"الصكوك السيادية" الإسلامية سوق واعدة للاقتصاد الجزائري

90 مليار دولار متداولة في السوق الموازية وطلب محلي كبير للتمويل بناء لأحكام الشريعة

Shutterstock
Shutterstock
تنامي الطلب على الصكوك الإسلامية في الجزائر.

"الصكوك السيادية" الإسلامية سوق واعدة للاقتصاد الجزائري

بعد أقل من أربع سنوات على إطلاق منتجات للصيرفة الإسلامية بدون فوائد، عبر المؤسسات المصرفية العامة (الحكومية)، تتهيأ وزارة المالية الجزائرية لإصدار أول مشروع خاص بالصكوك السيادية التي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية في تاريخ البلاد، وفق بند جديد في قانون الموازنة لعام 2025، في خطوة تحمل في طياتها الكثير من الغايات والأهداف لعل أبرزها استقطاب الأموال الطائلة المتداولة حاليا في السوق الموازية. فهل ستكون هذه الصكوك طوق نجاة جديدا للاقتصاد الجزائري من السوق السوداء التي باتت تنخره وتهدد نموه؟

تكشف آخر التقديرات الرسمية لحجم الأموال المتداولة في السوق الموازية، بحسب تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال كلمة ألقاها لمناسبة تنصيب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، "وجود ما يقارب 10 آلاف مليار دينار جزائري ككتلة مالية متداولة في هذه السوق أي ما يعادل 90 مليار دولار"، وهي كتلة نقدية ضخمة تفوق بكثير قيمة التداولات في السوق الرسمية، غير أن خبراء اقتصاديين يشككون أصلا في إمكان تقديرها.

رويترز

لا يتجادل اثنان في البلاد حول صعوبة تقدير حجم الأموال المتداولة في السوق السوداء باعتبارها تمثل نشاطات غير رسمية. ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، شرياف جمال الدين نوفل، في حديث الى "المجلة" إنه "من الصعب جدا معرفة حجمها الحقيقي وذلك بسبب عمليات طبع العملة التي تمت على مراحل متقطعة وأيضًا بسبب النقود المزورة". ويوافق وزير المالية السابق عبد الرحمن راوية على هذا الرأي، ولم يتردد حتى في نقد رئيس وزراء سابق، مؤكدًا أن كل التقديرات المتداولة "محض تصريحات" لا غير.

الصكوك جاءت لاستكمال مكونات التمويل الإسلامي الذي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي الصيرفة الإسلامية والتأمين التكافلي، وأخيرا الترخيص للخزينة العامة بإصدار أوراق مالية بمثابة 'صكوك سيادية' تسمح بتوسيع أدوات التمويل

الدكتور سليمان ناصر، خبير وأكاديمي في الاقتصاد والصرافة الإسلامية

وتحاول الحكومة الجزائرية من خلال هذه الخطوة "ضرب عصفورين بحجر واحد"، أولا من خلال السعي إلى تحقيق التمويل المستدام لمشاريع الدولة وتشجيع الاستثمار المحلي والدولي، وهو ما سيساهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد، وحتى تقليل الاعتماد على الديون الخارجية، فهي تُعتبر اليوم من الدول القليلة جدًا التي تخلصت من المديونية الخارجية بصورة شبه كلية بعدما بلغت في فترة من الفترات 924 مليون دولار.

جذب الكتلة النقدية المتداولة إلى النظام المصرفي

وتشمل المشاريع المراد تمويلها، الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس وكل المرافق التي تساهم في تحسين جودة الخدمات وتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد، لا سيما أن الجزائر أصبحت اليوم تتصدر ترتيب دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط في نسبة النمو الاقتصادي، بحسب تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد الإقليمي للعام 2024.

Shutterstock
مدخل البنك المركزي الجزائري في مدينة سطيف.

أما الهدف الثاني المتوخى من الترخيص للخزينة العامة بإصدار "صكوك سيادية"، فهو جذب الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية إلى النظام المصرفي. لكن هناك ما يحد من فاعلية هذه الخطوة الاستراتيجية وفق الباحث الجزائري في مجال المصارف العامة وفي الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية، الدكتور سليمان ناصر، إذ يقول في حديث مع "المجلة" إن "هذه الصكوك جاءت لاستكمال مكونات التمويل الإسلامي الذي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي الصيرفة الإسلامية والتأمين التكافلي أو ما يُسمى بالتأمين التعاوني الذي يقوم على أسس ومبادئ تهدف إلى التعاون والتكافل الاجتماعي بين المؤمن لهم، وأخيرا الترخيص للخزينة العامة بإصدار أوراق مالية بمثابة 'صكوك سيادية' تسمح بتوسيع أدوات التمويل".

