لا شيء اختبر العراق "الجديد" مثل سوريا "القديمة". فعلى مدى أعوام طويلة اختار ساسة العراق "الديمقراطي" الوقوف بقوة مع نظام استبدادي بعثي يعاقبونه بشدة في العراق ويدعمونه بقوة في سوريا، باستخدام حجج مُضللة جوهرها بقاء أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في الحكم، وليس الدفاع عن مصالح البلد المشروعة، من ضمنها تلك المرتبطة بالأمن القومي العراقي. هَيمن هذا السلوك الأناني والضيق الأفق أخلاقيا وسياسياً والمُضرّ استراتيجياً على صناعة القرار العراقية نحو سوريا على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية.
في الرابع من أبريل/ نيسان 2012 قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، بنبرة لا تخلو من الانفعال في إشارته للأوضاع في سوريا: "لغة استخدام القوة في إسقاط النظام، سوف لن يسقط النظام بالقوة، قلناها سابقاً. قالوا شهرين وقلنا سنتين، والآن أكثر من سنة والنظام لم يسقط، ولن يسقط. ولماذا يسقط؟ لكن المشكلة أن النظام يتشبث ويقاوم والمعارضة تتشبث وتقاوم... وظيفتنا نحن كعرب وكمسلمين أن نذهب لإطفاء النار وتطويق الأزمة ما دامت هذه الأزمة قابلة لأن تتفاعل... نحن نرفض تسليح المعارضة بالمطلق... حتى لو سقط النظام، إذا سقط النظام، وماذا بعد؟ لا أحد يفكر في ماذا بعد، نحن نفكر في ماذا بعد!".
في هذا المؤتمر الصحافي الذي عُقد بعد نهاية القمة العربية في بغداد (أقصد القمة الثالثة والعشرين للجامعة العربية) وكانت الأزمة السورية موضوعاً رئيساً وخلافياً فيها، دعا المالكي إلى حوار بين المعارضة والسلطة لحل الأزمة المتصاعدة حينها.
كان الافتراض الذي استند عليه المالكي وتكرر فحواه المتشابه في إعلانات كثيرة، عراقية وإيرانية ولـ"حزب الله" اللبناني وقتها، أن ثمة إمكانية حقيقية للتفاوض بين النظام والمعارضة لحل المشكلة وأن على المعارضة أن لا تضيع فرصة التفاوض هذه وتصر على درب السلاح. كان الواقع على الأرض مختلفاً تماماً، فالنظام سد طرق التفاهم والتفاوض مبكراً، ولجأ إلى العنف المفرط حتى قبل الخطاب الشهير للرئيس المخلوع، بشار الأسد، أمام مجلس الشعب في نهاية مارس/آذار 2011، بعد أسابيع من اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإصلاحات جدية مثل إلغاء قانون الطوارئ وتفكيك الدولة الأمنية وحكم الحزب الواحد. اعتبر الرجل أن ما يحدث هو عبارة عن مؤامرة خارجية ينبغي الوقوف ضدها بحزم، فيما لم يتحدث عن أي إصلاحات فعلية وحقيقية أو الاستعداد لها تستوعب مطالب المحتجين.