غزة: من عمق مخيمات النزوح في قطاع غزة، انطلقت عدسة الكاميرا في أيدي الأطفال، باحثة عن مفهوم جديد للحياة، ومساحة غير عادية للتعبير البصري، وذلك عبر تجربة سينمائية تحاكي أفكارهم وابتكاراتهم، حيث أتم أطفال فلسطينيون إنتاج أربعة أفلام سينمائية قصيرة ضمن مبادرة ربطت بين تجربتهم المريرة مع الحرب وتفاصيلها، وبين الرموز السينمائية القائمة على كتابة السيناريو، والتكوين البصري، والتحليل الفني للكادر، وابتكار الأفكار وتعميقها.
"التكية"
أول تلك الأفلام هو "التكية"، يحاكي واقع العائلات الفلسطينية خلال الحرب الإسرائيلية الضارية على غزة، ويختزل أجزاء كثيرة من حالة التيه التي آل إليها المجتمع الغزّي.
أتت افتتاحية الفيلم بكادر بانورامي للبحر والخيم الكثيرة، وبموسيقى حزينة مصاحبة. وينم تجميع هذه العناصر عن تجربة قاسية للإنسان، تلخص رحلته ما بين الجمال والتشوه، قبل أن يستدرج الفيلم المشاهدين الى تفاصيل أشد عمقا عبر الانتقال من الكل إلى الجزء، فتُظهر حلة الطعام الفارغة في يد طفلة، تناقضية وجدلية حول مستقبل الأطفال في العالم. فتلك اللقطة للجسد الطري الذي ينهشة الجوع، ترمي الى تفسير سلوك الشر في العالم، أكثر من أي وقت مضى. بعدما رأيت ذلك، ارتجف قلبي وخفت الى درجة أني أحسست بأن وعاء الطعام الفارغ، يحمل أسنانا سوداء بشعة، تستعد لالتهام الجسد البريء.
تمضي مشاهد "التكية" شبه الصامتة، بتدرجية وترميز ينسج العلاقات الاجتماعية خلال الحرب، ويؤطرها من خلال فكرة الأيدي، فيتم تصوير يد تعطي ويد أخرى تأخذ، وما بينهما محبة وأمل، تجسدها الطفلة ريماس خشان والجار أبو صلاح. وبقدر ما ينطوي هذا المشهد على جماليات، يصور بشاعة الحال في مخيمات إيواء نازحي غزة. ويمكن تجريد قصة الفيلم بغض النظر عن تصوير بشاعة الواقع، وتوثيق ذلك، فلا يوجد غير الحزن، الذي يملأ الكادر بكل تفاصيله. فالصورة لا تكف عن إخبار العالم بأن هنالك من يجوع ويعيش في قلب العذاب، بفعل استمرار الحرب على غزة.