقابر الجماعية والـ"دي إن إيه".

كسوريين كنا نعتقد أن لحظة سقوط النظام ستشهد مجازر ومذابح سواء بالمعنى السياسي أو حتى بالمعنى الطائفي. حتى الآن الوضع فعلا مفاجئ جدا بالمعنى الإيجابي

أساسا في سوريا ليس لدينا بنك "دي إن إيه" للعائلات حتى تتم مقارنة الرفات الموجود. هذا يتطلب أن تكون هناك اتفاقيات تعاون بين الإدارة الجديدة ووكالات الأمم المتحدة. نعرف أنه تم تعيين رئيسة للمؤسسة الخاصة بالمفقودين في سوريا وأيضا هناك وكالات دولية كثيرة ومؤسسات مختصة بهذا الأمر. أعتقد أنه يجب أن تكون هناك اتفاقيات تعاون بشكل فوري، لكن الخطوة الأساسية اليوم هي حفظ هذه الأماكن وحفظ الأدلة.

* هل هناك أي اتصال من الأشخاص والمؤسسات التي عملت على هذا الموضوع لفترة طويلة، في الداخل والخارج، مع الإدارة الجديدة؟

- هناك قنوات اتصال مع الإدارة الجديدة، بعض زملائنا من مؤسسات المجتمع المدني كان لديهم حتى لقاءات مع النائب العام وبعض الإدارات الجديدة. ويجب أن لا ننسى حقيقة أن التشكيلة الأساسية للإدارة والحكومة لم تنتظم بعد. سقوط النظام بهذه السرعة كان مفاجئا، نحن اليوم نتحدث بعد أقل من أسبوعين، بالتأكيد سيحتاج شغل هذه المناصب وتفعيل هذه الإدارات وقتا أكثر، لكن هناك عمليات تواصل بدأت وجزء من رهاننا أن تكون هناك استراتيجية وطنية للتعامل مع هذه القضايا فلا تبقى المسألة فقط استجابة سريعة لأحداث طارئة.

* نسمع أرقاما كثيرة عن عدد المفقودين وعدد السجناء. هل هناك عدد نهائي للسجناء والمفقودين في سوريا. وعدد الأشخاص الذين خرجوا حتى الآن؟

- للأسف يمكنني القول إن أعداد الضحايا الذين وثقناهم كمفقودين تتجاوز 110 آلاف مفقود، هذا ما تمكنا من التوصل إليه في مركز توثيق الانتهاكات. لكن نعتقد أن الرقم أكبر من ذلك وللأسف الشديد يمكن أن يكون حتى ضعف هذا الرقم. كل المؤشرات تقول إن الأعداد التي خرجت من السياسيين أو المعتقلين على هامش الأحداث السياسية أو معتقلي ما يسمى "محكمة الإرهاب"... إلخ هي النسبة الأقل. معظم المفرج عنهم والذين تم إطلاق سراحهم من السجون المركزية هم سجناء جنائيون. الأعداد الحقيقية للأشخاص الذين دخلوا السجون وخرجوا منها خلال الـ14 سنة أو لا زالوا مفقودين حقيقة هي مئات الآلاف.

* في الأيام الأخيرة حصلت تسويات مع شخصيات بارزة في النظام، آخرهم طلال مخلوف الذي كان قياديا في الحرس الجمهوري، ما رأيك في هذه التسويات؟

- دون شك ربما كنا كسوريين نعتقد أن لحظة سقوط النظام ستشهد مجازر ومذابح سواء بالمعنى السياسي أو حتى بالمعنى الطائفي. حتى الآن الوضع فعلا مفاجئ جدا بالمعنى الإيجابي بشكل عام، رغم وجود خروقات هنا أو هناك. لكن الوعي والنضج الذي نرى السوريين عليهما بشكل عام علامة فارقة ربما في كل الصراعات التي درستها أنا على الأقل أو عملت عليها. مع ذلك أنا أفهم هذه الحيوية الإيجابية الموجودة عند السلطات الجديدة، وأفهم أيضا المطالبات التي تصدر عن بعض الجهات بما يخص العفو العام.  

