"قرطاج السينمائي" يحوّل تونس إلى منصّة تفاعلية مع العالمhttps://www.majalla.com/node/323558/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%82%D8%B1%D8%B7%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D9%88%D9%91%D9%84-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%91%D8%A9-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
تونس: تشير البيانات الصادرة عن أقدم مهرجان سينمائي في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، وهو "أيام قرطاج السينمائية" في تونس، إلى أن عدد الأفلام التونسية التي سجلت في دورة هذا العام، التي انعقدت بين 14 ديسمبر/ كانون الأول و21 منه، وصل إلى 99 فيلما.
يطرح الرقم، على الفور، مفارقة التفكير في الفيلم التونسي رقم 100 وهو العمل الذي لم يتح له الحظ في التسجيل، لكن ربما يكون هذا الفيلم "المفقود" هو، مجازا، المهرجان نفسه، الذي لم تخل أحداث فعاليات دورته الـ 35 مما يقدم عادة في أعمال السينما: أكشن، دراما، خيال علمي، إثارة... وعواطف أخرى.
يصعب فصل العاطفة عن مهرجان تونس السينمائي، اذ هو منذ تأسيسه في العام 1966 بجهود السينمائي التونسي الطاهر بن شريعة ورفاقه، تولّد عن عاطفة انفعالية في مواجهة سرديات وقصص استعمارية هيمنت لعقود على المشهد الأفريقي والشمال أفريقي.
ترافق إطلاق المهرجان، آنذاك، مع مشاعر وطنية وقومية انتشرت في تلك الفترة التي شهدت استقلال عدد من الدول الأفريقية والعربية عن نير الاستعمار الغربي، وطالب بها الجمهور صنّاع السياسات الثقافية، "فولد المهرجان الملتزم ولا يزال مستمرا وسط تبدل المفاهيم وتغول مفاهيم الرأسمالية في صناعة السينما وعالم المهرجانات"، على ما يصرّح محمد طارق بن شعبان، المستشار الفني للمهرجان في حديثه إلى "المجلة".
بدا صوت المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد جريحا وهو يلقي كلمة عبر فيها عما وصفه بزمن القسوة التي وصلت حد "الفجور"
المفاجأة
خلال المؤتمر الصحافي الذي جرى بداية ديسمبر/كانون الأول لإعلان إطلاق المهرجان، والاحتفاء بـ217 فيلما مجدولا على مدى 7 أيام في 20 صالة عرض في المدينة، وكذلك الكشف عن "برومو" الدورة الأخيرة الذي اعتمد على توليف مشاهد من تلك الأفلام ركبت على صوت الشاعر الفلسطيني محمود درويش منشدا قصيدته "فكر بغيرك"، اقتحمت مجموعة من النساء الصالة، وحملن لافتات طالبت الحضور بالتفكير بـ"ضحايا وقعن في فخ التحرش من قبل مخرج أفلام تونسي"، صدف أنه هو نفسه من يترأس شرفيا الدورة الحالية للمهرجان.
خلفت الواقعة مشاعر متضاربة لدى بعض الصحافيين بين التعاطف والانزعاج، باعتبار أن المكان الصحيح لاعتراض كهذا يكون في شارع الحبيب بو رقيبة المعتاد على التظاهرات أو داخل أروقة المحكمة، كما يرى البعض. لكن المؤتمر استمر، وعبّر المسوؤل الذي تعرض للهجوم، عن عدم رغبته في الرد على أمر "لا أساس له من الصحة"، ليتكرر المشهد في الأيام التالية، خلال حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان، وفي حضور مسؤولين حكوميين وإعلاميين من العالم والمكرمين وضيوف المهرجان. وتأرجحت التعليقات في مقاعد الصالة الكبرى في "الأوبرا"، بين المعجبة أو المنزعجة، لكنها أجمعت على "حرية التعبير"، إذ أن "هذا المشهد قد لا يسمح به في كثير من المهرجانات الأخرى في المنطقة. يحدث في تونس فقط".
