المواجهة الجديدة بين إسرائيل و "الحوثيين"... لماذا الآن؟

الصراع بين الطرفين يحمل في طياته احتمالية تصعيد كبير.

المواجهة الجديدة بين إسرائيل و "الحوثيين"... لماذا الآن؟

تُبرز المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وجماعة الحوثيين في اليمن أن ما يُعرف بـ "محور الممانعة" المدعوم من إيران ما زال مُصرا على مواصلة حملته ضد إسرائيل، رغم الانتكاسات الكبيرة التي تعرضت لها الجماعات المدعومة من إيران، مثل "حماس" و"حزب الله" على يد الجيش الإسرائيلي.

فمنذ الهجوم الذي شنته حركة "حماس" المدعومة من إيران على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ألحق الرد العسكري الإسرائيلي خسائر فادحة بالحركة التي تتخذ من غزة مقرا لها، بالإضافة إلى "حزب الله" الحليف الإيراني في لبنان.

وبعد مرور أكثر من عام على القتال المكثف، يبدو أن هناك توافقا عاما بين الطرفين حول ضرورة إنهاء الأعمال العدائية والتركيز على تنفيذ وقف لإطلاق النار.

وقد ساعدت إدارة بايدن المنتهية ولايتها في التوسط لهدنة مؤقتة بين إسرائيل والحكومة اللبنانية، ما أسهم في تخفيف حدة الصراع بين إسرائيل و"حزب الله"، رغم تبادل الطرفين الاتهامات بخرق الاتفاق.

وفي قطاع غزة، تتواصل الجهود لتنفيذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس". ورغم استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف داخل القطاع الذي تسيطر عليه الحركة، تشير المؤشرات إلى إحراز تقدم ملحوظ نحو تحقيق هدنة.

شن الحوثيون هجمات على الملاحة في البحر الأحمر بدعوى ارتباطها بإسرائيل. ومع ذلك، فإن هجماتهم دفعت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى لشن هجمات على قواعد الحوثيين

وقد أسفرت محاولات إنهاء الحرب المستمرة منذ 14 شهرا بين "حماس" وإسرائيل عن استئناف جهود الوساطة التي تقودها كل من الولايات المتحدة وقطر ومصر. وتشير التقارير إلى وجود استعداد متزايد من الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويشارك وفد إسرائيلي على مستوى العمل في المحادثات الجارية حاليا في العاصمة القطرية الدوحة. وتستند هذه المحادثات إلى شروط اتفاق الهدنة الذي قدمته إدارة بايدن في مايو/أيار الماضي، والذي يتضمن إطلاق سراح المدنيين والمجندات المحتجزين في غزة خلال 45 يوما، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من مراكز المدن والطريق الساحلي والشريط الحدودي الاستراتيجي المحاذي لمصر.

وتعكس التصريحات الإيجابية لمسؤول فلسطيني بارز، مشارك في المحادثات، التقدم المحرز. حيث قال المسؤول لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في وقت سابق من الأسبوع الجاري إن المحادثات "وصلت إلى مرحلة حاسمة ونهائية".

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن التوصل إلى اتفاق أصبح أقرب من أي وقت مضى. ولكن، في حين أن الزخم في النزاعات بلبنان وغزة يتجه نحو إنهاء الأعمال العدائية، فإن المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، الذين أعلنوا الحرب على إسرائيل تضامنا مع "حماس" عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، يبدو أنهم مصممون على مواصلة مواجهتهم العسكرية مع الإسرائيليين.

وخلال العام الماضي، شن الحوثيون هجمات على الملاحة في البحر الأحمر بدعوى ارتباطها بإسرائيل. ومع ذلك، فإن هجماتهم التي استهدفت سفنا دولية لا علاقة لها بإسرائيل دفعت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى لشن هجمات على قواعد الحوثيين.

كما أطلق الحوثيون هجمات مباشرة بالطائرات المسيرة والصواريخ على أهداف إسرائيلية، حيث تمكنوا من ضرب مناطق سكنية في تل أبيب. وفي تصعيد كبير لحملتهم العسكرية، أعلنت الجماعة تنفيذ عملية استهدفت "هدفين عسكريين حساسين" في منطقة يافا جنوب تل أبيب باستخدام صاروخين باليستيين.

