ماسك ينعش وادي السيليكونhttps://www.majalla.com/node/323615/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7/%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%83-%D9%8A%D9%86%D8%B9%D8%B4-%D9%88%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86
حين غدا فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية مؤكدا، نشر إيلون ماسك صورة (ميم) له تمثله وهو يحمل مغسلة كبيرة إلى المكتب البيضاوي. كان ذلك تذكيرا بما فعله عندما اشترى "تويتر" وحمل معه حين دخل أول مرة مقره الرئيس نوع المغسلة نفسه. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كان الهدف من هذه اللعبة التلاعب البصري في عبارة "let that sink in" التي تعني عادة أخذ الوقت لاستيعاب فكرة مفاجئة أو غير متوقعة.
بعد فترة وجيزة من دعابته الصغيرة، قام من أطلق على نفسه لقب "زعيم تويتر" بتسريح معظم الموظفين في "تويتر". وفي وقت لاحق، ذهب إلى حد تغيير اسم المنصة نفسه.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتضح الآثار الكاملة لمجيء "ترمب الثاني"، ولكن الدلائل تشير إلى أنه يريد من ملياردير التكنولوجيا المفضل لديه أن يتعامل مع الحكومة الأميركية بالحزم نفسه الذي تعامل به مع "تويتر".
ولكن على الرغم من ذلك، قد لا يصل ماسك إلى مدى تطرف كيفين روبرتس، رئيس مؤسسة "هيريتيج" (التراث) الذي يقف وراء "مشروع 2025"، والذي نشر كتابه "ضوء الفجر" بعد ظهور نتائج الانتخابات، بعد أن خفف وطأة عنوانه الفرعي من "حرق واشنطن لإنقاذ أميركا" إلى "استعادة واشنطن لإنقاذ أميركا". خطة روبرتس استهدفت مؤسسات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، و"نيويورك تايمز"، وحتى الكشافة، بينما كانت وسائل منع الحمل والصلاة العامة جزءا من استراتيجيته للتنافس مع الصين.
كل هذا يجعل الاسم الوظيفي الذي اقترحه ماسك– "وزير خفض التكاليف"– يبدو أليفا إلى حد ما، حتى لا نقول بلا نكهة، بالمقارنة مثلا مع منصب "كبير مشعلي الحرائق في حركة MAGA". وبالمثل، أكد زعيم الأغلبية في مجلس النواب، ستيف سكاليز، أن مسؤولية ماسك ستكون "ترشيد الحكومة".
أما إيلون ماسك نفسه فسيشرف على وزارة جديدة باسم "وزارة الكفاءة الحكومية"، سيكون هدفها خفض الإنفاق الحكومي بمقدار تريليوني دولار. وستؤدي هذه التخفيضات في التكاليف عمليا إلى إلغاء الضوابط التنظيمية وتغييرات في السياسات ستصب في النهاية في صالح شركات ماسك بشكل مباشر– "تسلا"، و"سبيس إكس"، و"إكس" ("تويتر" سابقا)، و"نيورالينك".
سواء شغل ماسك منصب خافض التكاليف غير المنتخب أم لا، فقد حقق هدفه، ولعل تحالفه مع ترمب هو أضمن طريقة لحماية نفسه وزملائه من رؤساء التكنولوجيا من ويلات القوانين الحكومية
لم يحدد الملياردير بوضوح كيف سيحقق هذا الهدف، إلا أنه اقترح البدء بإلغاء الوظائف الحكومية الزائدة عن الحاجة وتقليل اللوائح المرهقة. ومع ذلك، يعتقد خبراء مثل مات ميتلستيدت، وهو زميل باحث في مركز ميركاتوس بجامعة جورج ميسون الأميركية، أن استراتيجيات ماسك العدوانية لخفض التكاليف، على غرار تلك التي طبقها في "تويتر"، قد لا تكون مجدية في القطاع العام. ("الغارديان"- 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024).
ولعل السؤال الأكبر: إلى متى سيستطيع اتفاق بين شخصين مغرورين غرورا لا حدود له أن يصمد أمام نشوة النصر. حتى الآن، يبدو أن التقدير بين الرجلين لا يزال متبادلا، وكذلك الفوائد. فبينما أمطرت خوارزميات ماسك متابعيه البالغ عددهم مليوني متابع بمحتوى مؤيد لترمب، أشاد الرئيس السابق بأغنى رجل في العالم ووصفه بـ"النجم" و"العبقري،" مؤكدا أن "علينا حماية عباقرتنا، فليس لدينا الكثير منهم".