أ.ف.ب
أشخاص يتجمعون حاملين الأعلام السورية من عهد الاستقلال وصور 23 شخصًا من أبناء المنطقة الذين قضوا في صيدنايا وسجون نظام الأسد خلال وقفة تأبينية لهم عند النصب التذكاري للثورة السورية الكبرى في ساحة السيوف في جرمانا بريف دمشق

 

عندما يصبح لدينا المسار الوطني للعدالة الانتقالية يجب أن تطالب السلطات القائمة في سوريا في ذلك الوقت بتسليم بشار الأسد وغيره من المجرمين

أمام ما حصل في سوريا، كنت أتمنى أن يكون ممكنا حل المسألة بمجرد عفو عام أو مصالحات شكلية أو مسامحات أو "اذهبوا فأنتم الطلقاء". الموضوع للأسف أعقَد. أعتقد أن مسارا وطنيا للعدالة الانتقالية، جزء منه يقوم على المحاسبة، وهذا أمر ضروري من أجل السلم الأهلي، لأن عدم وجود محاسبة أعتقد أنه سيفتح الباب لدوامة واسعة من حالات الانتقام الفردي وسيجر المجتمع السوري برمته إلى حالة من عدم الاستقرار وحتى إمكانية حصول "حرب أهلية". لذلك أرى أنه لا بد من أن يكون هناك مسار وطني للعدالة الانتقالية ركن من أركانه المحاسبة، ولكن أيضا نحن هنا بحاجة إلى أن نتعامل مع قضية المحاسبة بشكل موضوعي، بشكل وطني، بحيث لا تتحول هذه المحاسبة لتكون محاسبة المنتصر وحتى لا تكون أيضا شكلا من أشكال العدالة الانتقائية أو العدالة الانتقامية. نحن بحاجة إلى أن يكون هناك مسار متوازن ذكي يحقق الإنصاف للضحايا من كل الأطراف، وأيضا يحاسب ويعاقب كبار المجرمين وكبار المنتهكين. هذا المسار الوطني الذي يمكن أن نتحدث فيه عن كثير من الخطوات المطلوبة، بالإضافة إلى المحاسبة بالمعنى الجنائي. أيضا هناك قضية العزل السياسي، وقضية عدم إتاحة الفرصة لأشخاص معينين أن يكونوا جزءا من الحياة العامة والحياة السياسية في سوريا. هذا أيضا أمر في غاية الأهمية. لكن ليس من دون أن يكون لدينا فعلا حلول حقيقية. الصراع في سوريا كان معقدا جدا، جزء منه كان قائما على ازدواجية نظام استبدادي وشعب لديه حركة مطلبية سلمية ثائر في مرحلة معينة. لكن الصراع تحول في مراحل معينة إلى صراع عسكري ورأينا أيضا مستويات عديدة من الصراع لها أساس طائفي ومستويات من الصراع لها أساس عرقي وأيضا مناطقي. أيضا بين القوى نفسها التي يمكن اليوم أن نقول عنها "القوى المنتصرة" رأينا صراعات بينية، وكان هناك أيضا دم في هذا الخصوص. وهذه كلها قضايا، قد تكون الآن حالة الانتصار لا تسمح لهذه القضايا بأن تظهر، ولكن هذه واحدة من الألغام التي تواجهنا كسوريين وتواجه مستقبلنا السوري.

أيضا لا ننسى عامل الإرهاب والتطرف، "داعش" والمجازر والمذابح التي حصلت في هذا السياق والتي كان لديها أيضا انعكاسات بالمعنى القبلي أو العشائري في بعض الأحيان. بالتالي نحن بحاجة إلى أن نكون دقيقين جدا ولا نتعامل مع الأمور بشكل سطحي وسريع، بحاجة إلى أن نفكك مستويات هذا الصراع ونرى كيف سنتعامل معه. الميليشيات الأجنبية، والقوى الإقليمية بشكل عام. حقيقةً الصراع في سوريا من أعقد أشكال الصراع المعاصرة. لذلك فإن فكرة المسامحة أو العفو العام فقط أو "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، على نبلها بالمعنى الأخلاقي العام، لكن لا أعتقد أبدا أنها يمكن أن تشكل حلا، على العكس تماما قد تكون كارثة حتى على من يطالب بها.

