لم يكن أمرا هيّنا التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بعد أن نجحت الدبلوماسية الأميركية والفرنسية، التي قادتها إدارة بايدن وبدعم حاسم من ترمب، في إقناع إسرائيل بوقف حملة القصف التي تستهدف "حزب الله"، ولكنها تلحق في الوقت نفسه خسائر فادحة بالمدنيين اللبنانيين وممتلكاتهم.
تستحق هذه الدبلوماسية الإعجاب، سوى أن التحدي النهائي الذي تواجهه لا يزال قائما، وهو بناء علاقات ثقة بين الجيشين والحكومتين والشعبين حتى يتسنى تحقيق "الحل الدائم والشامل" الذي دعا إليه قرار وقف إطلاق النار. وستكون إعادة العمل باتفاقية الهدنة العامة بين إسرائيل ولبنان الخطوة التالية المرحب بها في بناء العلاقات المطلوبة، وينبغي لرئيسي الجيشين، الجنرال عون من لبنان والجنرال هاليفي من إسرائيل، أن يجتمعا قريبا لبدء عملية بناء هذه العلاقات.
شروط وقف إطلاق النار واضحة ومباشرة: يتوقف القصف الإسرائيلي على الفور، على أن تخلي قوات الدفاع الإسرائيلية الأراضي اللبنانية في غضون 60 يوما، لتحل محلها وحدات من القوات المسلحة اللبنانية. وبما أن "حزب الله" ليس طرفا في الاتفاق، فإن التزام لبنان الرئيس هو ضمان أن لا يعيد "حزب الله" ترسيخ وجوده العسكري جنوب نهر الليطاني. ولا بد من تسهيل تنفيذ هذا الالتزام وتقييمه والحكم عليه من خلال آلية مراقبة دولية (تسمى "الآلية") بقيادة الولايات المتحدة وتضم فرنسا، وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وربما آخرين.
بدهي أن إسرائيل ترى في القوات المسلحة اللبنانية الحلقة الأضعف في الحفاظ على وقف إطلاق النار. ويرى بعض المراقبين الإسرائيليين أن "حزب الله" اخترق هذا الجيش بشكل لا رجعة عنه. وثمة وجهة نظر أخرى أكثر توازنا، تسود على نطاق واسع في الغرب وفي لبنان نفسه، ترى أن القوات المسلحة اللبنانية عاجزة حاليا عن محاربة "حزب الله" بفعالية، هذا إذا كان الإكراه مطلوبا بالفعل لفرض التزامات لبنان بوقف إطلاق النار. ولهذا العجز المفترض بعدان: أولهما الاعتقاد السائد بأن ما تبقى من "حزب الله" لا يزال أكثر قدرة على القتال من القوات المسلحة اللبنانية، وثانيهما الرأي (الذي يعود إلى أصول الجمهورية اللبنانية) بأن الجيش المتعدد الطوائف سوف يتفكك، حالما تبين أنه يعمل ضد إحدى الطوائف الرئيسة في لبنان. وقد دعم معظم الشيعة اللبنانيين "حزب الله" عقودا من الزمن كبديل عن الدولة اللبنانية، التي تتسم غالبا باللامبالاة وعدم الكفاءة والفساد.
كما أن للبنان شكوكه الخاصة في مسألة استدامة وقف إطلاق النار. فعلى الرغم من أن حملة القصف الإسرائيلية استهدفت "حزب الله"، فإن العديد من اللبنانيين من كافة الطوائف والتوجهات السياسية رأوا أن الحملة لم تركز بشكل كاف على حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم. واللبنانيون مستاؤون بشدة مما يرونه احتقارا إسرائيليا لا حد له للبنان وشعبه. وفي الواقع، يتضاءل عدد اللبنانيين الذين يتذكرون تلك الأيام التي كانت فيها الدولة اليهودية ترى في لبنان بلدا يمكن فصله عن العالم العربي المعادي لها. أما لبنان اليوم فيرى أن إسرائيل مستعدة تماما للرد بعنف على أي استفزاز محتمل، حتى لو كان يمكن حلها سلميا.