ما يظهر من سلوك جماعي في دمشق وغيرها من المدن السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، من سطو على السجلات والوثائق في السجون التي كسرت بواباتها الحديد، وبعثرتها، بعد تداولها المحموم بين أيدي تلك الحشود المتلهفة لمعرفة مصير معتقل او مغيّب لها، ونهب بعض المقار الرسمية، من سجلات وحواسيب وغيرها، يستدعي قرائن من الماضي عن تجارب مشابهة.
تتشابه الديكتاتوريات، ويستفيد بعضها من تجارب بعض، تتعلم وتضيف، ولقد أنتجت الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية في القرن الماضي وثائق تشهد على أفعالها وإجراءاتها.
ويُعدّ فتح أرشيفات القمع التي وضعتها دوائر المعلومات في أجهزة الأمن والمخابرات، لدى الأنظمة الشمولية، وفي السجون الملحقة بها، أو بالنظام ككل، خطوة جديدة وضرورية للدول التي تمر بمرحلة التحول الديمقراطي لأنها أساسية للضحايا وللبناء المستقبلي. وهذا يتطلب حمايتها بداية في لحظة الهيجان وما يلحقها من فوضى عارمة، ثم تنظيمها وفتحها أمام الجمهور، فبفضل هذا الفتح يمكنهم الوصول إلى المزايا المنصوص عليها في ما يسمى بقوانين جبر الضرر.
مع ذلك، فإن فتح أرشيفات القمع هذه يمكن أن يكون أيضا مصدرا لصراعات مختلفة، إذا لم يكن المجتمع حقق العدالة الانتقالية وفهم فكرة التصالح مع الماضي.
شهد القرن العشرون ديكتاتوريات جبارة ترأسها طغاة عتاة، من هتلر إلى موسوليني إلى ستالين إلى ماو تسي تونغ، إلى آخرين، حاولوا عند اقتراب لحظة الحقيقة، لحظة انهيارهم، إتلاف محفوظاتهم، لكن ما سلم منها واستطاعت الشعوب تنظيمه في أرشيف لاحقا، يعدّ اليوم مصدرا وثائقيا أساسيا للمؤرخين بالطبع، ولكن أيضا للمواطنين، لأنها تسمح لهم بحماية حقوقهم. لا مجال هنا لسرد كل التجارب واللحظات التاريخية، إنما يمكن تسليط الضوء على تجربة من الماضي القريب نسبيا، والتجربة السورية التي تتشكل حاليا.