علي مكي لـ"المجلة": النهضة الثقافية في المملكة استثمار في الهوية الوطنية

"علمانيون وإسلامويون" كتاب وحوار من القاهرة

Axel Rangel Garcia-AL_MAJALLA
Axel Rangel Garcia-AL_MAJALLA
علي مكي.

علي مكي لـ"المجلة": النهضة الثقافية في المملكة استثمار في الهوية الوطنية

في كتابه الجديد "علمانيون وإسلامويون – جدالات في الثقافة العربية"، يستعيد الكاتب والصحافي السعودي علي مكي مجموعة من الحوارات واللقاءات الصحافية التي أجراها مع عدد كبير من كتّاب العالم العربي وشعرائه ومثقفيه، على مدار أكثر من ثلاثة عقود منذ بداية عمله بصحيفة "عكاظ" مطلع تسعينات القرن الماضي حتى الوقت الراهن.

يحتوي الكتاب على أكثر من عشرين مقابلة تنوعت موضوعاتها بين الأدب والفن والسياسة والدين، إلى جانب عدد كبير من المناقشات الفكرية المتنوعة، الصادمة في بعض الأحيان، مثل حواره مع الكاتب والناقد السوري كمال أبو ديب الذي وصفه بـ"الحوار الشرس"، وفيه يصرح أبو ديب: "لست متواضعا، وما تقولونه هراء، وسأدمر التاريخ".

وفي حوار "يشبه العاصفة"، نتابع دفاع المفكر المغربي محمد عابد الجابري عن بعض الانتقادات التي وجهت إليه: "لم أسرق روجيه دوبريه وحدي، واتهامات هؤلاء كلام في كلام". فيما يؤكد المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، أستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر في حواره، أن "الأيديولوجيات التي تبتعد عن الواقع ستموت".

قبل رحيله بعام تقريبا، نطالع حوارا مع المترجم الفلسطيني الشهير صالح علماني يستعيد فيه شغف البدايات متطرقا إلى حلمه الأخير بإنشاء بيت للترجمة، وعن اسمه يقول بتندر: "نعم أنا علماني... بيد أني لست كافرا".

إبراهيم زولي فتح لي آفاق الدخول إلى الثقافة والأدب وقدم لي رعاية كاملة لا يمكن أن أنساها


لا يقتصر الأمر على الأدباء والمفكرين فحسب، فهناك أيضا لقاءات مع أسماء من المهنة نفسها، مثل الصحافي اللبناني سمير عطا الله الذي يصفه في حواره بـ"آخر حراس المقالة اليومية"، فيما احتل الشعراء النصيب الأكبر من الكتاب متنقلا من العراق (بلند الحيدري) إلى لبنان (محمد علي شمس الدين)، بالإضافة إلى شاعر العامية المصري عبد الرحمن الأبنودي الذي اختص بحوارين نُشرا منتصف التسعينات، وفيهما يتحدث الأبنودي عن الكتابة والحياة وتجربة السجن، والشعر الخليجي والنبطي.

 لم يخلُ الحديث أيضا من مساحات إنسانية عن الجانب الخفي في ما وراء الكتابة، "أشرب أثناء الكتابة القهوة التركية ذات السكر القليل جدا، وأدخن بشراهة، وآكل نادرا ولا أخاطب أحدا. وعندما أنتهي من كتابة قصيدة أحس كأنني امتلكت العالم، أو أنجبت الطفل الذي لم ينجبه أحد".

shutterstock
صحف عربية معروضة للبيع في سوبرماركت بن داوود بمكة.

إلى جانب الكتابة الصحافية، يعمل علي مكي اختصاصيا لإعلام المملكة بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حيث بدأ مشواره الصحافي في سن مبكرة وهو لا يزال في مرحلة التعليم الثانوي، وذلك بالكتابة في المجال الرياضي في صحيفة "الرياضية" السعودية التي شهدت باكورة إنتاجه بعنوان "إنهم يشجعون المنتخب بقلوب ملونة"(1988). وقد تنقل بين عدد من الصحف والمجلات العربية والسعودية، إلا أن صحيفة "عكاظ" هي بيته الأول كما يصفها.

