شعب العراق الفتي وأعباء الديموغرافيا والتنمية والتعليم

تضاعف تعداد السكان خلال 20 عاما من دون تطور اقتصادي والبطالة أكثر من 16 في المئة

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
موظف ضمن فريق تعداد سكان العراق، يسجل معلومات مواطن في منطقة الأهوار جنوب العراق، محافظة ذي قار، 20 نوفمبر 2024.

شعب العراق الفتي وأعباء الديموغرافيا والتنمية والتعليم

أجري أخيراً في العراق تعداد للسكان بعد زمن طويل من إنجاز آخر تعداد، فتبين أن العدد أصبح 45,4 مليون نسمة. يتوزع السكان بنسبة 50,1 في المئة للذكور و49,9 في المئة للإناث، وتصل نسبة سكان المناطق الحضرية إلى 70,3 في المئة وسكان الريف إلى 29,3 في المئة. كذلك يبين التعداد أن هناك 7,9 ملايين أسرة، ويبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة 5,3 أفراد.

أهم مؤشرات التعداد، أن السكان في الفئة العمرية 15 – 64 سنة، يمثلون 60,2 في المئة من العدد السكان الإجمالي، أما كبار السن، 65 سنة فأكثر، فيمثلون 3,7 في المئة، في حين تبلغ نسبة صغار السن، 15 سنة فأقل، 36,1 في المئة.

تم تقدير عدد السكان في عام 2009 بنحو 31,7 مليون نسمة، أما تعداد السكان في عام 1997 فقد بلغ 22,3 مليون نسمة، في حين كان 16,6 مليون نسمة في عام 1987. تشير هذه البيانات الإحصائية الى أن النمو السكاني في العراق خلال السنوات المنصرمة كان مضطرداً حيث قدرت السلطات المختصة أن معدل النمو الطبيعي كان في حدود 2,3 في المئة، ويعدّ من المعدلات المرتفعة في الحسابات الديموغرافية المعاصرة.

يتبين من تعداد السكان الجديد أن العراقيين تضاعف عددهم بين 1997 و2024، أي بين أواخر سنوات حكم "حزب البعث" وأكثر من 20 عاماً على بداية النظام الجديد الذي أرسي إثر التدخل الأميركي

كانت هناك طروحات غير علمية بأن العراق مر بفترات من تراجع أعداد السكان، خصوصاً بين الذكور، نتيجة للحروب والنزاعات الأهلية التي شهدها، ومنها الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت والحرب على الإرهاب. لكن الخسائر البشرية مهما بلغت، لا تحد من النمو السكاني في المجتمعات البشرية بشكل كبير. ما يرفع معدل النمو السكاني في بلد مثل العراق، تلك التقاليد والقيم الاجتماعية والطروحات الدينية وأنظمة الزواج، حيث تتزايد أعداد المتزوجين مــن الذكور والإناث الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما. كما أن انتشار زواج الأقارب، خصوصاً في المناطق الريفية، يؤكد عدم تطور أنظمة الزواج في البلاد بما يتواكب مع المفاهيم العصرية. يتبين من تعداد السكان الجديد أن العراقيين تضاعف عددهم بين 1997 و2024، أي بين أواخر سنوات حكم "حزب البعث" وبعد أكثر من 20 عاماً على بداية النظام الجديد الذي أرسي إثر التدخل الأميركي في عام 2003.

أوضاع معيشية صعبة في الريف والمدن

تشير دراسة لاستاذ علم اجتماع التنمية في جامعة بغداد عدنان ياسين مصطفى، نشرت في مايو/أيار 2022، الى أن متوسط العمر (Median Age) في العراق يبلغ 19,9 سنة، وهو معدل صغير، مما يؤكد أن غالبية السكان من الشباب وصغار السن. كما تؤكد الدراسة ازدياد أعداد سكان المناطق الحضرية بعد ارتفاع عدد المهاجرين من الريف إلى المدن.

أ.ف.ب.
موظف خلال إحصاء عدد السكان في بلدة الطليعة، جنوب مدينة الحلة، 20 نوفمبر 2024.

ذلك لا يعني تطوراً في البنية الاقتصادية، أي ارتفاع مستوى الإنتاج الصناعي أو تحسن الاقتصاد الخدمي، بل أن معظم السكان في المدن يقطنون في أحياء فقيرة لا تتوفر فيها الخدمات الأساسية. كما أن المؤسسات التعليمية والصحية لا تزال بعيدة عن الإيفاء بالمتطلبات الدنيا اللازمة للسكان.

