بوتين يراهن على "ورقة ترمب" الرابحة لتعافي الاقتصاد؟

يتطلع الى إنهاء الحرب لكنه سيواجه تحديات أسعار النفط الأميركي وسلاح التعريفات الجمركية

غيتي
غيتي
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحافي مشترك بعد القمة المشتركة في هلسنكي، فنلندا، 16 يوليو 2018

بوتين يراهن على "ورقة ترمب" الرابحة لتعافي الاقتصاد؟

في أوائل سنة 2024، أرسلت روسيا إشارات تنم عن ثقتها بتعافي اقتصادها، إذ بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 3,6 في المئة في العام السابق، مدفوعا بعائدات النفط والإنفاق العسكري. مع مرور العام، ظلت الأرقام مثيرة للإعجاب، إذ قدرت دائرة الإحصاءات الحكومية "روس ستات" نموّ الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بمقدار 5,4 في المئة في الربع الأول من سنة 2024، و4,1 في المئة في الربع الثاني، و3,1 في المئة في الربع الثالث. ومع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني، يبدو أن الاقتصاد سيمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مزيداً من الأسباب التي تدعوه لالى الابتسام في سنة 2025. لكن هل هذا أمر محتوم أم أن هناك عوامل أخرى مؤثرة؟

الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس المنتخب دونالد ترمب في حملة الانتخابات في مايو/أيار 2023 عن الصراع في أوكرانيا، ترددت على لسان الجميع في الأشهر القليلة الماضية - "لو كنت رئيسا، لأنهيت تلك الحرب في يوم واحد، ولاستغرق الأمر 24 ساعة".

.أ.ف.ب

وقال إن التوسّط في الاتفاق سيكون "سهلا" لأن "جانبا كبيرا من الأمر يتعلق بالمال" والدعم العسكري المقدم. وقد فسر معظم المحللين ذلك بأنه سيقوم على وقف لإطلاق النار مع احتفاظ روسيا بالأراضي التي ضمتها حتى الآن وحصولها على تعليق مؤقت للعقوبات، مما سيمنح دفعة قوية لاقتصادها. لكن عودة ترمب تحمل معها عوامل أخرى تثير القلق في الأوساط الروسية.

ارتفاع الدولار من الأنباء السيئة لروسيا

أول تلك العوامل ارتفاع قيمة الدولار فور إعلان فوز ترمب في انتخابات سنة 2024. فقد ارتفع الدولار أكثر من 4 في المئة في مقابل اليورو، لكن ارتفاعه في مقابل الروبل كان كبيراً للغاية، بالنظر إلى التذبذب الاقتصادي الروسي. وقفز سعر الصرف من 97,8 روبلا في مقابل الدولار إلى 113 روبلا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أن يتدخل البنك المركزي الروسي ويخفضه إلى نحو 104 روبلات في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول. وذلك أدنى مستوى يصل إليه الروبل في مقابل الدولار منذ أبريل/نيسان 2022، أي بعد أسابيع قليلة من الغزو. وهذا أمر مقلق للغاية للشركات التي تستورد البضائع إلى روسيا، وللسكان المحليين الذين ينفقون على الاستهلاك. أما في ما يتعلق بالواردات الاستراتيجية، فربما تصبح الإمدادات العسكرية الروسية التي تأتي من الصين وإيران ودول أخرى أكثر تكلفة عما قريب. ويمكن أن يتوقع المواطنون الروس أيضاً ارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية والهدايا المستوردة مع اقتراب موسم العطلات، وهو ما يزيد الاستياء ويثير تساؤلات في شأن متانة الأسس الاقتصادية للبلاد وقدرتها على الصمود.

صدّرت الولايات المتحدة ما تصل قيمته الى 10 مليارات دولار من النفط الخام في سنة 2023، استُهلك نصفه تقريبا في أوروبا

إدارة معلومات الطاقة الأميركية

تترافق هذه النفقات الإضافية التي ستتكبدها الشركات المحلية مع التعقيد الإضافي الناجم عن ارتفاع تكلفة رأس المال، نظراً إلى ارتفاع سعر الفائدة الذي حدده البنك المركزي بـ 21 في المئة، والتوقعات بأن يرتفع إلى 25 في المئة في غضون أسابيع. وقد أخذ ذلك يثير شكاوى نخبة المليارديرات الروس الذين تسيطر شركاتهم على حصة كبيرة من اقتصاد البلاد. ووفقا لـ"بلومبرغ"، فإن ملياردير صناعة الفولاذ ألكسي مورداشوف قال في نوفمبر/تشرين الثاني: "إن وقف التطوير وخفض حجم الأعمال وإيداع الأموال في البنك يحقق ربحا أكثر من القيام بالأعمال التجارية وتحمل الأخطار المرتبطة بها".