قد لا يكون ماسك مهتما بالفعل فيما إذا كان هذا الافتتان سيؤدي في النهاية إلى إسناد دور حكومي له أم لا. فقد أكسبته الانتخابات بالفعل 26 مليار دولار إضافية لتعويض المبالغ التافهة نسبيا التي استثمرها في حملة ترمب، والتي تتفاوت حولها التقديرات. فقد ذكرت صحيفة "الغارديان" أن شركته "أميركا باك"(America Pac) ضخت 120 مليون دولار في حملة ترمب، بينما تراوحت أرقام "سي إن إن" بين 75 إلى 119 مليون دولار.
ولذلك، سواء شغل ماسك منصب خافض التكاليف غير المنتخب أم لا، فإن ماسك قد حقق بالفعل هدفه الرئيس، ولعل تحالفه مع الديماغوجي الجمهوري هو أضمن طريقة لحماية نفسه وزملائه من رؤساء التكنولوجيا من ويلات القوانين الحكومية.
هذا كله يبدو شديد الوضوح الآن. لقد رأينا سلوك ماسك المثير للجدل منذ أسابيع، وهو سلوك مفرط للغاية وغير ملائم بالنسبة لملياردير تقليدي. على سبيل المثال، ادعى علنا أن هناك "حربا أهلية" في بريطانيا بسبب انتخاب شخصية خيالية تسمى "كِير ذو الطبقتين" (على الأرجح مبالغة خيالية). كما قام بتوزيع ملايين الدولارات في مسابقات يانصيب، وفي أكثر تصرفاته غرابة، رقص على المسرح بطريقة بهلوانية، في مشهد يفوق حتى حركات مغني فرقة رولينغ ستون، ميك جاغر، الشهيرة على خشبة المسرح.
من المفاجئ أن نكتشف أنه عندما كان ترمب آخر مرة في البيت الأبيض ودعا جميع الشخصيات البارزة في وادي السيليكون إلى مجلس التكنولوجيا الأميركي الذي يرأسه، لم يكن ماسك بين الحضور
وبسبب هذا الجموح في دعم ترمب، قد يكون من الصعب أن نتذكر أنه في شهر مارس/آذار الماضي، كان ماسك يرفض تأييد ترمب. وكان موقفه مشابها لموقف صحيفة "واشنطن بوست" تحت ضغط مالكها، جيف بيزوس. وحتى ذلك الوقت، كان ماسك يردد أنه لن يؤيد أيا من المرشحين. وبحلول شهر مايو/أيار، كان لا يزال يدرس خياراته. ثم، في يوليو/تموز– إثر محاولة اغتيال في بتلر بولاية بنسلفانيا– غيّر ماسك موقفه ونشر تغريدة يعلن فيها دعمه الكامل لترمب، متمنيا له الشفاء العاجل.
بدا ذلك وكأنه لحظة "الكشف الدمشقية" بالنسبة لماسك. بل إن ماسك نشر صورة لبطله الجديد وهو يرفع قبضته في الهواء متحديا بعد أن كان قاب قوسين من الموت، كما لو أن هذا الحدث هو وحده من ألهم تغيير قلبه. لا مزيد من ركل المهامز. ومن هذا اليوم فصاعدا، لن يكون لدى دونالد أي سبب آخر لسؤال إيلون ماسك: "إيلون، إيلون، لماذا تضطهدني؟". وهو أمر مريح لترمب، فاستخدام مثل هذه التراكيب ممكنة فقط لمن قرأ الكتاب المقدس (تستخدم هذه الفقرة لغة وصورا من الكتاب المقدس لتشير إلى أن إيلون ماسك قد توقف عن معارضة أو مقاومة دونالد ترمب. عبارة "لا مزيد من ركل المهامز"، مأخوذة من الكتاب المقدس- أعمال الرسل: الإصحاح التاسع، الآية 5، وتعني أن العين لا تقاوم مخرزا. أما عبارة "إيلون، إيلون، لماذا تضطهدني؟" فتحريف للآية 4 من الإصحاح نفسه والتي يسأل فيها السيد المسيح شاؤول: "شاؤول، شاؤول، لماذا تضطهدني؟").
