يبدو أن فترة المستشار الألماني أولاف شولتز في منصبه، قد شارفت على النهاية بعد خسارته تصويتا تاريخيا على الثقة في البرلمان الألماني، مما يمهد الطريق لإجراء انتخابات وطنية مبكرة، عقب انهيار حكومته الائتلافية.
وفي خطوة غير معتادة، بادر شولتز بنفسه إلى الدعوة لهذا التصويت بهدف خسارته، ساعيا لدفع البرلمان (البوندستاغ) لإعلان فقدان الثقة به، كخطوة رسمية أولى، نحو الدعوة لانتخابات جديدة، معتقدا أن هذه الخطوة قد تكون فرصته الأفضل لإحياء فرص حزبه السياسية.
ومع الركود الاقتصادي الذي تشهده ألمانيا، والأزمات العالمية التي تواجه الغرب، رأى شولتز أن الانتظار حتى موعد الانتخابات المقرر في سبتمبر/أيلول 2025 قد يفسر من قبل الناخبين كتصرف غير مسؤول. ومع تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتزعمه، وهو الحزب الأكبر ضمن الائتلاف الحكومي، يشكك كثير من الألمان في قدرة شولتز على تحقيق النتيجة التي تمكنه من البقاء في منصب المستشار.
وقد ظهر أول المؤشرات على انهيار حكومة شولتز في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما انهارت إثر خلاف حاد حول الميزانية، إلا أن المشاكل داخل ائتلافه كانت واضحة منذ عدة أشهر. إذ اضطر شولتز إلى الاعتماد على دعم المحافظين المعارضين، لتمرير أية تشريعات جديدة، مما جعل حكومته عمليا عاجزة عن العمل. وتحولت حكومته إلى حكومة أقلية، بعد انهيار ائتلافه الثلاثي، الذي اشتهر بخلافاته وضعف شعبيته، وجاء ذلك في أعقاب إقالته لوزير المالية، بسبب خلاف حول سبل إنعاش الاقتصاد الألماني المتعثر.
وأجبرت خسارة التصويت في "البوندستاغ" شولتز على أن يطلب من الرئيس فرانك والتر شتاينماير حل البرلمان، والدعوة رسميا لإجراء انتخابات جديدة في غضون 60 يوما، والتي جرى تحديد موعدها المبدئي في 23 فبراير/شباط.
ومع انطلاق الحملة الانتخابية، خاطب شولتز النواب خلال مناظرة استمرت ثلاث ساعات، قائلا: "هذه الانتخابات ستحدد، ما إذا كانت ألمانيا كدولة قوية تمتلك الجرأة للاستثمار في مستقبلها". وأضاف متسائلا: "هل نثق بأنفسنا وبقدرات بلدنا، أم نخاطر بمستقبلنا؟ هل نغامر بتماسكنا وازدهارنا من خلال تأجيل الاستثمارات الضرورية التي طال انتظارها؟".
وحتى في هذه المرحلة المبكرة من الحملة الانتخابية، يعاني حزب أولاف شولتز الاشتراكي الديمقراطي(SPD) من تراجع كبير في استطلاعات الرأي، بينما يبدو أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي(CDU)بقيادة فريدريش ميرتس في طريقه للعودة إلى السلطة. وقد وصفت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية قرار شولتز بالدعوة إلى تصويت كان يدرك مسبقا احتمالية خسارته، بهدف إنهاء حكومته، بأنه "خطوة انتحارية أشبه بتكتيكات كاميكازي".
ومع ذلك، يُعتبر هذا الإجراء عمليا، الوسيلة الوحيدة المتاحة التي يمكن من خلالها للحكومة حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات مبكرة في ألمانيا. وقد صُمم هذا النهج من قِبل مؤسسي ألمانيا الحديثة عقب الحرب العالمية الثانية، لتجنب حالة عدم الاستقرار السياسي، التي عانت منها البلاد خلال حقبة جمهورية "فايمار" وبالتالي، فإن تصويت الثقة هذا لا يُعد بحد ذاته أزمة سياسية، بل هو آلية دستورية معتادة استخدمها المستشارون الألمان خمس مرات في السابق، للتغلب على الجمود السياسي، بما في ذلك مرتين من قِبل غيرهارد شرودر.
ظاهريا، كان الخلاف حول التمويل، هو السبب في انهيار الائتلاف. فقد سعى حزب شولتز، بالتعاون مع حلفائه في حزب "الخضر"، إلى تخفيف القواعد الصارمة المتعلقة بالديون في ألمانيا، بهدف تمويل دعم أوكرانيا وتنفيذ مشاريع حيوية للبنية التحتية، إلا أن هذه الخطط قوبلت برفض قاطع من وزير المالية كريستيان ليندنر، زعيم "الحزب الديمقراطي الحر" المؤيد لسياسات الأعمال، الذي فضل الالتزام بتقليل الديون، وقد أدت إقالة ليندنر في النهاية إلى انهيار الائتلاف، بعد سنوات من المشاحنات العقيمة.