أسعار النفط وتأثيرها على إيرادات موسكو

من العوامل الرئيسة الأخرى التي يمكن أن تؤثر في سنة 2025، شعار ترمب الشهير "أحفر يا رجل، أحفر". فارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة قد يخفض الأسعار العالمية، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في الإيرادات المتوقعة للكرملين في السنوات المقبلة. فقد كانت الولايات المتحدة من أكبر المستفيدين من حاجة أوروبا إلى موردين جدد للنفط منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، صدّرت الولايات المتحدة ما تصل قيمته إلى 10 مليارات دولار من النفط الخام في سنة 2023، استُهلك نصفه تقريباً في أوروبا.

.أ.ف.ب
محطة لتكرير حقول ويلمنتغون جنوب لوس أنجليس، في ولاية كاليفورنيا، 21 أبريل 2020.

وقد استوردت أوروبا ما يزيد على 34 مليون برميل من النفط من الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022، مقارنة بنحو 20 مليون برميل من النفط عبر المحيط في الربع الأخير من سنة 2021، قبل أن يشن الكرملين هجومه الشامل.

لم يدخل دونالد ترمب البيت الأبيض بعد، لكنه تمكن من إدخال تغيير كبير على جدول أعمال دول "بريكس" المتعلق بخفض الاعتماد على الدولار

لم يدخل دونالد ترمب البيت الأبيض بعد، لكنه تمكن من إدخال تغيير كبير على جدول أعمال دول "بريكس" المتعلق بخفض الاعتماد على الدولار. فقد كتب في وسائل التواصل الاجتماعي بعد مرور أقل من شهر على الانتخابات، "نطلب التزاما من تلك الدول بعدم إنشاء عملة جديدة لمجموعة 'بريكس' أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي القوي وإلا ستواجه تعريفات جمركية تبلغ 100 في المئة وتتوقع أن تودع إمكان البيع في السوق الأميركية الرائعة". ويشكل ذلك ضربة لطموحات بوتين، نظرا الى رسالة الكرملين إلى زملائه في دول "بريكس" في وقت سابق من هذا العام بأن الدولار "يستخدم بمثابة سلاح".

الأخبار الجيدة تتمثل في وقف الحرب مع أوكرانيا

مع ذلك، هناك أسباب جيدة تدعو الى شيء من التفاؤل الحذر في روسيا. فمعظم المحللين يتوقّعون أن يجري ترمب خفضا كبيرا للمساعدات المقدمة لأوكرانيا ويطرح خطة تسمح لروسيا بالاحتفاظ بمعظم مكاسبها الإقليمية. ويتطلع الكرملين أيضا إلى فترة يتراجع فيها التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا، على أمل أن يخفف ذلك الضغوط السياسية والاقتصادية الآتية من الغرب في سنة 2025. 

غير أن القرار لم يتخذ في شأن كيفية تعامل الاقتصاد الروسي مع تداعيات الحرب على المدى القصير، نظرا إلى مستوى الإنفاق العسكري الحالي وعدد الجنود والمحاربين القدامى الذين سيتعين استيعابهم في أشكال أخرى من العمل. وفي تحليل أجرته مجلة "فورين بوليسي"، قال الباحثان مارك ر. ديفور وألكسندر ميرتنز إنه من المتوقع أن تنفق روسيا رسميا 41 في المئة من موازنتها على الجيش في العام المقبل، وربما يؤدي خفض هذا التمويل في نهاية المطاف إلى حدوث تراجع اقتصادي كبير. وجاء في المقال: "سيكون حجم الركود الروسي بعد الحرب أسوأ لأن الاقتصاد المدني الروسي - خصوصا الشركات الصغيرة والمتوسطة - تقلص بسبب الحرب. وفي ظاهرة مألوفة لدى الاقتصاديين، يؤدي ارتفاع الإنفاق العسكري إلى ارتفاع الرواتب وجذب العمالة بعيدا عن الشركات التي لا تعمل في الدفاع".

