زيارة وليد جنبلاط المحملة بالرموز إلى دمشق، بعد نحو اسبوعين من سقوط نظام الأسد، تستحق أن توضع في إطار العلاقات الطويلة، ليس بين الموحدين الدروز وعاصمة "بلاد الشام" فحسب، بل أيضا في سياق تصور الدروز في لبنان وسوريا وفلسطين لدورهم في المنطقة وما يجب أن يكون عليه مستقبلهم، وكيفية تصحيح خلل فرضه النظام السوري السابق على العلاقة.
الأقليات أكثر حساسية من غيرها في تلمس مواطن الخطر ومصادر التغيير. كرّس وليد جنبلاط هذه المقولة وحولها إلى ما يشبه البداهة، حيث جلبت له التغيرات المفاجئة في مواقفه انتقادات الحلفاء قبل الخصوم. فليست قليلة لائحة المواقف التي انتقل فيها من ضفة الى ضفة وأن ظل منتظرا مرور جثث اعدائه في النهر. ويشكل الماضي بالنسبة للدروز ولوليد جنبلاط درسا مريرا من النكسات القابلة للتكرار في حال الغفلة. وإعدام الزعامات الدرزية في أعقاب حرب 1860 الأهلية في الجبل، على الرغم من انتصار الدروز الميداني فيها، جاء نتيجة عدم إدراك آل جنبلاط والدروز عموما أن الأتراك لا يستطيعون الوقوف في وجه المد الغربي الذي تتقدمه الحملة الفرنسية الرامية إلى إقامة حكم المتصرفية في جبل لبنان.
أما اغتيال أجهزة الاستخبارات السورية لكمال جنبلاط في مارس/آذار 1977، فكان لإفهام الدروز أنهم أضعف من أن يقودوا المسلمين في لبنان، حتى لو تحالف كمال جنبلاط مع ياسر عرفات زعيم "منظمة التحرير الفلسطينية" وحتى لو كان جنبلاط قائدا لليسار اللبناني وحركته الوطنية. في الصيغة المعدلة من الحديث الطويل الذي اجراه كمال جنبلاط قبل اغتياله بشهور وصدر بعنوان "من اجل لبنان" (صدرت صيغة مخففة بعنوان "هذه وصيتي" بعد مصرع جنبلاط)، لا يخفي تقييمه شديد السلبية لآل الأسد وحكمهم. وكان واضحا ان الرجل يعرف ان حافظ الاسد واخيه رفعت لن يبقيا عليه حيا، بعدما رفض اي دور سياسي لهما في لبنان اثناء زيارته الاخيرة الى دمشق في ابريل/ نيسان 1976.