لذلك كان من المفاجئ أن نكتشف أنه عندما كان ترمب آخر مرة في البيت الأبيض ودعا جميع الشخصيات البارزة في وادي السيليكون إلى مجلس التكنولوجيا الأميركي الذي يرأسه، لم يكن ماسك بين الحضور. وقد وصف جيمس نوتون المشهد في عام 2017 كما يلي:
"بدا بعض الحاضرين محرجين إلى حد كبير، ولهم الحق في ذلك. فالكثير منهم، إن لم يكن معظمهم، يمقتون كل ما يمثله الرئيس. وأعاد الاجتماع، مَثله مَثل الكثير من اجتماعات الطاولة المستديرة الأخرى التي عقدها ترمب، إلى الأذهان لقطات من جلسات مجلس وزراء صدام حسين. ومع أن كثرة من الحاضرين كانوا يفضلون الوجود في مكان آخر، فإنهم كانوا حذرين من أن يظهروا بمظهر المتجاهلين لبطل شعبوي" ("أوبزرفر"- 10 سبتمبر/أيلول 2017). لكن هذا لم يمنع ماسك من تجاهله.
قد تبدو كلمة "محرجين" في غير محلها في حضور عمالقة التكنولوجيا، من مثل جيف بيزوس من "أمازون"، وسافرا كاتز من "أوراكل"، وتيم كوك من "آبل"، وجون دوير من شركة "كلاينر بيركنز لرأس المال الاستثماري"، وبريان كرزانيتش من "إنتل"، وتوم ليتون من "أكاماي"، وساتيا ناديلا من "مايكروسوفت"، وجيني رومِتّي من "آي بي إم"، وإريك شميدت من "ألفابت" (الشركة الأم لـ"غوغل")، وستيف مولينكوف من "كوالكوم".
في ذلك الوقت، كان هناك سببان محتملان لظهور هؤلاء القادة بمظهر المحرج. أولهما أنهم معروفون بميولهم السياسية التقدمية. وكان استطلاع أجراه غريغ فيرنشتاين قد أظهر أن قادة وادي السيليكون كانوا ليبراليين جدا في القضايا الاجتماعية. فقد عارضوا عقوبة الإعدام، وأيدوا حق المرأة في الاختيار وقوانين السيطرة على الأسلحة وحقوق المثليين، كما دعموا بشكل كبير سياسات إعادة توزيع الثروة، بما في ذلك فرض ضرائب أعلى على الأثرياء وتوفير الرعاية الصحية الشاملة للفقراء، ووقفوا إلى جانب قوانين هجرة أقل تشددا.
هم إذن كانوا يميلون ميلا كبيرا إلى اليسار مقارنة بالتيار السائد في الحزب الديمقراطي. ومع ذلك، اختلفوا مع الديمقراطيين في مجالين رئيسين: كانوا عموما معارضين للنقابات العمالية وحذرين من تنظيم الحكومة للقوانين.
انتقدت لينا خان قوانين الاحتكار الأميركية، التي ركزت على إبقاء الأسعار منخفضة للمستهلكين، باعتبارها غير كافية لمعالجة الطبيعة الاحتكارية للشركات المعتمدة على المنصات مثل "أمازون"
في ذلك الوقت، كان ترمب هو الخطر الأوضح، لأن إدارته اتخذت موقفا تصادميا تجاه تنظيم شركات التكنولوجيا، حيث غالبا ما اتهمها بالتحيز السياسي. وفي عام 2018، ادعى هو وحلفاؤه من اليمين أن عمالقة التكنولوجيا مثل "غوغل" ومنصات التواصل الاجتماعي كانوا يفرضون رقابة على الأصوات المحافظة ويميزون ضدها بشكل غير عادل. وقد غذّت هذه الرؤية المخاوف بشأن تأثير شركات التكنولوجيا على الرأي العام وتحولها نحو الميل الليبرالي. وعلى الرغم من صعوبة التحقق من ذلك، كان التصور السائد هو أن معظم الشركات في الوادي استمرت في توظيف ليبراليين أكثر بكثير من المحافظين في صفوفها، لدرجة أن المحافظين أنفسهم في بعض الشركات كانوا يشعرون بأن التعبير عن آرائهم المحافظة هو في حد ذاته من المحرمات.
ويبدو أن ترمب كان لديه سبب وجيه للشعور بالاضطهاد. ولكن التغيير الذي طرأ على العلاقة بين عمالقة التكنولوجيا والدولة الأميركية لم يكن بسبب شكواه منها، بل لأسباب أخرى. وقد يكون أحد الأسباب إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ عن ماساتشوستس، التي كتبت في منشور لها: "باتت شركات التكنولوجيا الكبرى اليوم تتمتع بسلطة كبيرة واسعة جدا... على اقتصادنا ومجتمعنا وديمقراطيتنا. وقد دمرت المنافسة الحرة، وهي تستخدم معلوماتنا الخاصة من أجل الربح، وأنشأت ظروفا تجعل من الصعب على الشركات والأفراد الآخرين المنافسة بشكل عادل".