وأضاف الباحثان أن الحفاظ على موازنة عسكرية مرتفعة سيخنق الاقتصاد. ومع ذلك، فإن استمرار الحرب سيرهق الاقتصاد الروسي في النهاية، ومن ثم فإن الاتفاق المحتمل مع أوكرانيا بوساطة ترمب يمكن أن يساعد فلاديمير بوتين في تحقيق "نصر" لشعبه وبدء الرحلة البطيئة نحو التعافي الاقتصادي.

من المتوقع أن تنفق روسيا رسميا 41 في المئة من موازنتها على الجيش في 2025، وربما يؤدي خفض هذا التمويل في نهاية المطاف إلى حدوث تراجع اقتصادي كبير

الباحثان مارك ر. ديفور وألكسندر ميرتنز

كما أن ضعف الروبل، في الوقت الحالي على الأقل، يعني أن الكرملين سيحقق محليا نتائج أفضل من أي عائدات نفطية. لكن هناك توقعات لفترة من ارتفاع التضخم في البلاد نتيجة السياسات النقدية للبنك المركزي التي يحتمل أن تلغي أي فوائد محلية متأتية من سعر الصرف.

حرب التعريفات الجمركية

على جبهة أخرى، هناك كثير من التكهنات في شأن كيفية تعامل ترمب مع الصين. فقد اقترح أن تخضع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة لتعريفات جمركية جديدة، مما سيجعل هذه السوق أقل جاذبية للصناعيين الصينيين. وشهد نصيب الصين من الصادرات إلى الولايات المتحدة انخفاضاً من 19 في المئة في سنة 2018 إلى 15 في المئة في سنة 2023، مع أن حجم الصادرات الإجمالية نما في كل أنحاء العالم. وإذا انخفضت ربحية البيع للأميركيين فربما يتطلع الصناعيون الصينيون إلى أسواق أخرى، بما في ذلك روسيا.

رويترز
أفراد من الجيش الروسي أثناء تدريبات على الرماية، في منطقة كراسندورا الروسية، 12 ديسمبر 2024.

 لكن من الصعب التنبؤ ما إذا كان حجم الصادرات الإضافي سيكون كافيا لتعويض مشكلات سلاسل الإمداد الأخرى الموضحة في القسم السابق. في الوقت نفسه، أدلى ترمب ببعض الملاحظات الغامضة في شأن كيفية "فك الارتباط" بين روسيا والصين. وقال: "إنهما عدوّان طبيعيان لأن روسيا لديها أراضٍ شاسعة تحتاج إليها الصين"، مشيرا إلى أنه في إمكانه التفكير في طرق مختلفة لإلحاق الضرر بتلك العلاقة. ومع أن روسيا والصين تتفقان معا

عودة ترمب ربما ليست في صالح روسيا بالضروة

حول الرغبة في تشكيل نظام عالمي جديد، فإن لدى الأخيرة مشكلاتها الخاصة مع تباطؤ معدل نمو الاقتصادي، لذا ستأخذ أي حوافز محتملة من الولايات المتحدة على محمل الجد.

بوتين تلاعب بترمب ببراعة في فترة رئاسته الأولى، وداعب غروره وإحساسه بانعدام الأمن بكيل المديح له

الجنرال المتقاعد هيربرت ريموند مكماستر

وهكذا يبدو أن كثيرا من المحللين يتفقون على أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض ربما لا تكون في صالح روسيا بالضرورة. وفي الوقت نفسه، هناك عامل شخصي يجعل أي نوع من الحسابات صعبا للغاية. فقد كتب الجنرال المتقاعد هيربرت ريموند مكماستر في مذكراته الأخيرة أن بوتين تلاعب بترمب ببراعة في فترة رئاسته الأولى. "لقد داعب بوتين، وهو عميل سابق قاسٍ في الاستخبارات السوفياتية، غرور ترمب وإحساسه بانعدام الأمن بكيل المديح له".

وفي هذه المرحلة، ربما يكون التنبؤ الأكثر دقة في شأن فترة رئاسة ترمب المقبلة أنه لا يمكن التنبؤ بها. وستلقي الأسابيع والأشهر المقبلة مزيدا من الضوء لمعرفة ما إذا كانت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 ستعود بالفرح على الكرملين أو الندم.

font change

مقالات ذات صلة