الشرق الأوسط مختبر وساحة للأسلحة الجديدة

فرصة لتحديث الترسانات العسكرية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
وحدة مدفعية متنقلة إسرائيلية تطلق قذيفة من موقع حدودي في جنوب إسرائيل باتجاه قطاع غزة في 8 مايو 2024

الشرق الأوسط مختبر وساحة للأسلحة الجديدة

جلبت الحروب في الشرق الأوسط دمارا هائلا للمنطقة على الصعيدين البشري والمادي، غير أنها ساعدت في أوقات مختلفة على زيادة القدرات العسكرية لبعض الأطراف المتحاربة. وقد استخدمت الحروب في سوريا ولبنان وغزة كميادين اختبار عسكرية لكل من روسيا، وإيران ووكلائها، وإسرائيل، ووفّرت هذه الحروب فرصًا لتحديث الترسانات العسكرية، وصقل الاستراتيجيات، وتقديم خبرات قتالية عملية للمقاتلين.

وباقتراب الحروب في سوريا ولبنان من نهايتها، خسرت روسيا وإيران ميادين قتال رئيسة استغلّتاها سابقا كـ"مختبرات عسكرية"، وذلك على حساب آلاف الأرواح ودمار أراض شاسعة وممتلكات. وفي المقابل، بينما خفضت إسرائيل نطاق ضرباتها العسكرية على لبنان بعد دخول وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما حيز التنفيذ مع "حزب الله"، فقد تضاعفت حروبها في غزة ولبنان كميدان عسكري تجريبي.

عمدت روسيا إلى استخدام سوريا كحقل تجارب لأسلحتها منذ بداية التدخل العسكري الروسي في البلاد عام 2015. وبعد عامين من تدخلها، استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النموذج السوري للترويج للأسلحة الروسية في سوق الأسلحة الدولية، قائلا في خطاب ألقاه: "إن قدرات الأسلحة الروسية وموثوقيتها وفعاليتها الاستثنائية تتجلى أيضا في مكافحة الإرهاب في سوريا... لأن استخدام أنظمة الطيران والدفاع الجوي في ظروف القتال الحقيقية يمنح خبرة لا تقدر بثمن للعاملين في مجال الطيران والهندسة، وحسابات الدفاع الجوي، وكذلك لمطوري المنتجات العسكرية المحلية".

وإضافة إلى كون سوريا ميدانا اختبرت فيه روسيا التكنولوجيا الجديدة، فقد استخدمتها موسكو لتحسين مهارات جنرالاتها وطياريها وقواتها الخاصة وحرسها الوطني. وبالفعل، انخرط طيارون من مختلف القواعد الجوية الروسية في مهام في الأجواء السورية لهذا الغرض. على سبيل المثال، مُنح الجنرال (اللواء) سيرغي سوروفيكين ترقية لرتبة جنرال الجيش الروسي (فريق) وحصل على جوائز عسكرية عديدة بعد قضاء فترة خدمته في سوريا في عام 2017. كما كانت سوريا وسيلة صقلت فيها روسيا تنسيقها العسكري الداخلي من خلال مركز القيادة العسكرية الوطنية الذي تأسس في عام 2014.

ومع انخفاض حدة القتال في الساحة السورية بعد عام 2020، استغلت روسيا الخبرات التي اكتسبتها في سوريا والأسلحة التي طورتها في غزوها لأوكرانيا عام 2022. كانت صواريخ كروز والصواريخ الباليستية والطائرات الحربية من نوع "Su-34" و"Su-35S" من بين الأسلحة التي استخدمتها روسيا في سوريا أولا قبل أن تستخدمها في هجماتها على أوكرانيا.

حمل غزو أوكرانيا مآلات متباينة لإيران. فقد كان الغزو فرصة لروسيا لتعزيز تبادل الدعم العسكري مع إيران. حيث زودت إيران روسيا بمئات المسيرات الهجومية إضافة إلى الصواريخ الباليستية قصيرة المدى لاستخدامها في أوكرانيا. وكانت إيران تأمل أن ترد روسيا على هذه الحركة بالمثل من خلال تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز "Su-35" وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي من طراز "S-400". بيد أن روسيا لم تسلم هذه الأسلحة إلى إيران حتى الآن.

إضافة إلى كون سوريا ميدانا اختبرت فيه روسيا التكنولوجيا الجديدة، فقد استخدمتها موسكو لتحسين مهارات جنرالاتها وطياريها وقواتها الخاصة وحرسها الوطني

وكما كان الحال مع الجيش الروسي، استغلت إيران مشاركتها في الصراع السوري لتحسين القدرة العسكرية لـ"الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله". واستولت إيران على مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري (CERS) لتصنيع الأسلحة لميليشياتها. وكان هذا المركز، الذي تأسس عام 1971، أحد أهم كيانات الإنتاج العسكري لنظام الأسد، مع منشآت خاصة به منتشرة في كافة أرجاء سوريا. بعد التدخل العسكري لإيران و"حزب الله" في سوريا، لعب المركز دورا رئيسا في إنتاج صواريخ أرض-أرض مثل "M-600"، وهو البديل السوري لصاروخ "فاتح-110" الإيراني، بالإضافة إلى إنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وكذلك الأمر بالنسبة لتصنيع الطائرات من دون طيار ومكونات الذخائر الموجهة بدقة التي يملكها "حزب الله". ومن المحتمل أن الأسلحة الكيماوية التي استخدمها نظام الأسد أثناء الصراع السوري في خان شيخون وأماكن أخرى قد صُنعت في مركز الدراسات والبحوث العلمية.