محاورة شخصية ثقافية أو أدبية تتطلب تحضيرا عميقا لضمان أن تكون الأسئلة المطروحة ذات قيمة، وتفتح مجالا لحوار ثري ومثمر


صدر الكتاب عن دار "جداول" اللبنانية، وقد أُقيمت له أخيرا في القاهرة مناقشة بإدارة الشاعر السعودي هاشم الجحدلي وحضور عدد كبير من المثقفين والكتاب، من بينهم الروائي المصري ابراهيم عبد المجيد وله حوار مطول في الكتاب نُشر منذ ثلاث سنوات، يتناول أبرز المحطات الحياتية في تجربته منذ انتقاله من الإسكندرية إلى القاهرة ليشق طريقه، كما يُدلي صاحب "عتبات البهجة وطيور العنبر" وغيرها برأيه حول عدد من الكتّاب والروائيين والمشهد الثقافي على شقيه، المصري والعربي. فيما حرص الشاعر أدونيس على إجراء مداخلة خلال الندوة عبر الهاتف.

غلاف كتاب "علمانيّون وإسلامويّون".

 بهذه المناسبة التقت "المجلة" علي مكي، لنتحدث معه عن ذكريات الكتاب والثقافة والفن.

الشعر طريقا للثقافة

• من الملاحظ استحواذ الشعراء على كتابك الحواري، وهو ما يستدعي ما توسمه فيك محمود درويش سابقا، فهل تحمل بداخلك شاعرا لم يجد له متسعا حتى الآن؟

لم تكن هذه العملية مقصودة أو مرتبا لها... كل ما في الأمر أنني حضرتُ مهرجانين شعريين عربيين تواليا عامي 1997 / 1998 في القاهرة وتونس، وكان أكثر الحضور هم الشعراء مع نخبة من النقاد والمثقفين وبعض المفكرين العرب.

لا أنكر أن الشعر يستهويني بالمتابعة منذ الصغر حيث فتحت عيني على المعلقات أثناء دراستي في كل المراحل التعليمية وأغرمتُ بالمتنبي كثيرا، لكنّ شاءت الصدف أن يكون الشاعر إبراهيم زولي جارنا القريب جدا حيث أن بيتنا كان شبه ملاصق لبيتهم فكانت الصداقة بيننا منذ وقت مبكر وهو الذي يكبرني بسنوات لكنه كان نافذتي نحو الشعر الحديث والشعر العمودي الرصين فقرأت من مكتبته البردوني وإيليا أبوماضي وعمر أبوريشة ومحمود درويش وسميح القاسم رحمهم الله جميعا وغيرهم الكثير.

هناك تحديات أمام الإعلام السعودي منها أن يطور أدواته ليلبي تطلعات الشباب الذين يميلون إلى استهلاك المعلومات من المنصات الرقمية

وهنا يجب علي توجيه تحية رائعة الى صديقي المبدع إبراهيم زولي لأنه فتح لي آفاق الدخول إلى الثقافة والأدب وقدم لي رعاية كاملة لا يمكن أن أنساها. أما ما توسمه فيّ محمود درويش أنه يرى فيّ شاعرا فقد كان لطفا غامرا منه ولا أخفي أنه كانت لدي محاولات فصيحة وعامية معا لكنها بقيت ضمن الدفتر الخاص الذي لم يطلع عليه سوى بعض الأصدقاء القريبين وهم قلّة.

FETHI BELAID - AFP
محمود درويش.

• في سياق مشابه، نجد غالبية اللقاءات جرت مع مؤلفين ذكور، في غياب شبه تام للكاتبات، حيث لا تتضمن القائمة سوى كاتبة واحدة من بين ما يقارب 25 شخصية، فما سر هذا الغياب؟

كأنما يشير سؤالك إلى تعمّدي تحييد المرأة، وهذا ليس صحيحا، فهناك حوارات في تلك الفترة جرت مع الشاعرة السورية لينا الطيبي مثلا والقاصة السعودية فوزية الحميد وغيرهما وربما هذه البقية من النساء تظهر حواراتها وتنشر في الجزء الثاني فقد دفعت بالكتاب إلى دار "جداول" وهو يحتوي على 48 حوارا قُلّصت إلى نصف هذا العدد وإرجاء الأسماء الأخرى إلى جزء ثان في وقت لاحق.

ثم إن الدكتورة ابتهال الخطيب التي كانت هي الاسم النسائي الوحيد، كما ذكرت في سؤالك، فإن تفاصيل الحوار المنشور في كتابي معها يغني عن 10 حوارات مع سيدات أخريات، وذلك لمضامين اللقاء الثرية ولأهمية طروحاتها الجدلية وجرأتها العميقة.