الحزن
قبل ساعات من انطلاق المهرجان، خطف الموت "حبيب قلوب" الجمهور التونسي، صاحب الباع الطويل في السينما والدراما، الممثل فتحي الهداوي.
في رسالة وجهت الى رئيس المهرجان، وحملت أسماء سينمائيين ومشتغلين في الصناعة، طالب الموقعون رئيس المهرجان المخرج فريد بو غدير بضرورة إلغاء المظاهر الاحتفالية احتراما للفقيد، فرد بو غدير بأن "الفقيد كان يدافع بشكل كبير عن المظاهر الحيوية في الاحتفال بالمهرجان".
على إثر ذلك، وبفعل الحداد، تغيّب عدد كبير من فناني البلاد عن الانخراط في فعاليات المهرجان، وظهرت أخريات باللباس الأسود من دون ماكياج على السجادة الحمراء، بينما امتنعت الممثلة القديرة منى نور الدين عن تلبية نداء مقدمة الحفل الممثلة سهير بن عمارة، للظهور على الخشبة وتسليم أحد نياشين التكريم رغم وجةدها بين الجمهور، الأمر الذي تسبب بحالة إرباك للمقدمة والجمهور، سرعان ما تمّ تداركها.
في ظل هذه الأجواء، أعلن المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد الافتتاح الرسمي للدورة. وهو المخرج الذي يكرمه المهرجان بعرض استعادي لأفلامه، كما بترؤس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة. بدا صوت أبو أسعد، صاحب "عمر" و"الجنة الآن" و"صالون هدى" و"الجبل الذي بيننا" جريحا وهو يلقي كلمة عبر فيها عما وصفه بزمن القسوة التي وصلت حد "الفجور"، وأمله بـ"تونس التي لا تزال تستقطب مواهب تشي بالأمل".
لم ينته شريط الأحزان في تلك الليلة، إذ سرعان ما ظهرت صور راحل تونسي آخر على الشاشة هو خميس الخياطي، أحد أعرق المشتغلين في النقد والإعلام السينمائي، وعرضت له كلمة أرشيفية لخص فيها ميزة المهرجان بـ"جمهور حاشد في صفوف طويلة ينتظر تحت مظلات تقيه من مطر ديسمبر الوصول إلى شباك التذاكر لحجز أفلامه".
بعد الخياطي ظهرت صور الراحل حديثا، أيضا، قيس الزبيدي، المخرج العراقي، الذي وظف منذ عقود طويلة جهوده في السينما التسجيلية لخدمة أفكاره، وقد افتتح المهرجان دورته بعرض فيلم مرمم له هو "واهب الحرية" عن جولات المقاومة الوطنية اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي، جنبا الى جنب فيلم فلسطيني قصير هو "ما بعد" لمها الحاج، يروي قصة زوجين يعيشان حالة انفصال ذهني عن واقع قتل أبنائهما الخمسة، فيعتزلان في مزرعة وسط أشجار الزيتون، ويتلبسان سيناريوا متخيلا عن الأبناء الموتى الذين يكبرون وينجبون الأولاد ويذهبون في إجازات ويتصلون بهما عبر الهاتف.
لم تفارق الأجواء السوداوية جزءا كبيرا من الأفلام الروائية والوثائقية التي تنافست في المسابقة الرسمية وبلغ عددها 56 فيلما، بينما خصصت للأفلام التونسية مسابقة مستقلة باسم "المسابقة الوطنية" تعرض فيها 12 فيلما. في فيلم "ماء العين" للمخرجة مريم جعبر، يسيطر الأسى وفقدان الأمل على حياة أم فلاحة يعود ابنها الى تونس بعد سنوات من الحرب في صفوف "داعش" في سوريا. وفي خين تفقد ابنها الآخر، لا تنجح في علاج وليدها من صدمة العنف والتشوهات النفسية التي اختبرها خلال تجربته، والتي تودي به إلى الانتحار بعد سلسلة من التصرفات العنيفة يقوم بها، صحبة زوجة منقبة جاءت معه؛ تصرفات لا تخلو من جرائم قتل يرتكبانها في القرية. يظهر الفيلم مأساة تحول الضحايا الى مجرمين بفعل نهج غسل الأدمغة وتشويه الروح.
