يبدو كما لو أن دهرا يفصلني عن الوقت الذي ظننت فيه أنني كنت على وشك النجاح في التوسط في عملية السلام بين إسرائيل وسوريا. ففي الأسبوع الأول من مارس/آذار 2011، توصلت إلى التزامات قوية من كلا الجانبين بدا أنها تمهد الطريق أمام معاهدة سوف تقطع العلاقات العسكرية السورية مع إيران و"حزب الله" و"حماس". وفي المقابل، تنسحب إسرائيل تدريجيا من كل الأراضي السورية التي توغلت فيها خلال حرب يونيو/حزيران 1967، وتُرفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا مع تنفيذ دمشق لالتزاماتها بموجب المعاهدة. إلا أن كل شيء تبخر في الأسابيع القليلة التالية، حيث قرر الرئيس السوري بشار الأسد انتهاج طريق القتل الجماعي بدل المضي قدما في عملية السلام.
وما يعيد إلى الأذهان هذا الفشل الدبلوماسي اليوم- على فرض أن هذا ما حدث بالفعل- هو الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل على الأراضي السورية بعد سقوط الأسد. فقد كان رحيل الأسد المفاجئ إلى موسكو في الساعات الأولى من صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 إشارة إلى رفع مستوى تحقيق أمن الدولة اليهودية بشكل مكثف، وفق الرؤية التي تصورها الإسرائيليون في عام 2011. فقد تلاشت كليا وبطريقة مدوية السيطرة الفعلية لإيران على سوريا، تلك السيطرة التي استخدمتها لعقود كي تحول البلاد إلى مجرد أداة للوصول إلى لبنان لبناء "حزب الله"، ورقة الضغط في الخطوط الأمامية الإيرانية وقوة الردع في مواجهة إسرائيل. وفي الواقع سعت طهران لسنوات إلى تحويل سوريا نفسها إلى جبهة ثانية ضد إسرائيل، جبهة قد تكمل مهمة "حزب الله" في لبنان.
وفي ديسمبر 2024، حققت إسرائيل بالقوة ما كانت تسعى لتحقيقه سابقا عبر الدبلوماسية بوساطة أميركية في عامي 2010 و2011: إنهاء التحالفات العسكرية السورية التي كانت تهدد أمن الدولة اليهودية. فقد أتاح سقوط الأسد وانهيار الهيمنة الإيرانية فرصة دبلوماسية جديدة لإسرائيل- لو أرادت– فرصة لتهنئة الشعب السوري علنا على تحرره ووضع أسس علاقة ثنائية قد تؤدي في النهاية إلى سلام رسمي. ومع ذلك، كما حدث في عام 2011 مع بشار الأسد، نُبذت هذه الفرصة لصالح العنف، فما السبب وراء ذلك؟
بررت إسرائيل رسميا حملتها الجوية ضد القواعد العسكرية السورية واحتلالها للأراضي السورية (في انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974) على أنها إجراءات استباقية، مشيرة إلى الطابع الإسلامي والخلفية الإرهابية لـ"هيئة تحرير الشام"، التي تهيمن على الحكومة الجديدة الناشئة في دمشق، كتهديد محتمل لإسرائيل. والواقع أن إسرائيل ليست وحدها من تشكك في نوايا "هيئة تحرير الشام"، التي كانت تابعة لتنظيم "القاعدة" في السابق، بشأن مستقبل سوريا. ومع ذلك، لا بد من طرح السؤال الآتي: هل من المنطقي أن تفترض إسرائيل الأسوأ بخصوص "هيئة تحرير الشام" وتتصرف وفقا لذلك؟ ومن ناحية أخرى هل يخدم الذهاب إلى حرب استباقية ضد سوريا ما بعد الأسد المصالح الإسرائيلية؟
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تكن إسرائيل مستعدة على الإطلاق عندما شنت منظمة إسلامية أخرى (حماس) هجوما عسكريا عليها، وهو الهجوم الذي تلطخ بجرائم لا توصف ضد الإنسانية. يمكن لإسرائيل عندما يحين الوقت المناسب أن تحدد رسميا سبب هذا الافتقار إلى الاستعداد وتُخضع للمساءلة المسؤولين عن ترك آلاف الإسرائيليين تحت رحمة القتلة. ومع ذلك، منذ ذلك اليوم المروع، أو بعده بفترة وجيزة، كان الكثير من الإسرائيليين قد أطلقوا حكمهم في تحديد الجاني الأساسي: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فهو، بعد كل شيء، في موقع المسؤولية. وكان لسنوات ينتهج سياسة تحويل الأموال القطرية إلى "حماس" اعتقادا منه أن القادة في غزة سوف يتخلون عن الإرهاب من أجل الثراء. وطيلة أشهر بعد الفظائع التي اقتُرفت في أكتوبر 2023، بدا نتنياهو في نظر الكثير من الإسرائيليين من الناحية السياسية كرجل ميت يسير على قدميه.