جلبت الحروب في الشرق الأوسط دمارا هائلا للمنطقة على الصعيدين البشري والمادي، غير أنها ساعدت في أوقات مختلفة على زيادة القدرات العسكرية لبعض الأطراف المتحاربة. وقد استخدمت الحروب في سوريا ولبنان وغزة كميادين اختبار عسكرية لكل من روسيا، وإيران ووكلائها، وإسرائيل، ووفّرت هذه الحروب فرصًا لتحديث الترسانات العسكرية، وصقل الاستراتيجيات، وتقديم خبرات قتالية عملية للمقاتلين.
وباقتراب الحروب في سوريا ولبنان من نهايتها، خسرت روسيا وإيران ميادين قتال رئيسة استغلّتاها سابقا كـ"مختبرات عسكرية"، وذلك على حساب آلاف الأرواح ودمار أراض شاسعة وممتلكات. وفي المقابل، بينما خفضت إسرائيل نطاق ضرباتها العسكرية على لبنان بعد دخول وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما حيز التنفيذ مع "حزب الله"، فقد تضاعفت حروبها في غزة ولبنان كميدان عسكري تجريبي.
عمدت روسيا إلى استخدام سوريا كحقل تجارب لأسلحتها منذ بداية التدخل العسكري الروسي في البلاد عام 2015. وبعد عامين من تدخلها، استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النموذج السوري للترويج للأسلحة الروسية في سوق الأسلحة الدولية، قائلا في خطاب ألقاه: "إن قدرات الأسلحة الروسية وموثوقيتها وفعاليتها الاستثنائية تتجلى أيضا في مكافحة الإرهاب في سوريا... لأن استخدام أنظمة الطيران والدفاع الجوي في ظروف القتال الحقيقية يمنح خبرة لا تقدر بثمن للعاملين في مجال الطيران والهندسة، وحسابات الدفاع الجوي، وكذلك لمطوري المنتجات العسكرية المحلية".
وإضافة إلى كون سوريا ميدانا اختبرت فيه روسيا التكنولوجيا الجديدة، فقد استخدمتها موسكو لتحسين مهارات جنرالاتها وطياريها وقواتها الخاصة وحرسها الوطني. وبالفعل، انخرط طيارون من مختلف القواعد الجوية الروسية في مهام في الأجواء السورية لهذا الغرض. على سبيل المثال، مُنح الجنرال (اللواء) سيرغي سوروفيكين ترقية لرتبة جنرال الجيش الروسي (فريق) وحصل على جوائز عسكرية عديدة بعد قضاء فترة خدمته في سوريا في عام 2017. كما كانت سوريا وسيلة صقلت فيها روسيا تنسيقها العسكري الداخلي من خلال مركز القيادة العسكرية الوطنية الذي تأسس في عام 2014.
ومع انخفاض حدة القتال في الساحة السورية بعد عام 2020، استغلت روسيا الخبرات التي اكتسبتها في سوريا والأسلحة التي طورتها في غزوها لأوكرانيا عام 2022. كانت صواريخ كروز والصواريخ الباليستية والطائرات الحربية من نوع "Su-34" و"Su-35S" من بين الأسلحة التي استخدمتها روسيا في سوريا أولا قبل أن تستخدمها في هجماتها على أوكرانيا.
حمل غزو أوكرانيا مآلات متباينة لإيران. فقد كان الغزو فرصة لروسيا لتعزيز تبادل الدعم العسكري مع إيران. حيث زودت إيران روسيا بمئات المسيرات الهجومية إضافة إلى الصواريخ الباليستية قصيرة المدى لاستخدامها في أوكرانيا. وكانت إيران تأمل أن ترد روسيا على هذه الحركة بالمثل من خلال تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز "Su-35" وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي من طراز "S-400". بيد أن روسيا لم تسلم هذه الأسلحة إلى إيران حتى الآن.