لا يشذ فيلم الأسعد الدخيلي "ذا ذون"، المصور على طريقة أفلام العصابات، في ولاية جندوبا في الشمال الغربي لتونس، عن الأجواء السوداوية، اذ نتابع صراعا بين شرطي مقهور ورجل تهريب يسعى الى التحرر، ينتهي بقتلهما معا على يد مافيا تهيمن على المدينة.
ويصبح العنف أكثر داخليا، مع فيلم تونسي ثالث، يحمل عنوان stone (حجر)، لصاحب "سفاح نابل"، كريم بالرحومة، اذ نتابع قصة امرأة شلها الخوف، وأثقل ماضيها، وعلاقتها المضطربة بأهلها، ودفع بها الى دوامات الكآبة والعزلة في شقتها، لتشهد نهايتها المأسوية، رغم بزوغ وميض أمل في الختام.
لم تفارق الأجواء السوداوية جزءا كبيرا من الأفلام الروائية والوثائقية التي تنافست في المسابقة الرسمية وبلغ عددها 56 فيلما
التحدي
وعلى الرغم من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية المتشعبة، التي شهدتها تونس، خلال السنوات الماضية، لم تذو شعلة التحدي لدى القيمين على المهرجان، باستدراج التونسيين وزوار البلد الى مشاهدة الأفلام في عروض مجانية مفتوحة في الشوارع والفضاءات العامة.
تعتبر الصحافية والناقدة السينمائية شيراز بن مراد في حديث الى "المجلة" أن "سينما الشارع لطالما كانت الميزة التفاضلية الكبرى لأيام قرطاج السينمائية... ونحن مصرون على الاحتفاظ بها".
تتبدى العزيمة بتوسع برنامج تلك العروض هذه الدورة، لتصل الى الثكن والسجون في تونس، حيث عُرضت فيها عشرات الأفلام، من بينها أفلام تظاهرة "فلسطين في قلب أيام قرطاج السينمائية" وقسم "السينما الأردنية تحت المجهر". وضمن هذه التظاهرة المحتفية بصناعة عمّان، عرض المهرجان 12 فيلما طويلا وقصيرا، من بينها فيلم "فرحة" لدارين سلام، الذي يحيي مشاعر حزينة من أحداث تهجير الفلسطينيين من ارضهم سنة 1948.
تقول ديما عازار، منتجة الفيلم، لـ"المجلة": "حضرت عرض الفيلم مع السجناء، وقد تأثرت لتفاعلهم أثناء المشاهدة، لكنني ذهلت لمستوى العمق الفكري لدى البعض منهم، الذي تبدى في الأسئلة التي طرحت خلال الندوة النقاشية التي تلت عرض الفيلم".
من جهة أخرى، خلّف تفاعل مواز، الكثير من التصفيق والصفير، في شارع الحبيب بورقيبة المحوري في العاصمة التونسية، مع عرض سلسلة "من المسافة صفر- قصص غير مروية من غزة"، وهي عبارة عن أفلام صورها 22 مخرجا فلسطينيا في غزة، أثناء الحرب، بطلب وتنسيق المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، بعضهم مجهول المصير حاليا.
وبعيدا من المركزية، تشير البيانات الصحافية الصادرة عن المهرجان، أيضا، إلى نجاحه في الابتعاد بعروض الشارع عن فضاء العاصمة حصرا، وذلك عبر "نشر الثقافة السينمائية في ربوع تونس ومنح أهل المدن والأرياف متعة مشاهدة أفلام المهرجان بالتوازي مع شاشاته المعتادة بتونس العاصمة". وبناء على ذلك، اختيرت خمس مدن داخلية من الأقاليم الخمسة للبلاد، هي سبيطلة بالقصرين، صوّاف من ولاية زغوان، الجريصة بالكاف، حامّة الجريد في توزر، والصّمار بولاية تطاوين.
