الكاتب الروسي ميخائيل شيشكين لـ"المجلة": فشلنا ونجحت دعاية بوتينhttps://www.majalla.com/node/323575/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%AE%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%81%D8%B4%D9%84%D9%86%D8%A7-%D9%88%D9%86%D8%AC%D8%AD%D8%AA-%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86
ميخائيل شيشكين اسم بارز في الأدب الروسي المعاصر. ولد في 18 يناير/ كانون الثاني 1961 في موسكو، وعمل مدرسا وصحافيا. انتقل عام 1995 إلى سويسرا، حيث عمل مترجما للغة الروسية والألمانية في إدارة الهجرة وبشكل خاص مع طالبي اللجوء. وهو الكاتب الوحيد الذي حصل على جميع الجوائز الأدبية الأكثر أهمية وشهرة في روسيا. تُرجمت أعماله إلى 35 لغة، من بينها "كتاب الرسائل" و"رسالة فينوس" الصادران باللغة العربية. يعدّ شيشكين واحدا من أشدّ المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أسسس هذا العام جائزة "دار" الأدبية المستقلة التي تهدف إلى الحفاظ على حرية الأدب باللغة الروسية. هذا حوار معه.
ككاتب روسي ما شعورك تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وكيف أثر ذلك في كتابتك الإبداعية؟
يؤلمني أن أكون روسيا، ويؤلمني أن أكون كاتبا، وأشعر بالخزي تجاه شعبي وبلدي لأن بلدي معتدٍ، وشعبي يدعم هذه الحرب البغيضة ضد أوكرانيا. لا أستطيع أن أكتب سردا ابداعيا الآن، لأنني لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن للمرء أن يشاهد الأخبار مع لقطات مروعة لطفل قُتل بصاروخ روسي يُنتشل من تحت الأنقاض، ثم يجلس لكتابة رواية عن الحب ويفكر في جمال السرد.
حدثنا عن كتابك غير الروائي الأخير "روسيا السلام أو الحرب"، وما الذي دفعك إلى كتابته؟
نُشر هذا الكتاب عام 2019 وهو موجّه الى القراء الغربيين لأشرح لهم ما يحدث في روسيا، وذلك من خلال التاريخ الروسي وتاريخ عائلتي. وفي هذا الكتاب كتبت عن رؤيتي المستقبلية. لسوء الحظ، كل شيء يسير وفقا للسيناريو الذي تخيلته. الآن تُرجمت "نبوءتي" إلى العديد من اللغات، ليصبح الكتاب أكثر أهمية كل يوم، لكن هذا لا يجعلني سعيدا.
الثقافة والحرب
للأدب الروسي أسلوب فريد في تناول الموضوعات الشائكة. كيف ترى دور الأدب في روسيا اليوم، وخاصة في سياق النظام الحالي؟
في روسيا تعلمت الأجيال أن ما هو مهم ليس الكلمات بل ما وراء الكلمات. لا تعيش بلادي وفقا لقوانين مكتوبة بل وفقا لقوانين شفاهية. وبالفعل، الأدب الروسي فريد وغني في طرح الموضوعات على الرغم من خطر ذلك. وهو ما يجعل الكتاب يلجؤون إلى التلميحات والتعابير المخففة، ومع ذلك يفهمها القراء تماما.
أشعر بالخزي تجاه شعبي وبلدي لأن بلدي معتدٍ وشعبي يدعم هذه الحرب البغيضة ضد أوكرانيا
عارضت النظام السوفياتي في مراهقتك. كيف ترى دور الكتابة والأدب في النضال ضد ما تعتبره قمعا في روسيا اليوم؟
عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري، قرأت ونشرت بين أصدقائي كتبا محظورة، وكانت هذه طريقتي في معارضة النظام السوفياتي. كانت الكتب سلاحي، أدخل الناس إلى السجن بسبب الكتب. الآن تغيرت الحياة، والنظام لم يعد يخاف من الكتب، بقدر ما يخشى من الإنترنت. لهذا السبب يساق الناس إلى السجن بسبب مدوناتهم المناهضة للحرب. بفضل تقنيات VPN، يمكن للناس في روسيا قراءة جميع كتبي ومقالاتي مجانا. على أي حال، عندما تبدأ الحرب يكون الأدب دائما خاسرا. لم يتمكن الأدب الألماني العظيم من إيقاف معسكر اعتقال أوشفيتز، ولم يتمكن الأدب الروسي العظيم من إيقاف معسكر اعتقال غولاغ. لم تتمكن كتبي والكتب التي كتبها زملائي في السنوات الثلاثين الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من إيقاف هذه الكارثة. لقد فشلنا ونجحت دعاية بوتين.
تعتقد أن الأدب والثقافة ضروريان للتعافي وإعادة بناء الروابط الإنسانية بعد الحرب بين الشعبين الأوكراني والروسي...
في الحرب، نحتاج إلى المدافع والأسلحة أكثر من الأدب. ولكن بعد الحرب سنحتاج إلى الأدب مرة أخرى. ليس لدينا سوى علاج واحد لمواجهة الكراهية والألم، وهو الثقافة. وبعد الحرب سنحتاج إلى الثقافة لإقامة الروابط الإنسانية بين الشعبين الأوكراني والروسي. فالثقافة والأدب والموسيقى، هي السبيل الوحيد لإضفاء الطابع الإنساني علينا جميعا. ولن يكون هناك أي سبيل آخر للتغلب على الكراهية إلا من خلال الثقافة. الثقافة والفن هما الطريقة المثالية للبقاء بشرا.