وبما أن تورط "حزب الله" في الصراع السوري جاء بعد خمس سنوات فقط من تكبده لخسائر عسكرية فادحة في حربه ضد إسرائيل عام 2006، فقد لعب مركز الدراسات والبحوث العلمية دورا في إعادة بناء ترسانة "حزب الله". وفي الوقت نفسه أصبحت الحرب السورية ساحة تدريب فعلية لمقاتلي "حزب الله" الجدد. يُذكر أنه منذ بدء تدخل "حزب الله" في سوريا، رفع "الحزب" عدد مقاتليه إلى نحو 100 ألف مقاتل.

ولكن على الرغم من هذه التطورات التكنولوجية والتحسينات في القدرات العسكرية، سواء من حيث الترسانة أم المهارات، لم تضمن النجاح في ساحة المعركة. وعلى الرغم من أن معظم مقاتلي "حزب الله" ما زالوا موجودين اليوم، فهزيمة "حزب الله" العسكرية على يد إسرائيل دمرت إلى حد كبير صواريخه طويلة ومتوسطة المدى، ما جعله في الغالب لا يمتلك سوى الصواريخ غير الموجهة.

كما أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لمدة 60 يوما بين إسرائيل و"حزب الله" يقيد قدرة الأخير على استخدام بقايا ترسانته في لبنان حيث يحظر الاتفاق بصريح العبارة نقل وإنتاج الأسلحة من قبل جهات فاعلة أخرى غير الدولة اللبنانية.

وكذلك فقد مُنع التعافي العسكري لـ"حزب الله" بسبب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الأمر الذي يقف حائلا أمام وصول "حزب الله" إلى مركز الدراسات والبحوث العلمية. لقد انتهى عصر اختراق الحدود اللبنانية السورية بسهولة. وبالتالي نقل المقاتلين والأسلحة والبضائع من قبل "حزب الله" بين البلدين، بما في ذلك الإمدادات من إيران، وهذه النهاية تجعل من المستحيل على "حزب الله" أن يسعى لاستعادة قدرته العسكرية كما فعل بعد حرب 2006.

وقد أظهرت حرب "حزب الله" ضد إسرائيل التفاوت الهائل بين القدرات العسكرية والتكنولوجية لكلا الجانبين. فقد اكتسبت إسرائيل براعتها العسكرية جزئيا من خلال خوضها معارك نشطة في كل من غزة ولبنان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت إسرائيل صفقة جديدة بقيمة 5.2 مليار دولار مع الولايات المتحدة لتزويدها بـ25 طائرة مقاتلة، لتصل على مدى خمس سنوات بدءا من عام 2031. وتأتي الصفقة، التي تتضمن توريد طائرات "F-15"، في أعقاب صفقة سابقة جرى توقيعها في يونيو/حزيران، وافقت الولايات المتحدة بموجبها على تزويد إسرائيل بسرب ثالث من طائرات "F-35".

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تبيع الأسلحة لحلفاء مختلفين حول العالم، فإن علاقة تجارة الأسلحة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فريدة من نوعها. ففي عام 2010، أصبحت إسرائيل أول دولة خارج برنامج المقاتلات الضاربة المشترك للولايات المتحدة (برنامج جوينت سترايك فايتر) الذي يضم تسع دول، تزودها الولايات المتحدة بطائرات "F-35" بموجب برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية للحكومة الأميركية. وفي عام 2018، أصبحت إسرائيل أول دولة تستخدم طائرات "F-35" في القتال، باستخدام طائرة معدلة خصيصا تدعى "F-35Iأدير" لاستهداف المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا. وقد استخدمت إسرائيل طائرات "F-35" في حربها الدائرة مع "حماس".

رغم أن الولايات المتحدة تبيع الأسلحة لحلفاء مختلفين حول العالم، فإن علاقة تجارة الأسلحة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فريدة من نوعها

ثمة جانب آخر فريد للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مجال الأسلحة، وهو أن إسرائيل ساعدت الولايات المتحدة في تطوير طائراتها. حيث كان توريد الولايات المتحدة لطائرة اختبار من طراز "F-35" إلى إسرائيل في عام 2020 هو المرة الأولى التي تسلم فيها الولايات المتحدة مثل هذه الطائرة المصممة لاختبار معدات الطائرات للتعديل المحتمل إلى وحدة جوية خارج الولايات المتحدة.

رويترز
قافلة عسكرية روسية متجهة إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية على الساحل السوري، 14 ديسمبر 2024

وقد أجريت التعديلات على طائرات "F-35" التي تستخدمها إسرائيل وفقا للمتطلبات الإسرائيلية بناء على تقييمات إسرائيل لاحتياجاتها في مواجهة قدرات إيران و"حماس" و"حزب الله" وعلى خبرتها القتالية السابقة في الحروب التي خاضتها ضد "حماس" و"حزب الله". والجدير ذكره أن طائرات "F-35" المعدلة تستخدم من قبل القوات الجوية الإسرائيلية، وليس القوات الجوية الأميركية.

وغني عن القول إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تسمح لها الولايات المتحدة بطلب تعديل الطائرات المقاتلة الأميركية التي تزودها بها. وجاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية حول صفقة طائرات "F-15" التي أبرمت في نوفمبر أن "طائرات (F15-IA) الجديدة سوف تكون مجهزة بأنظمة أسلحة متطورة، بما في ذلك دمج أحدث التقنيات الإسرائيلية معها". وكما حدث في الحروب السابقة، لعبت الحرب بين إسرائيل و"حماس" و"حزب الله" دورا في تحديد تعديلات الطائرات الجديدة التي ستسلمها الولايات المتحدة لإسرائيل.

font change

مقالات ذات صلة