"هند أو أجمل امرأة في العالم" (دار الآداب، 2024) للكاتبة اللبنانية هدى بركات هي رواية التحلل البطيء، التحلل والفناء، والقبول بهما. فهذا بالضبط ما تسعى إليه هنادي، بطلة هذه الرواية وراويتها: أن تنمحي شيئا فشيئا حتى تتلاشى في العدم. لهذا السبب عادت إلى لبنان بعد سنوات طويلة قضتها في باريس – لكي تموت ببطء. تقول هنادي: "لم أعد إلى هذه البلاد حبا أو اشتياقا. بل بسبب أن أرض الله الواسعة لفظتني. وجدت نفسي على الرمل، عند حافة الموج كالحيتان النافقة".
لبنان الانهيار
اختارت هنادي المكان الأنسب لتموت فيه، مكانا يشبهها، في طور التحلل والاحتضار: لبنان الغارق في انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق. إننا في العام 2020، وقد مُسخ البلد في غضون أشهر قليلة حتى بات يصعب التعرف إليه. بلمسات سريعة، خفيفة وانطباعية، ترسم هدى بركات، في خلفية أحداث الرواية، صورة لمكان – لبنان – لم يعد يشبه نفسه. كأنه تقهقر إلى ما قبل الحضارة ولا يزال مستمرا في تقهقره هذا نحو الزوال: لا كهرباء، حسابات مصرفية تبخرت بين ليلة وضحاها، فقر مدقع ينتشر كالوباء، نفايات مكدسة في الشوارع، زمر من المراهقين والأطفال يتسولون نهارا ويسكرون ليلا ويعتدون أحيانا على المارة. وكأن هذا كله لا يكفي: انفجار مرفأ بيروت – "العصف الرباني"، كما تسميه بطلة الرواية – الذي دمر جزءا مهما من العاصمة.
إلى هذا المكان تعود هنادي بحثا عن اللاشيء، لا بل عن العدم، وهو ما ينطوي على مفارقة كبيرة. ففي حين تعتمد الروايات، عموما، على الحركة والصراع والسعي إلى تحقيق هدف ما، مهما كان ضئيلا، فإن حبكة "هند أو أجمل امرأة في العالم" تدور حول رغبة البطلة في الوصول إلى حالة من الجمود بحيث لا يعود يحصل لها شيء على الإطلاق.
لا يعني هذا أن لا أحداث في هذه الرواية، ولكنها أحداث تنتمي في معظمها إلى الماضي، تسترجعها الراوية وهي تذوي شيئا فشيئا.