وكانت وارن قبل ذلك، في أعقاب الأزمة المالية 2007-2009، قد هاجمت البنوك الكبرى، بصفتها مدافعة عن مكافحة الاحتكار، وقالت وقتها إنها ستختار المنظمين الذين يسعون إلى تفكيك ما سمته "عمليات الاندماج المناهضة للمنافسة"، مثل صفقة شراء "فيسبوك" الأخيرة لـ"إنستغرام" وشراء "أمازون" لشركة "هول فودز".
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، اقترح الديمقراطيون مشروع قانون لمنح المستهلكين حقوقا أساسية لحماية بياناتهم، وضمان رقابة قوية، وإنشاء آليات إنفاذ فعالة، يشابه في جوهره لوائح حماية البيانات العامة في أوروبا (GDPR) التي جرى تمريرها في عام 2016. وقد تطلب المشروع من شركات التكنولوجيا الكشف عن المعلومات الشخصية التي جمعتها، وحذف أو تصحيح البيانات غير الدقيقة، كما سمح للمستهلكين بحظر بيع معلوماتهم. فإذا أُقر هذا القانون، فسيكون من الأسهل للسلطات الأميركية فرض غرامات على شركات التكنولوجيا، كما سيتمكن الأفراد من مقاضاة الشركات التي تنتهك قواعد الخصوصية.
وتصاعدت التوترات مع الديمقراطيين خصوصا عندما عين بايدن لينا خان كرئيسة للجنة التجارة الفيدرالية (FTC)، التي كانت في سن الثانية والثلاثين فقط من عمرها، وبرزت كأصغر وأبرز شخصية تقدمية تتولى هذا المنصب منذ أكثر من عقد. ويُعرف عن خان موقفها النقدي تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى، وكان اسمها قد طفا على السطح في وادي السيليكون، منذ عام 2017، حين نشرت– وكانت لا تزال في عامها الثالث في كلية الحقوق بجامعة يال العريقة– مقالة مؤثرة بعنوان "مفارقة مكافحة الاحتكار في أمازون" في مجلة "يال" القانونية. وقد أعادت مقالة خان وقتها تشكيل النقاشات الأميركية حول قوانين الاحتكار. ووصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" بأنها "تعيد صياغة عقود من قوانين الاحتكار". وتكشف السطور القليلة التالية قدرة خان على استخدام اللغة الإنجليزية الهادئ والدقيق، الذي يتناقض بشكل حاد مع الطابع الانفعالي لتغريدات إيلون ماسك.
و"في ظل هذا النظام، كانت عمليات شراء (فيسبوك) لتطبيق (واتساب) و(إنستغرام)، على سبيل المثال، ستخضع لتدقيق أكبر من قبل وكالات مكافحة الاحتكار، إدراكا منها لكيفية تأثير الحصول على البيانات بشكل كبير على المنافسة. كما ينبغي أن تتلقى المعاملات الدولية التي تمنح الشركات الأجنبية وصولا إلى بيانات المستخدمين الأميركيين بدورها مراجعة دقيقة". (ص 84).
وانتقدت خان قوانين الاحتكار الأميركية، التي ركزت بشكل أساسي على إبقاء الأسعار منخفضة للمستهلكين، باعتبارها غير كافية لمعالجة الطبيعة الاحتكارية للشركات المعتمدة على المنصات مثل "أمازون". وكان عنوان مقال خان نفسه (مفارقة مكافحة الاحتكار في "أمازون") تذكرة بكتاب روبرت بورك الصادر عام 1978 بعنوان "مفارقة الاحتكار"، الذي وضع معيار رفاهية المستهلك والذي انتقدته خان.