قطاع عريض من الجزائريين يرفضون رفضا قاطعا التعامل مع المصارف التقليدية كونها تعتمد على فوائد لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية

الدكتور سليمان ناصر، خبير وأكاديمي في الاقتصاد والصرافة الإسلامية

يربط سليمان ناصر نجاح هذه الخطوة بـ"الجانب الشرعي"، ويقدم تصوره الخاص حول هذا الجانب قائلا إن "قطاعا عريضا من الجزائريين يرفضون رفضًا قاطعًا التعامل مع المصارف التقليدية كونها تعتمد على فوائد لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية التي تحرم القرض بالفائدة والمضاربة والاستثمار في المحرمات، كما أنها تنص على تقاسم أعباء الخسائر والأرباح بين المصرف والعميل". ويؤكد الخبير في الصيرفة الإسلامية ضرورة "استحداث هيئة تفتي بمطابقة الصكوك الإسلامية للشريعة حتى تنجح السلطات الجزائرية في دمج الكتلة النقدية الخارجة عن الإطار الرسمي في الدائرة الرسمية". وشهدت سوق التمويل الإسلامي نموًا متسارعًا على الرغم من العقبات والتحديات، ويعاضد هذا المؤشر مذكرة بنك الجزائر الصادرة في فبراير/شباط الماضي، التي تكشف عن ارتفاع حجم ودائع الصيرفة الإسلامية على مستوى المصارف من 546,69 مليار دينار جزائري (4 مليارات دولار) في عام 2022 ليبلغ 623,83 مليار دينار جزائري (4,7 مليارات دولار) في نهاية يونيو/ حزيران 2023 أي بارتفاع بنسبة 14,11 في المئة.

نمو الصيرفة الإسلامية... مصارف ووكالات

وكشف بنك الجزائر في مذكرته وجود 12 مصرفا معتمدًا يعمل في الصيرفة الإسلامية حتى نهاية يونيو/ حزيران 2023، منها ستة مصارف حكومية وستة خاصة، بينما ارتفع عدد الوكالات المخصصة لهذا النشاط من 69 وكالة مع نهاية 2022، إلى 75 وكالة في نهاية يونيو/ حزيران 2023، فيما سجل عدد النوافذ المصرفية الخاصة بالصيرفة الإسلامية ارتفاعا من 655 إلى 741 نافذة خلال الفترة نفسها. 

وتمتلك الجزائر كل المؤهلات والفرص لتنويع قطاع الخدمات المالية وترقية المكانة التنافسية الإقليمية والدولية للاقتصاد الجزائري بحسب تصور الدكتور صالح صالحي، الأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير في جامعة فرحات عباس سطيف، وقال في مطالعة مطولة بعنوان "الاقتصاد الجزائري.. قطب إقليمي في مجال صناعة الخدمات المالية الإسلامية" إن "هناك فرصة من أجل الانتقال من النسبة الحالية المقدرة بـ 0,2 في المئة من حجم الصناعة المالية الإسلامية في الاقتصاد الجزائري، أي ما يعادل 6 مليارات دولار، إلى نسبة 1 في المئة، بقيمة لا تقل عن 50 مليار دولار على المدى القصير، ونسبة 2 في المئة على المدى المتوسط، بقيمة قد تصل إلى 150 مليار دولار كحد أدنى عام 2027، ويمكن رفع هذه النسبة على المدى الطويل لتصل إلى حدود 5 في المئة، فتتطور حصة الجزائر في سنة 2030 لتتجاوز 650 مليار دولار، لتصبح الجزائر من بين الدول العشر الأولى في السوق العالمية للصناعة المالية الإسلامية".

