يرغب الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترمب في أن تنتهي الحروب الدائرة في الشرق الأوسط قبل أن يتولى منصبه. وقال في أبريل/نيسان: "فلتنتهِ هذه الحروب وليعد السلام وليتوقف قتل الناس". والواقع أن مشاعر ترمب جديرة بالثناء، غير أنها طموحة. ففي الوقت الذي توصلت فيه إسرائيل و"حزب الله" اللبناني إلى اتفاق هش لوقف إطلاق نار، لا يزال إنهاء الحرب مع "حماس" في غزة احتمالا بعيد المنال. وفي الوقت نفسه، أطيح بنظام الأسد في سوريا، ما يشير إلى فترة انتقالية قد تكون فوضوية وربما عنيفة، ويواصل الحوثيون في اليمن حصار البحر الأحمر. كما أن طهران التي تواجه الكثير من الانتكاسات الاستراتيجية العميقة، قد تطلق وابلا آخر من الصواريخ على إسرائيل أو تسارع نحو امتلاك قنبلة نووية.
سترث الإدارة الجديدة من إدارة بايدن شرقا متوسطا مشتعلا. وقد يزداد الوضع سوءا في الأسابيع المقبلة. فعلى مدار الشهرين الماضيين، هاجمت ميليشيات عراقية مدعومة من إيران إسرائيل بمسيرات وصواريخ كروز في 150 مناسبة تقريبا، أدت إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في أوائل أكتوبر/تشرين الأول. وقد اعترضت إسرائيل هجمات شنتها ما تعرف بميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية منذ يوليو/تموز 2023 واحتوتها. إلا أن إسرائيل قد تختار اليوم السابق على تنصيب ترمب، لتسوية حساباتها مع هؤلاء الوكلاء في محاولة لإرساء قدر من الردع.
تشكلت ميليشيات "الحشد الشعبي" عام 2014 بعد أن سيطر "داعش" على ما يقرب من ثلث العراق، وشاركت هذه الميليشيات إلى جانب الجيش العراقي وقوات التحالف في حملة تحرير الدولة. واليوم، تضم هذه القوات أكثر من 70 فصيلا مختلفا، بما فيها حفنة من الجماعات المصنفة على أنها إرهابية مثل "حركة النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" الموالية لإيران.
في المجمل، هناك نحو 238 ألف رجل تحت السلاح بميزانية سنوية تبلغ 3.6 مليار دولار تدفعها بغداد. ولـ"الحشد" كلية عسكرية مخصصة له، ويحصل أفراده على معاشات تقاعدية عند التقاعد، كما يملك شركة برأسمال حكومي، على غرار شركة "خاتم الأنبياء" التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني، توفر مصدر دخل مستقلا للمسلحين. وعلى الرغم من أن تمويل "الحشد" من الحكومة، فإن هذه الميليشيات المدعومة من إيران ليست مسؤولة أمام بغداد.
يشعر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالقلق من أن تنتقم إسرائيل وتجر بلاده إلى حرب. ولهذه المخاوف ما يبررها. فقد هاجم وكيل إيران "حزب الله" إسرائيل، فكان أن تكبد لبنان في وقت لاحق خسائر بلغت 8.5 مليار دولار. وقد سعى السوداني لمنع اندلاع نار الحرب، إلى استمالة شركائه في ائتلاف حكومة "الحشد الشعبي" كي يتوقفوا عن هجماتهم. كما ناشد طهران أن تساعده في كبح جماح وكلائها في "الحشد الشعبي"، ويقال إنه طلب المساعدة من إدارة بايدن في كبح جماح إسرائيل.
ومن المؤكد تقريبا أن السوداني يرغب في تجنب الرد العسكري الإسرائيلي. إلا أنه كما يبدو لم يتخذ، باستثناء توسلاته الدبلوماسية، سوى القليل من الإجراءات لمنع هجمات "الحشد الشعبي". وفي الوقت نفسه، يواصل السوداني دفع رواتب "الحشد الشعبي"، بما فيها رواتب الجماعات المتحالفة مع إيران. فقد استغل السوداني الدعم السياسي لهذه الميليشيات في عام 2022، ليصبح رئيسًا للوزراء.