في لقاء تلفزيوني مطول مع المستشرق البريطاني المثير للجدل، برنارد لويس، وجه المذيع له رسالة من أحد المشاهدين، وفيها قال: "إن الإسلام دين يأمر بالطاعة، وليس الفهم، وقد انتشر بالقوة لا الإقناع" هنا قاطعه لويس، وقال: هذا الكلام خاطئ تماما، فهناك آية في القرآن تقول "لا إكراه في الدين" والمسلمون ليس متاحا لهم أن يتسامحوا مع الديانات الأخرى فحسب، بل توجب عليهم كتبهم وقوانينهم المقدسة أن يتعاملوا بعدل وتسامح مع غير المسلمين، خاصة أهل الكتاب (اليهودية والمسيحية)، فنحن أمام تسامح مع هذه الأديان يفرضه القانون، وقد كان هذا هو الحال دوما خلال التاريخ الإسلامي".
يختم برنارد لويس كلامه بجملة مثيرة للاهتمام، فيقول: "التعصب الديني هو أمر تعلمه المسلمون من أوروبا، وليس من تاريخهم".
تحولات عنيفة
إذا أردنا أن نضع هذه الجملة محل الاختبار، علينا أن نعود إلى القرن الثامن الميلادي، ذلك القرن الذي شهد بزوغ الحضارة الإسلامية، وصعودها العالمي، في الوقت نفسه كانت أوروبا تعيش تحت وطأة مشروع ضخم تمثل في تنفيذ أكبر تبشير قسري وعنيف لتحويل بقية سكان أوروبا إلى الديانة المسيحية بالقوة والإجبار، حيث كان الهدف الأساسي لتلك الجهود هو ترسيخ المسيحية كدين موحد في أوروبا وبناء نظام سياسي وثقافي جديد تحت سيطرة الكنيسة.
ومن الأمثلة البارزة على هذا التحول العنيف الغزوات الكارولنجية التي قادها الإمبراطور شارلمان، حيث خاض سلسلة من الحروب ضد الساكسون الوثنيين شمال ألمانيا بين عامي 772 و804م بهدف فرض المسيحية عليهم. وشهدت هذه الحروب، حملات إبادة جماعية، بما في ذلك مذبحة فيردن عام 782م التي أُعدم فيها 4500 ساكسوني رفضوا اعتناق المسيحية.