عرضت في شارع "الحبيب بورقيبة" سلسلة "من المسافة صفر"، هي عبارة عن أفلام صورها 22 مخرجا فلسطينيا في غزة، أثناء الحرب
السينما الأفريقية
ثمة تحدّ آخر، يرتقي إلى التحديات "الوجودية"، يواجهه المهرجان الذي تميز منذ انطلاقته بالحضور الأفريقي الكبير. اذ يتجسد ذلك، بتذويب هذه الخصوصية "القرطاجية" وسحبها في اتجاه فعاليات سينمائية أخرى في المنطقة، باتت تولي أهمية لسينما أفريقيا، من خلال عرض أفلامها في أقسام خاصة، واستقبال صنّاعها، وتوفير التمويل الداعم لصناعتها. فهل يفقد هذا التوسع "أيام قرطاج" احد أهم أعمدتها؟
يظن بن شعبان أن "المهرجانات الأخرى بحاجة إلى زمن كبير لكي توطد شيئا شبيها بالنسيج التاريخي الذي عقدناه مع عمقنا الأفريقي". وهو يراهن، إضافة إلى معيار "التاريخ"، على معياري "الجغرافيا" و"المقاربة الملتزمة"، كضمان لبقاء تلك الميزة لصيقة بتونس: "لا نريد مقاربة أفريقيا بنظرة اكزوتيكية ولا استشراقية ولا استعمارية خفية. كذلك ليس لدينا أهداف تجارية من وراء احتضان السينما الأفريقية وصنّاعها. ونحاول قدر الإمكان الحفاظ على الجيل الجديد من صنّاع هذه السينما، والذي اختلفت ظروفه وأفكاره، كما كان لنا السبق في الاحتفاظ بجيل المؤسسين في الستينات".
في الدورة الحالية يتجلى الاحتفاء، بتكريم السينما السنغالية، الأعرق في أفريقيا، بعرض 14 فيلما أُنتجت بدءا من نهاية ثمانينات القرن الماضي حتى سنوات قليلة خلت، من بينها: "جوم" (أبا بكر مكارام- 1981)، "معسكر تياروي" (عثمان سمبين- 1988) و"النهر ليس حدودا" (الحسن دياغو- 2022). الى جانب مشتغلين سينمائيين في كبرى لجان التحكيم في تظاهرات المهرجان، من بينهم: بابا ديوب وعمر صال من السنغال، اليان أوموهير من رواندا، بيدرو بيمنتا من موزمبيق: "أحد أهدافنا الرئيسة هو المساهمة في خلق سوق إنتاج وتوزيع مشتركة للأفلام بين المنطقة العربية والعمق الأفريقي وتمكين صنّاع الأفلام الأفارقة الشباب من الحصول على تمويلات لأفلامهم"، يقول بن شعبان.
يقف الشاب الجنوب أفريقي جيسن جاكوب أمام أعضاء لجنة تحكيم في صالة هادئة داخل الطابق المخصص لـ"قرطاج للمحترفين". يخصص هذا الطابق لفعاليات ما يشبه المهرجان الموازي، انما لذوي المشاريع السينمائية قيد الإنجاز، يحمل عنوانَي:" شبكة" و"تكميل". منذ إطلاق هذا القسم في العام 1992، أمّن دعما مباشرا وغير مباشر لمئات الأفلام التونسية والعربية والأفريقية، "من خلال ورشات المنح والتبادل الداعمة للمشاريع السينمائية في مرحلة التطوير وما بعد الإنتاج، كما وفر لحاملي المشاريع الناشئة الفرصة للتبادل وتطوير المهارات من خلال ورشات "قابلوا المواهب" وحضور "ماستر كلاس" ، تقدمها شخصيات ذات خبرة في هذا المجال، كما تلك المحادثات التي جرت هذا العام مع الفلسطيني ابو أسعد والجزائري مرزاق علواش وغيرهما.
تقول يمينة المشري بندانة، المشرفة على البرنامج، في تصريحات الى "المجلة" إن "289 مشروعا تقدمت للتسجيل هذا العام ضمن الأعمال الناشئة"، مؤكدة أن إدارة المهرجان لا تفرض أي معايير معرقلة من باب العمر أو وسيط التصوير: "ما نشهده على هذه المنصة ممتع للغاية. احتاج فريقنا إلى نصف عام من أجل مشاهدة الأعمال الواردة وتقييمها وصولا لانتقاء 21 عملا من بين الكم الوارد".