• أحيانا يعترض بعض الضيوف على نوعية معينة من الأسئلة، هل واجهك أمر مشابه أثناء عملك وكيف كان ذلك؟

لم يحدث ذلك معي كثيرا، كان استثنائيا في مرة أو مرتين على الأكثر ولم يكن السبب شعور ضيفي بالحرج أو الضيق من السؤال، بل كان السبب أن إجابته لن تقدم إضافة قد تفيد اللقاء أو الحوار في مجمله.

"رؤية 2030" عززت مكانة المملكة كقوة ثقافية على الساحة الدولية، مما جعلها نقطة جذب للثقافات والحضارات المختلفة

وأحبّ أن أشير إلى أخطاء أو سوء فهم من بعض الضيوف الذين التقيتهم، وأذكر أنني كنت أتصل ببعض الضيوف وأطرح الأسئلة الحساسة عليهم وبعضها يتعلق بأطروحات وآراء أصدقائهم فيقومون بالرد الصريح وحين ينتهون يفاجئني بعضهم بالقول: ترى هذا الكلام بيني وبينك وليس للنشر، ومع ذلك أقوم بنشره ليس خيانة أو تحديا ولكنّني صحافي واتصلت بالضيف من هذا المنطلق ولم أكن صديقا له حتى يخصني بحديث مسجل ثم يحذرني من النشر! أعترف أن هذا الفعل تسبب لي بخصومات مع بعضهم، ومع ذلك كنتُ سعيدا لأني كسبتُ نفسي وعملي.

• ما السؤال الذي وددت طرحه على أحد الضيوف ونسيته أو لم يتسنَ لك ذلك؟

لا أذكر حقيقة، ولكني تمنيتُ أن يكون سؤالك عن الحوار الذي أجريته ولم ينشر، لأنني التقيتُ ممدوح عدوان رحمه الله في القاهرة في شتاء 1997 واستضافني في غرفته العالية في فندق "هيلتون رمسيس" حيث أكرمني بأجمل حليب حمله معه من دمشق كما أخبرني، وفوق ذلك أجريتُ معه حوارا مهما لكنّ سوء الحظ الغادر أن شريط اللقاء معه ضاع مع كتب كثيرة بعضها منه والأخرى من الضيوف الآخرين الذين كانوا معه. كان ضياع هذا الحوار وفقده أليما جدا، كأنما كان فقدا لنفسي حينذاك.

علي مكي مع ابراهيم عبد المجيد وهاشم الجحدلي.

بعد دراستك للشخصية التي تحاورها ونتاجها الثقافي أو الأدبي، ما المعايير التي تتبعها في صياغة الأسئلة المطروحة؟ وما أصعب حوار مررت به في مشوارك المهني؟

محاورة شخصية ثقافية أو أدبية تتطلب تحضيرا عميقا لضمان أن تكون الأسئلة المطروحة ذات قيمة، وتفتح مجالا لحوار ثري ومثمر.

المملكة العربية السعودية، في ظل رؤيتها الطموحة 2030، تقدم نموذجا لدمج الحداثة بالقيم الأصيلة


إن الاختلاف بين الأجيال في التعامل مع النهضة الثقافية والفنية ليس دليلا على انقسام، بل يعكس تنوعا غنيا يمكن استثماره لتعزيز الحوار والتكامل. الشباب يقودون هذا التحول بشغفهم وانفتاحهم، بينما يمكن للأجيال الأكبر أن تضيف العمق والخبرة، مما يساهم في بناء مستقبل ثقافي متوازن.

shutterstock
صورة ولي العهد محمد بن سلمان تزين واجهة مبنى في شارع التحلية بالرياض.

 • في ظل هذا الانفتاح الثقافي والمجتمعي، كيف يمكن الموازنة بين التطور والحفاظ على الهوية؟

الموازنة بين الانفتاح الثقافي والتطور المجتمعي من جهة، والحفاظ على الهوية الوطنية من جهة أخرى، تحدٍّ جوهري في مسار أي نهضة حضارية. المملكة العربية السعودية، في ظل رؤيتها الطموحة 2030، تقدم نموذجا لدمج الحداثة بالقيم الأصيلة، ومن أجل إحداث هذه الموازنة كان الأمر يتطلب استراتيجيا شاملة تُشرك كل القطاعات: التعليم، الإعلام، الثقافة، والمجتمع. لهذا فإن المملكة تسير بخطى واثقة في هذا الاتجاه من خلال رؤية تُبرز هويتها الأصيلة ضمن عالمية معاصرة. هذا النهج يتيح لها أن تصبح نموذجا عالميا يجمع بين الجذور العميقة والطموحات الحديثة.

font change

مقالات ذات صلة