ثمة كتّاب كبار تتسلط اللعنة عليهم طوال حياتهم، ولا تفارقهم حتى بعد وفاتهم. هذه هي حال الكاتب السويدي ستيغ داغرمان الذي، بعد عبور مؤلم وخاطف في هذه الدنيا، ختمه بنفسه، لفّه النسيان بسرعة، ولم تتمكن الأعمال الأدبية والشعرية المجيدة التي تركها خلفه، والترجمات التي حظيت بها، من إخراجه من دائرة الظل. والدليل؟ حلول مئوية ولادته العالم الماضي في صمتٍ معيب لم تقطعه سوى مقالات معدودة، هزيلة، مقارنة بأهميته.
لحسن الحظ، يمنحنا الرحيل المبكر لهذا الكاتب، عام 1954، فرصة الاحتفاء به اليوم، نظرا إلى مرور سبعة عقود بالتمام على ذلك. فرصة نغتنمها لتسليط الضوء على مسيرته الثرية وقيمة ثمارها الأدبية والشعرية التي تشكّل، بمضمونها وتتابعها، خير تفسير لقراره وضع حد لحياته، وهو في ذروة عطائه.
أول الأسباب التي تقف خلف إقدام داغرمان على الانتحار في سن الحادية والثلاثين، هو من دون شك معاناته، منذ نعومة أظفاره، من حالة اكتئاب عميقة رافقته مثل لعنة حتى نفَسه الأخير. ومع أنه سعى جاهدا للشفاء منها، إلا أن حساسيته الشديدة تجاه الأحداث المؤلمة التي عاشها أو عايشها، كانت تعيده دوما إلى فلكها المعتم، قبل أن يرى يوما في الموت فرصة خلاص، فيعانقه.
السعادة المستحيلة
ابن عاملَين فقيرَين افترقا باكرا، أمضى داغرمان طفولته في منزل جدّيه، في الريف، قبل أن يحضره والده للعيش معه في ستوكهولم. ومع أنه كان تلميذا متفوقا، إلا أنه رأى في المدرسة سجنا، فلجأ إلى حياة الشارع والسينما لاختبار حريته وتلطيف اكتئابه، ثم التحق بـ"حلقة الشباب النقابي" عام 1941، حيث التقى رفيقة دربه القصير، آن ماري غوتزه، التي لعبت مع والدها، الناشط الفوضوي، دورا محوريا في معانقته الأطروحات الفوضوية.