في غضون ساعة من الهجمات الحوثية، شنت الطائرات الإسرائيلية غارات جوية استهدفت ساحل اليمن، حيث ضربت موانئ الحديدة ورأس عيسى وصليف

وأفادت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في بيان منسوب للحوثيين بأن "العملية حققت أهدافها بنجاح". وأضاف البيان أن الهجمات تمت بالتزامن مع الغارات الجوية الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية في صنعاء ومدينة الحديدة الساحلية. وأوضح البيان: "العدوان الإسرائيلي لن يردع اليمن واليمنيين عن أداء واجبهم الديني والأخلاقي في الرد على مجازر (إسرائيل) في قطاع غزة".

وقد استيقظ سكان تل أبيب في حوالي الساعة الثانية والنصف صباحا يوم الخميس على أصوات صفارات الإنذار التي أعقبها صوت انفجار قوي. وأفاد مسؤولون إسرائيليون بأن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون تم اعتراضه، إلا أن الحطام تسبب في أضرار بمدرسة قريبة من وسط المدينة.

وتأتي هذه الهجمات الحوثية في وقت تنشغل فيه إسرائيل بالتفاوض على وقف إطلاق النار مع غزة ولبنان، إلى جانب معالجة تداعيات الإطاحة بنظام الأسد في سوريا المجاورة. وهذا يشير إلى أنه بينما يسعى باقي أعضاء "محور المقاومة" المدعوم من إيران إلى إنهاء صراعهم مع إسرائيل، يواصل الحوثيون التصعيد، رافضين وقف مواجهاتهم العسكرية مع الدولة العبرية.

وعلى الرغم من التركيز الإسرائيلي على التهدئة في الجبهات الأخرى، فإن رغبة الحوثيين في مواصلة هجماتهم تمثل تهديدا بتصعيد أكبر للمواجهة. وردا على الهجمات الأخيرة، شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية المكثفة استهدفت مواقع حوثية في محيط ميناء الحديدة، الذي يقع تحت سيطرة الجماعة المتمردة.

وفي غضون ساعة من الهجمات الحوثية، شنت الطائرات الإسرائيلية غارات جوية استهدفت ساحل اليمن، حيث ضربت موانئ الحديدة ورأس عيسى وصليف. وفي الساعة 4:30 صباحا، استهدفت موجة ثانية من الغارات الجوية محطتين للطاقة في العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون المدعومون من إيران منذ أكثر من عقد.

وأفادت قناة "المسيرة" الفضائية، التي يديرها الحوثيون، عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل في ميناء صليف القريب، إلى جانب مقتل شخصين آخرين في ميناء رأس عيسى النفطي. كما أفادت بوقوع إصابات متعددة في ميناء الحديدة.

وأكد دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن الضربات استهدفت بنى تحتية للطاقة والموانئ، زاعما أن المتمردين "كانوا يستخدمونها بطرق تساهم بشكل فعال في عملياتهم العسكرية".

يشير تصميم إسرائيل على الرد بقوة على أي هجوم يشنه الحوثيون إلى أن الصراع بين الطرفين يحمل في طياته احتمالية تصعيد كبير

من جانبه، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن إسرائيل "لن تسمح باستمرار" إطلاق النار من قبل الحوثيين. وحذر قائلا: "أقترح على قادة تنظيم الحوثيين أن يروا ويفهموا ويتذكروا، من يرفع يده ضد دولة إسرائيل، ستُقطع يده. من يضرنا سيُضر سبعة أضعاف".

للمرة الثالثة هذا العام، يتحرك الجيش الإسرائيلي ضد الحوثيين في اليمن. ففي يوليو/تموز، شنت إسرائيل غارات على الحديدة وبنيتها النفطية ردا على هجوم بطائرة مسيرة حوثية أدى إلى مقتل شخص وإصابة عشرة آخرين في تل أبيب. وفي سبتمبر/أيلول، استهدفت إسرائيل الحديدة مجددا، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل، وذلك بعد استهداف الحوثيين مطار بن غوريون بصاروخ أثناء عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى البلاد.

يشير تصميم إسرائيل على الرد بقوة على أي هجوم يشنه الحوثيون إلى أن الصراع بين الطرفين يحمل في طياته احتمالية تصعيد كبير. وبينما يتركز الاهتمام في أماكن أخرى من المنطقة على إنهاء الأعمال العدائية، فإن المواجهة بين إسرائيل والمتمردين الحوثيين قد تتحول إلى نزاع جديد يضيف المزيد من التوترات إلى المشهد الإقليمي.

font change