وكان منظمو مكافحة الاحتكار في الماضي يعتمدون على نهج بورك القانوني، الذي يعتبر أن هيمنة السوق ليست إشكالية إلا إذا أضرت بالمستهلكين، وكان المعيار لتحديد هذا الضرر هو التلاعب بالأسعار. وبما أن خدمات "غوغل" و"فيسبوك" تُقدَّم مجانا، فأين يقع الضرر إذن؟
عندما تبرع مؤسس "لينكد إن"، بمبلغ 10 ملايين دولار لحملة هاريس، اشترط إقالة لينا خان من لجنة التجارة الفيدرالية. ولم يتأخر ماسك في التعبير عن استيائه منها أيضا، مغردا: "باتت إقالتها قريبة"
هنا، جاءت لينا خان لتطور قواعد مكافحة الاحتكار بما يتلاءم مع عصر التكنولوجيا، مما شكّل تهديدا لإنهاء احتكار شركات التكنولوجيا الكبرى. ورغم سلسلة الانتكاسات القانونية، بدا واضحا استعدادها لملاحقة أثرياء التكنولوجيا الذين استفادوا من عدم فرض رسوم على عملائهم.
وقد شكل تعيين خان في منصب رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية تحولا جذريا عن السياسة السابقة، التي كانت تسمح بتسلل الأشخاص ذوي الخبرة الطويلة في الدفاع عن شركات وادي السيليكون إلى مناصب تنظيمية حكومية. وقد وصفت إليزابيث وارن قيادة خان للجنة بأنها "فرصة عظيمة لإحداث تغيير بنيوي" في مكافحة الاحتكار، بينما أثنت السيناتور آمي كلوبوشار عليها بوصفها "رائدة في سياسة المنافسة" وبأنها "ستمنح لجنة التجارة الفيدرالية منظورا نقديا جديدا".
لم يمضِ وقت طويل حتى طالب "فيسبوك" و"أمازون" اللجنة باستبعاد خان من تحقيقات قضايا الاحتكار، بزعم أن انتقاداتها السابقة لهما تُظهر أنها قد لا تكون "مقيّمة محايدة ونزيهة" في هذه القضايا.
وفي يوليو/تموز من هذا العام، تعرضت خان لهجوم حاد من الجمهوريين في مجلس النواب بسبب تحقيق اللجنة، الذي اعتبروه "هوسا" بـ"تويتر" ومالكه. ووصف النائب جيم غوردان، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، قيادتها بأنها "كارثة"، وأشار إلى أن التحقيق في "تويتر" ذو دوافع سياسية، متسائلا: "لماذا تضايقون تويتر؟".
جاءت هذه الجلسة بعد ساعات من تقديم ماسك التماسا للمحكمة الفيدرالية لوقف تحقيق اللجنة في "تويتر" بشأن مزاعم تتعلق بخصوصية المستخدمين وإنهاء تسوية كانت قد أبرمتها شركة "إكس" (تويتر سابقا) مع الوكالة. وأكدت شركة "إكس" التابعة لماسك أن التحقيق "خرج عن السيطرة وأصبح منحازا".
وتعرضت خان لهجمات أخرى من الجمهوريين بسبب إخفاقات لجنة التجارة الفيدرالية الأخيرة في الطعن في عمليات الاندماج أمام المحاكم، مشيرين إلى أن هذه الإخفاقات قد تكون محاولة لدفع الكونغرس لتمرير قوانين جديدة لمكافحة الاحتكار. وتساءل النائب كيفن كيلي: "هل تخسرون عمدا؟ أنتم تخسرون لأنكم تفتقرون إلى الصلاحيات التي تسعون للحصول عليها من الكونغرس".
وفي أغسطس/آب، اختُتمت سلسلة من الانتكاسات بفوز درامي لوزارة العدل في قضية احتكار حاسمة، حيث أقرت المحكمة بأن "غوغل" كانت فعلا تحتكر السوق، متخذة خطوات غير تنافسية للمحافظة على هيمنتها التي تصل إلى 90 في المئة من سوق البحث. واقترحت وزارة العدل سلسلة من "التدابير التصحيحية" لمعالجة هذه الممارسات الضارة، تتراوح بين منع "غوغل" من إبرام بعض العقود، مثل الاتفاقية مع "آبل" التي تجعل محرك بحثها الافتراضي على أجهزتها، وحتى اللجوء إلى الخيار الأقصى المتمثل في تقسيم الشركة نفسها.
وبفضل معارضين شرسين مثل خان، بدا وكأن نهاية "آلة رأس المال التكنولوجي" التي تحدث عنها مارك أندريسن في بيانه المطول "بيان التفاؤل التكنولوجي" قد اقتربت، وأصبح التحول نحو اليمين أمرا لا مفر منه. فعندما تبرع ريد هوفمان، مؤسس "لينكد إن"، بمبلغ 10 ملايين دولار لحملة كامالا هاريس، اشترط إقالة خان من لجنة التجارة الفيدرالية. ولم يتأخر ماسك في التعبير عن استيائه منها أيضا، مغردا: "باتت إقالتها قريبة".