لم تفلح الحكومات المتعاقبة في تطوير الحياة الاقتصادية وتبني خطط تنموية، وانشغلت الأحزاب بالاستقطابات الطائفية، وهيمنت الأيديولوجيا الدينية بدلاً من البرامج الاقتصادية والاجتماعية

لا شك أن الصراعات والحروب التي مر بها العراق على مدى العقود الأربعة الماضية لم تمكّن من تحسين إمكانات التنمية البشرية وتطوير الأنظمة التعليمية، في حين تعطل الاستثمار في المشاريع الإنتاجية ومنها الصناعات التحويلية أو المشاريع الزراعية أو الخدمات السياحية. لا يزال العراق بعيداً عن جذب الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن تساهم في تطوير تلك المشاريع وخلق فرص العمل المناسبة للقوى العاملة.

توزيع السكان بحسب سن العمل والتعليم

السؤال المهم الذي لا بد من طرحه هو، هل السكان الذين في سن العمل (15 – 65) يتمتعون بتعليم جيد أو تمكنوا من بناء قدرات مهنية مناسبة؟

تشير تقارير الـ"يونسكو"، إلى "أن العراق كان يمتلك قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 نظاماً تعليمياً يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في هذه المنطقة من العالم". لكن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن نسبة القادرين على القراءة والكتابة في البلاد تدنت إلى أقل مستوياتها التاريخية في العراق خلال العقد الأخير وبلغت 60 في المئة من السكان. يعزو المختصون هذه الوضعية إلى الحروب والحصار الاقتصادي خلال التسعينات من القرن الماضي وقبل عام 2003 عندما أسقط النظام السابق بفعل التدخل الدولي. هذه النسبة تحسنت إلى 78,1 في المئة في السنوات الأخيرة بما يجعل العراق في المرتبة 12 في مستويات التعليم بين الدول العربية. 

تظل المسائل المعيشية ذات أولوية عند التطرق الى الواقع  الديموغرافي في العراق. هناك بطالة مرتفعة في العراق بموجب مسوحات الجهاز المركزي للإحصاء، وهي تقدر بـ16,5 في المئة وترتفع بين النساء إلى 28 في المئة في حين تبلغ بين الرجال 14 في المئة. في ثمانينات القرن الماضي عندما كانت الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة، ظل الكثير من الشباب مجندين في القوات المسلحة، ولكن بعد نهاية الحرب في أغسطس/آب 1988 ثم تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في عام1991 واشتداد الحصار، بدأت البطالة بالارتفاع.

ترتيب العراق في "مؤشر البؤس"

ولم تفلح الحكومات المتعاقبة، بعد إسقاط "نظام البعث"، في تطوير الحياة الاقتصادية وتبني خطط تنموية واقعية، وانشغلت الأحزاب بالاستقطابات الطائفية وهيمنت الأيديولوجيا الدينية، بدلاً من البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بالاستفادة من القدرات البشرية ومصادر الثروات الطبيعية. يظهر "مؤشر هانكي للبؤس" العالمي، بحسب تقريره الصادر في مارس/آذار 2024، أن العراق حل في المرتبة السابعة عربياً والـ33 عالمياً ضمن قائمة الدول الأكثر بؤساً على المؤشر في عام 2023.

يقترب عدد سكان بغداد من 10 ملايين نسمة في الوقت الحاضر، وهي مدينة لا تملك البنية التحتية اللازمة لهذا العدد من البشر

أصبحت المدن العراقية مكتظة بالسكان لكنها لا تزال بعيدة عن توفير حياة أفضل للمهاجرين إليها من الأرياف والبوادي. وقد اتسعت الهجرة خلال السنوات الأخيرة بفعل الصراعات الأهلية والاستقطابات الطائفية واستشراء الفساد. يقترب عدد سكان بغداد من 10 ملايين نسمة في الوقت الحاضر، وهي عاصمة لا تملك البنية التحتية اللازمة لهذه الأعداد من البشر. لم يتعد عدد سكان هذه المدينة 700 ألف نسمة في عام 1957، أي قبل انقلاب يوليو/تموز 1958 بعام واحد.

تحولات المدن

تؤكد هذه التطورات الديموغرافية الفوضى السياسية وعدم التوفيق بين البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى النزوح الكبير من الريف إلى المدن، وفي مقدمها بغداد. لم تسلم المدن الأخرى من الهجرات حيث يبلغ عدد سكان البصرة في الوقت الحاضر نحو 3 ملايين نسمة وكذلك الحال مع مدينة الموصل.

أ.ف.ب.
عراقيون يعملون على مشروع إنشاء جسر في شارع أبو نواس في بغداد، 26 نوفمبر 2024.

يؤكد العراق بتحولاته الديموغرافية خلال العقود الستة المنصرمة غياب النهج المستنير وتعطل التنمية المستدامة وسوء توظيف الموارد المالية والاقتصادية. غني عن البيان أن نتائج تعداد السكان الأخير تشير إلى أزمات حياتية صعبة خلال السنوات المقبلة.

font change

مقالات ذات صلة