* في هذا السياق، هل تكون المحاسبة محلية أم تكون محاسبة دولية، أم تكون مزيجا من المسارين معا؟

- النموذج الذي يمكن التحدث عنه اليوم قد يكون مبكرا، دائما أتمنى بشكل شخصي حتى عندما كنا في كوبلينز (ألمانيا)، أو في باريس عندما كانت المحكمة تطلق أحكامها كنت دائما أقول "ليتها في دمشق". دائما أتمنى أن يكون لدينا مسار وطني، ولكن في ضوء أن هناك الكثير من الأشخاص المتهمين المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فروا من سوريا، من ضمنهم بشار الأسد وغيره. أعتقد أننا نحتاج خليطا أو مزيجا من الأدوات المحلية والأدوات الدولية. أيضا هناك بعض الجرائم والانتهاكات التي حصلت مثل جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا لها طابع خاص وطابع عالمي من حيث الخطورة، لذلك يمكن أن تكون إحدى الأدوات أمام الإدارة الجديدة هي انضمام سوريا إلى اتفاقية روما والانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية في هذا الخصوص.

* ماذا عن بشار الأسد الموجود في موسكو؟

- بشار الأسد يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والجنائية عما حصل في سوريا وعن الغالبية العظمى من الجرائم حتى بالمعنى الجنائي. هناك مذكرة توقيف بحقه أساسا من المحاكم الفرنسية. وأعتقد أنه عندما يصبح لدينا المسار الوطني للعدالة الانتقالية يجب أن تطالب السلطات القائمة في سوريا في ذلك الوقت بتسليمه وغيره من المجرمين. يجب أن يكون جزءا من عملية التعافي، وجزءا من عملية المصالحة الوطنية، وإمكانية محاكمة هؤلاء الأشخاص في سوريا وبشكل علني.

الجرائم والانتهاكات التي حصلت كانت في سوريا، وكانت ضد السوريين، واللجوء إلى العدالة في دول أخرى أو إلى العدالة الدولية كان خطة بديلة لعدم إمكانية قيام عدالة داخل سوريا

* عملتَ طويلا في السنوات الأخيرة على محاكمات في كوبلينز وغيرها في دول أوروبية مختلفة، ماذا عن هذه المحاكمات في ضوء ما حصل في الفترة الأخيرة. هل سعيتم أو حصلتم على وثائق معينة ستقدم في هذه المحاكم؟

- ندرس اليوم هذا الموضوع مع سلطات قضائية في أكثر من دولة. قناعتنا وخطتنا أن هذه المحاكم تقوم بإحالة كافة هذه الإضبارات والشكاوى وحتى الأشخاص الموقوفين إلى السلطات القانونية السورية عندما يكون هناك، مرة أخرى، جهاز قضائي وقانوني يسمح بهذا. هذه المحاكمات والأدلة والتحقيقات التي حصلت بالنسبة لكل الأطراف وخصوصا أننا في المركز استطعنا أن نصدر 15 مذكرة توقيف دولية بحق 15 من كبار الضباط ومن ضمنهم بشار الأسد وماهر الأسد. لكن حتى بالنسبة إلى المحاكمات التي تخص باقي الأطراف، كافة هذه المحاكمات، أعتقد يجب تسليم الملفات والأدلة والأشخاص الموقوفين إلى السلطات القانونية الجديدة.

* هل تتوقع أن يحصل هذا؟

- هذا يرتبط حقيقة بشكل الانتقال السياسي الذي سيتم في سوريا. إن كان لدينا فعلا عملية انتقال سياسي موثوقة، وكان لدينا فعلا أجهزة قانونية وقضائية أيضا موثوقة تتماشى مع معايير العدالة فهذا يجب أن يحصل، وسنحاول أن نستمر بالدفع في ذلك الاتجاه. في النهاية هذه الجرائم والانتهاكات حصلت في سوريا، حصلت ضد السوريين، ولجوؤنا إلى العدالة في دول أخرى أو إلى العدالة الدولية كان حقيقة خطة بديلة لعدم إمكانية قيام عدالة داخل سوريا. لكن اليوم أعتقد أن النافذة فُتحت وعلينا أن نتمسك بهذا الخيار. ومرة أخرى، هذا الأمر ليس فقط مجرد إنصاف للضحايا، على أهميته، ومحاسبة المجرمين والمنتهكين، على أهميتها، هذا الأمر يتعلق بإمكانية العيش المشترك وإمكانية السلام المستدام في سوريا. قضية العدالة في سوريا هي أحد أهم أساسات بناء الدولة السورية في المستقبل وإمكانية استمرارها والتعايش بين كافة مواطنينا بسلام.

font change

مقالات ذات صلة