في أوائل سنة 2024، أرسلت روسيا إشارات تنم عن ثقتها بتعافي اقتصادها، إذ بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 3,6 في المئة في العام السابق، مدفوعا بعائدات النفط والإنفاق العسكري. مع مرور العام، ظلت الأرقام مثيرة للإعجاب، إذ قدرت دائرة الإحصاءات الحكومية "روس ستات" نموّ الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بمقدار 5,4 في المئة في الربع الأول من سنة 2024، و4,1 في المئة في الربع الثاني، و3,1 في المئة في الربع الثالث. ومع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني، يبدو أن الاقتصاد سيمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مزيداً من الأسباب التي تدعوه لالى الابتسام في سنة 2025. لكن هل هذا أمر محتوم أم أن هناك عوامل أخرى مؤثرة؟
الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس المنتخب دونالد ترمب في حملة الانتخابات في مايو/أيار 2023 عن الصراع في أوكرانيا، ترددت على لسان الجميع في الأشهر القليلة الماضية - "لو كنت رئيسا، لأنهيت تلك الحرب في يوم واحد، ولاستغرق الأمر 24 ساعة".
وقال إن التوسّط في الاتفاق سيكون "سهلا" لأن "جانبا كبيرا من الأمر يتعلق بالمال" والدعم العسكري المقدم. وقد فسر معظم المحللين ذلك بأنه سيقوم على وقف لإطلاق النار مع احتفاظ روسيا بالأراضي التي ضمتها حتى الآن وحصولها على تعليق مؤقت للعقوبات، مما سيمنح دفعة قوية لاقتصادها. لكن عودة ترمب تحمل معها عوامل أخرى تثير القلق في الأوساط الروسية.
ارتفاع الدولار من الأنباء السيئة لروسيا
أول تلك العوامل ارتفاع قيمة الدولار فور إعلان فوز ترمب في انتخابات سنة 2024. فقد ارتفع الدولار أكثر من 4 في المئة في مقابل اليورو، لكن ارتفاعه في مقابل الروبل كان كبيراً للغاية، بالنظر إلى التذبذب الاقتصادي الروسي. وقفز سعر الصرف من 97,8 روبلا في مقابل الدولار إلى 113 روبلا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أن يتدخل البنك المركزي الروسي ويخفضه إلى نحو 104 روبلات في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول. وذلك أدنى مستوى يصل إليه الروبل في مقابل الدولار منذ أبريل/نيسان 2022، أي بعد أسابيع قليلة من الغزو. وهذا أمر مقلق للغاية للشركات التي تستورد البضائع إلى روسيا، وللسكان المحليين الذين ينفقون على الاستهلاك. أما في ما يتعلق بالواردات الاستراتيجية، فربما تصبح الإمدادات العسكرية الروسية التي تأتي من الصين وإيران ودول أخرى أكثر تكلفة عما قريب. ويمكن أن يتوقع المواطنون الروس أيضاً ارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية والهدايا المستوردة مع اقتراب موسم العطلات، وهو ما يزيد الاستياء ويثير تساؤلات في شأن متانة الأسس الاقتصادية للبلاد وقدرتها على الصمود.