الكتّاب مستهدفون
من وجهة نظرك لماذا يستهدف النظام المثقفين والكتّاب؟
تتعرض الشخصيات الثقافية الروسية الأشهر للهجوم، مع أنه ينبغي حمايتها، فهم لا ينبغي أن يكونوا أعداء خطيرين للنظام . بوريس أكونين ولودميلا إن أوليتزكايا، هما بين الأكثر شعبية في روسيا، ويؤلمني أن أرى كيف أن البلد الذي ينبغي أن يكون فخورا بمثل هؤلاء الكتّاب يضطهدهم. لذا اضطر كلاهما إلى الهجرة. كان في وسع السلطات الروسية أن تتجاهل أمرهما، لكنها ضمّتهما إلى قائمة الإرهابيين. وفي طبيعة الحال، يصبح السؤال الأهم: لماذا يعلن نظام بوتين الكاتب الأكثر شعبية في البلاد عدوا له؟ خاصة أن تهمة الإرهاب سخيفة جدا والجميع يدرك ذلك.
الآن تغيرت الحياة، والنظام لم يعد يخاف من الكتب، بقدر ما يخشى من الإنترنت. لهذا السبب يساق الناس إلى السجن بسبب مدوناتهم المناهضة للحرب
على الرغم من التحديات الإنسانية، فإنك متفائل في شأن القضايا الإنسانية والتقدم. ما الذي يحرك هذا التفاؤل؟
أنا متفائل لأن التطور البشري يسير وفقا لقاعدة الزيادة المضطردة في عدد البشر. إنها قاعدة من قواعد الطبيعة، مثل كل نهر يصب في نهاية المطاف في المحيط. ففي سويسرا منذ زمن بعيد كان الناس يسحقون جماجم الأطفال الرضع الضعفاء، وكان يترك كبار السن ليموتوا جوعا عندما لم يعد في وسعهم إطعام أنفسهم. كانت هذه هي القاعدة، ولكن القواعد تتغير دائما.
قيم إنسانية
ذكرت أهمية الحفاظ على الثقافة باللغة الروسية في المنفى. كيف ترى دور الكتّاب والناشرين والمترجمين في دعم الأدب المستقل الناطق باللغة الروسية خلال هذه الأوقات الصعبة؟
تقع على عاتقنا مسؤولية الحفاظ على الثقافة باللغة الروسية في المنفى. وبصرف النظر عن هدفها الأساس المتمثل في تدمير دولة مجاورة، فإن الحرب الشاملة التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا موجهة أيضا ضد القيم الإنسانية للثقافة العالمية ــ القيم التي تربطنا معا. كونها جزءا لا يتجزأ من تراث العالم. لذلك يتعين على الكتّاب والناشرين والنقاد الأدبيين والمترجمين أن يتصرفوا على وجه السرعة لدعم الأدب المستقل باللغة الروسية. وإنشاء جائزة مستقلة هو إحدى هذه المبادرات الثقافية. وهذا ما قمت به هذا العام عندما أسست جائزة مستقلة جديدة، "دار"، للكتاب الذين يكتبون باللغة الروسية.
بعد الحرب سنحتاج إلى الثقافة لإقامة الروابط الإنسانية بين الشعبين الأوكراني والروسي. فالثقافة والأدب والموسيقى، هي السبيل الوحيد لإضفاء الطابع الإنساني علينا جميعا
هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن هذه الجائزة وأهدافها؟
هذه الجائزة ليست جائزة روسية ولا جائزة للأدب الروسي. بل جائزة لإعادة التفكير في التجربة الأدبية باللغة الروسية برمتها، وجائزة لاكتشاف مناهج جديدة للأدب والحياة الأدبية تتجاوز حدود الدولة القديمة، وجائزة لكل من يكتب ويقرأ باللغة الروسية، بغض النظر عن جواز السفر وبلد الإقامة. لأن اللغة الروسية تنتمي إلى الثقافة العالمية. كلمة "دار" في اللغة الروسية، تعني "الهدية"، وهي كذلك عنوان رواية كتبها فلاديمير نابوكوف باللغة الروسية.
هذه الجائزة ليست مخصصة للكتّاب الروس. ومن المهم للغاية أن تكون مخصصة للكتّاب من جميع أنحاء العالم، الذين يكتبون باللغة الروسية، بمن في ذلك أولئك من بيلاروسيا وليتوانيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا وغيرها. على سبيل المثل، لدينا كمؤسسين وأعضاء في لجنة تحكيم "دار"، الحائزة جائزة نوبل سفيتلانا أليكسيفيتش من بيلاروسيا، وتوماس فينكلوفا من ليتوانيا، وأرمين زاتشاريان من أرمينيا، وميخائيل جيجولاشفيلي من جورجيا. وأنا سعيد للغاية لأن بعض الكتّاب الأوكرانيين وافقوا على المشاركة في الجائزة. على سبيل المثل، سيشارك سيرجي سولوفيوف في المسابقة بكتابه الرائع "ابتسامة شاكتي"، وهي خطوة جديدة. فاللغة الروسية لا تنتمي إلى النظام في روسيا بل إلى الأدب العالمي.