لم يكن هناك أحد من وجوه وادي السيليكون المتحفظة على استعداد للدفاع عن شولتز. ففي النهاية، كان ماسك هو من أوصى ترمب باختيار جي دي فانس ليكون نائبه
لكن هناك تفسيرا آخر لهذا التحول الجذري في موقف وادي السيليكون. ففي مارس/آذار، اقترح بايدن فرض ضريبة على الثروة لسد عجز البلاد، عن طريق تحصيل الأموال من أصحاب المليارات. وبموجب خطته، التي تعهد بتنفيذها إذا أُعيد انتخابه، ستُفرض ضريبة بنسبة 25 في المئة على الأميركيين الذين تتجاوز ثرواتهم 100 مليون دولار.
وكما كتب يفغيني موروزوف، كان أباطرة صناديق التحوط ورؤساء شركات الأسهم الخاصة يميلون على الدوام إلى المحافظة. ومع بروز احتمال تطبيق ضريبة بنسبة 25 في المئة، بدأ أصحاب رأس المال الاستثماري يتخذون المنحى ذاته. "لقد وُعدنا"، يكتب موروزوف "أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تُسقط الديكتاتوريات، وأن العملات الرقمية يمكن أن تعالج الفقر، وأن الذكاء الاصطناعي قد يُعالج السرطان. لكن الادعاءات التقدمية لأصحاب رأس المال الاستثماري كانت دائما سطحية، والآن، بعد أن تبنى بايدن موقفا أكثر صرامة تجاه وادي السيليكون، أصبح هؤلاء المستثمرون سعداء بدعم الجمهوريين المؤيدين لترمب" (الغارديان- 26 يونيو/حزيران 2024).
صحيح أن تصرفات إيلون ماسك قد تكون أحيانا مثيرة للحرج بشخصيته التي تزداد غرابة. لكن تغريداته العشوائية كانت كافية لتثير قلق ترمب نفسه. في لمحة حديثة تشبه رسومات الغرافيتي في اختصارها، وصف ماسك أولاف شولتز بأنه "أحمق"، إذ يتطلب الأمر جرأة من شخصية مثل التي لدى ماسك لكي يطلق أي كان هذا الوصف على المستشار الألماني.
ورغم ذلك، لم يكن هناك أحد من وجوه وادي السيليكون المتحفظة على استعداد للدفاع عن شولتز. ففي النهاية، كان ماسك هو من أوصى ترمب باختيار جي دي فانس ليكون نائبه. وعندما تأكد هذا الترشيح، بادر ماسك بالتصريح أن "هذا الترشيح يبشر بالنصر"، باعتباره صديقا لبيتر ثيل وكاتب مقدمة كتاب "فجر الضوء الأول"، يُعد فانس رجل وادي السيليكون.
لكن الأفضل من ذلك أنهم حصلوا على أحد رجالهم بجوار ترمب. فبينما اضطر الرجل العجوز إلى خوض معركة الانتخابات ليُسمع صوته، فإن خوارزمية" إكس" تضمن لماسك، المغرد الذي لا يُضاهى، أن يبقى صوته مسموعا دائما. إنه وريث روبرت مردوخ وسلسلة طويلة من أباطرة الإعلام، لكن الأثرياء في الماضي كانوا يتركون لصحفهم مهمة التحدث نيابة عنهم. اليوم، وبعد امتلاكه لمنصة تواصل عالمية تحظر التفكير النقدي، أصبح ماسك الأعلى صوتا والأكثر سطحية على الإطلاق. وكما كتبت كارول كادوالادر بنبرة تشاؤمية في "الغارديان":
"كيف يمكن 'تسليح' وسائل التواصل الاجتماعي عندما تكون هي السلاح أساسا؟ هل تتذكرون مقولة مارشال ماكلوهان (الوسيلة هي الرسالة)؟ حسنا، الوسيلة الآن هي ماسك. أغنى رجل في العالم اشترى منصة تواصل عالمية، وهو الآن رئيس دولة ظل لما كانت أعظم قوة عظمى في العالم. هذه هي الرسالة. هل وصلت؟". وإن لم تصل بعد، فلا بأس، سيكون هناك متسع من الوقت للتفكير مليا في معناها.