وقد اختير فيلم جاكوب من بينها. عُرضت لقطات من الوثائقي الذي بدأ فكرة تصلح لفيلم قصير قبل أن يتحول إلى طويل. نشاهد في المقتطفات مسنّين داكني البشرة يجلسون عند عتبات بيوتهم ويتحدثون عن الخديعة التي تلقوها أيام كانوا شبابا في الحرب العالمية الثانية: "تم سوقنا الى حروب في جيوش الحلفاء. وعدونا بأراض وأموال. لم نحصل منها على شيء. بعضنا حصل على دراجة هوائية وعاد بإصابات جسدية ونفسية. أرامل الذين توفوا، لم يحصلوا على تعويضات. هذا فقط حصل لأبناء جنسنا، أما المولودون البيض في جنوب أفريقيا، فقد حصلوا على كل التعويضات والجوائز".
يؤكد جاكوب نفسه هذه المعلومات، إذ أن القصة ذاتها حصلت مع جده. تطرح عليه أسئلةً، لجنةُ التحكيم المكونة من صنّاع أفلام ونقّاد، فيجيب عنها بابتسامة من دون أن يخفي قلقه. تقرع يمينة جرسا، يشبه ذلك الذي يدق في ملاعب المدارس. لقد انتهت للتو فرصته لشرح ما يسعى اليه، والباقي متروك للمحكّمين.
لا نريد مقاربة أفريقيا بنظرة اكزوتيكية ولا استشراقية ولا استعمارية خفية. كذلك ليس لدينا أهداف تجارية من وراء احتضان السينما الأفريقية وصنّاعها – طارق بن شعبان
الخيال العلمي
في جناح الأفلام الستة المصنوعة بتقنية "الواقع المعزز"، المعروضة في بهو "مدينة الثقافة" في وسط تونس، تُتاح الفرصة لعشاق السينما التفاعلية، بأن يدخلوا في عوالم افتراضية، يُطلَب منهم فيها المشاركة بتوجيه قصص الأفلام ومساعدة شخصياتها على المضي في رحلاتهم المشوقة. وتتطلب مشاهدة الأفلام المنفذة بهذه التقنية، التي تنقل المشاهد من كنبة المتلقي إلى خط الفعل، إخفاء وجهه بنظارة، والإبحار في عالم افتراضي من دون أن يغادر مكانه، وتنفيذ ما يُطلَب منه، كرفع بطل فيلم "كوكب أوتو" إلى مستوى الشجرة، أو إسقاط ثمرة منها، أو شق الكوكب نصفين. وفي الجناح المخصص لهذا الفيلم تحديدا، استمتع المشاهدون بتحريك أصابع أكفهم، للمشاركة في "اللعبة"، وبدوا قادة أوركسترا مضحكين للمارة الخارجيين الذين لا يعرفون ماذا يحصل.
يروي "كوكب أوتو" قصة رجل وديع اسمه أوتو، يعيش على كوكب هانئ مع كلبه سكايبي، يمضي وقته في العمل والزراعة والاسترخاء على ارجوحته، حتى يأتيهما "ضيف" طارئ بلباس رائد فضاء، نتيجة حادثة تحطم. يعاونانه، فيطعمه أوتو ويروي ظمأه ويعالجه، ويهز سكيبي ذيله فرحا به. فإذا بالضيف، حين استعاد قوته، يحتل نصف الأرض، ويبني جدارا فاصلا، ويحرمهما من الشجرة المباركة، ويتركهما على أرجوحة رتيبة منهكين بـ"وحشة الروح". ثم تمضي الاحداث، وبمساعدة المشاهد الذي يتدخل إنصافا للعدالة، يتمكن أوتو من التغلب على الغازي ودفنه تحت تربة الكوكب، التي يتمكن المشاهد من شق عمقه، فينفتح مثل حبة جوز، ليكتشف أن في الداخل مقبرة للغزاة.