من الأفضل إدماج صناعة الصكوك ضمن أدوات التمويل في الاقتصاد الجزائري لأنها أثبتت تطورها في معظم مناطق الصناعة المالية الإسلامية التي تجاوزت أصولها 870 مليار دولار

صالحي تاليا، أستاذ وخبير في الاقتصاد والتجارة

يقترح الدكتور صالحي لإنجاح هذه الاستراتيجيا في البدء "ترقية مكانة الاقتصاد الجزائري النسبية ضمن أصول صناعة الصيرفة الإسلامية، التي تخطى حجمها 3,7 تريليونات دولار عالميا في بداية عام 2024، لتنتقل من نحو 5 مليارات دولار حاليًا إلى 60 مليار دولار على المدى المتوسط. وبحسب صالحي، يقتضي هذا الوضع تطوير المنظومة المؤسسية والاجرائية للمصارف الإسلامية، والشروع في التحول الكلي من مصرف عام إلى مصرف إسلامي بالشراكة النسبية مع القطاع الخاص، ليشكل القاعدة التي تزيد الثقة في النظام المصرفي الجزائري، وكذلك الشروع في تطبيق المادة 44 من القانون النقدي والمصرفي (القانون 23-09/2023) المتعلقة بالسياسة النقدية بأدواتها الكمية، والنوعية، والمباشرة، الملائمة لخصوصية الصيرفة الإسلامية، القائمة على المشاركات المتنوعة".

.أ.ف.ب
ميناء مدينة وهران الجزائرية، 5 سبتمبر 2024.

ويقترح صالحي تاليا، وهو الذي نشر العديد من الدراسات عن أهمية الصناعة المالية الإسلامية ودورها في الاقتصاد الجزائري، "إدماج صناعة الصكوك ضمن أدوات التمويل في الاقتصاد الجزائري" لأنها أثبتت وفقا له تطورها في معظم مناطق الصناعة المالية الإسلامية التي تجاوزت أصولها 870 مليار دولار موزعة على 5300 نوع من الصكوك العادية.

والتحول إلى الواقع الاقتصادي الجديد الذي يقوم على التمويل بالصكوك، واستقطاب الموارد المالية لدعم الاستثمارات الحقيقية، من مصادر خارج الموازنة العامة للدولة، يستهدف عبر تعبئة جزء مهم من الموارد المالية في السوق الموازية من جهة، واستقطاب حصة من حجم الصكوك الاستثمارية الإسلامية في الأسواق الإقليمية والدولية من جهة أخرى.

استقطاب موارد صغار المدخرين والموارد المالية المحلية في السوق والدولية، التي تقترب من 260 مليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى 400 مليار دولار في نهاية سنة 2028، وتتوزع حاليا على 2400 نوع من الصناديق

والتحول إلى الواقع الاقتصادي الجديد الذي يقوم على التمويل بالصكوك، واستقطاب الموارد المالية لدعم الاستثمارات الحقيقية، من مصادر خارج الموازنة العامة للدولة، يستهدف عبر تعبئة جزء مهم من الموارد المالية في السوق الموازية من جهة، واستقطاب حصة من حجم الصكوك الاستثمارية الإسلامية في الأسواق الإقليمية والدولية من جهة أخرى. إذا تحقق ذلك، ترفع الجزائر حصتها إلى 5 في المئة من الصكوك الإجمالية في المناطق الناشطة في الصناعة المالية الإسلامية، بواقع 40 مليار دولار على المدى المتوسط، في نحو 200 نوع من أنواع الصكوك. وعلى ما يبدو، أن هذا التوجه قد فُعّل في قانون الموازنة لعام 2025 بالترخيص للخزينة العامة بإصدار صكوك التمويل الإسلامية، اعتبارا من بداية سنة 2025، والشروع في إعداد مشروع قانون متكامل لصناعة الصكوك، لتصبح الجزائر قطبا إقليميا تنافسيا لإصدارات الصكوك في المنطقة الحرة الأفريقية، والعربية، والأوروبية، فتزداد أهميتها التمويلية في الاقتصاد الجزائري.

إدماج صناديق الاستثمار الإسلامية في الاقتصاد الجزائري

كذلك يقترح صالحي إدماج صناعة صناديق الاستثمار الإسلامية في الاقتصاد الجزائري وهي نقطة مهمة من أجل "استقطاب موارد صغار المدخرين والموارد المالية المحلية في السوق الرسمية والموازية وموارد صناديق الاستثمار الإسلامية في السوق الدولية، التي تقترب من 260 مليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى 400 مليار دولار في نهاية سنة 2028، وتتوزع حاليا على 2400 نوع من الصناديق".

Shutterstock

 واقترح أخيرا "تفعيل دور مؤسسة الديوان الوطني للأوقاف والزكاة، لتقوم بوظيفتها الاجتماعية، والتمويلية، والاستثمارية، والاقتصادية، بمواردها الحقيقية غير التضخمية من خارج الموازنة، وهي لا تقل عن 20 مليار دولار على المدى القصير، وستتجاوز 50 مليار دولار على المديين المتوسط والطويل".

font change

مقالات ذات صلة