اللاجئون السوريون في لبنان... بين فرحة "النصر" والخوف من العودة

تحديات ما بعد الأسد

أ.ب
أ.ب
أطفال سوريون يلعبون كرة القدم أمام خيامهم في مخيم للاجئين في بلدة بر الياس في سوريا وادي البقاع، لبنان، 7 يوليو 2022.

اللاجئون السوريون في لبنان... بين فرحة "النصر" والخوف من العودة

بيروت- "لأول مرة منذ 11عاما أشعر أنني أكره خيمتي، حلمي الآن أن يأتي باص وينقلني من هنا إلى سوريا، اشتقت لأهلي وعائلتي كثيرا". تقول أم ياسر المرأة الخمسينية التي تقطن مع أولادها الأربعة في خيمة لا تتعدى الثلاثة أمتار، تصف لـ"المجلة" لحظة سقوط النظام السوري بـ"حلم كل السوريين" لتعود بالذاكرة إلى العام 2013والمعاناة التي عاشتها مع أهالي الغوطة، الذين حوصروا من قبل النظام لأنّهم "إرهابيون". "بسبب الجوع اضطررنا أكثر من مرة أن نأكل عدسا مليئا ببراز الجرذان، كانت أياما قاسية، إلى أن نجاني الله واستطعت الهروب بالصدفة، بعدما انزعج أحد العساكر من صوت النساء الجائعات، المطالبات بالخروج إلى دمشق، وقرر إطلاق الرصاص الحي عليهن، قتل عددا كبيرا منهن أمام أعيننا في مخيم الوافدين، هربت ونجوت بأعجوبة، قصص قهرنا وذلنا من هذا النظام كثيرة".

أما عن قرار العودة، فحالها حال كثير من اللاجئين السوريين في لبنان، ينتظرون أن تتضح الأمور أكثر، خصوصا أنّها لا تملك بيتا بعدما تم تدمير قراهم، مؤكدة أنها لا تشعر بالخوف أو القلق أبدا من العودة، أو أن تعيش ظلما شبيها بالذي عاشته من قبل النظام السابق، ولكن "إلى أين أذهب؟ أنتظر أن أؤمن منزلا لي ولأبنائي لأعود إلى بلدي، أتمنى أن يسمحوا لي بأن أحمل خيمتي وأنصبها مكان بيتي لأعود اليوم قبل الغد". تختم أم ياسر.

كذلك هو حال أم علي، التي هربت من سوريا عام 2011بسبب خوف والدها عليها وشقيقتها، من الحرب وقصص الاغتصاب، والتعديات وكثرة الظلم التي كانت تقع هناك. ولكن تلك المراهقة باتت اليوم زوجة وأمّا لطفلة، عبّرت لـ"المجلة" عن خوفها من العودة... "الأمر لا يتعلق لا ببيت ولا بغذاء، خوفنا الوحيد هو من الوضع الأمني، لا أستطيع المخاطرة بطفلتي، حتى لو كانت تعيش هنا في خيمة، لكننا نشعر بالأمان، تصل إلينا أخبار أن الطريق إلى مدينتي حمص ليس آمنا، وهذا سبب تأجيل قرار عودتنا إلى سوريا".

أصبحت أخجل من الحديث عن مرارة الغربة والعيش في خيمة والحرمان، بعدما شاهدت المقاطع المصورة من سجن صيدنايا

لاجئة سورية

وتضيف: "رغم أن الخوف من المستقبل لا يزال يطاردنا نحن السوريين، ولكن ليس هناك لحظة في التاريخ أعظم من لحظة سماعنا بسقوط الأسد. ما عشناه من ظلم وقهر وذل بسبب هذا النظام لا يمكن أن يتصوره عقل، ولكن الآن أصبحت أخجل من الحديث عن مرارة الغربة والعيش في خيمة والحرمان بعدما شاهدت المقاطع المصورة من سجن صيدنايا، لا معاناة تضاهي معاناة السجناء الناجين، وقهر الأمهات والزوجات والإخوة الذين ينتظرون على باب السجن لمعرفة مصير أبنائهم"، لتختم أم علي: "حلمي الآن أن نطوي تلك الصفحة لتعود سوريا أفضل ونعود إليها".

يبدو أن القلق من المستقبل أو من طبيعة الحكم الجديد عند اللاجئين حتى من الذين يقطنون الخيم، أكبر بكثير من حلم العودة الذي أصبح حقيقة. هنا أطفال لا يعرفون ما معنى دفء المنازل، ولدوا وكبروا في خيم بلاستيكية، تتسرب إلى داخلها حرارة الصيف والبرد القارس، لترهق أجسادهم الصغيرة. في تلك المخيمات، دفنت أحلامهم وطفولتهم، عاشوا الحرمان والفقدان إلاّ أن فقدان شعور الأمان والخوف الذي عاشه أهاليهم في بلدهم الأم يدفعهم إلى التريث لاتخاذ قرار العودة، خصوصا أنّ غالبية من يقطنون الخيم، هم من أبناء قرى دمرت جراء الحرب بالكامل، بحسب الناشط السوري في مجال الإغاثة الإنسانية في البقاع شرق لبنان، حسين الحسين.

رئيس بلدية المرج البقاعية منور الجراح، التي تضم مخيمين للاجئين السوريين، ويقطنها نحو 20 ألف لاجئ سوري، أكّد لـ"المجلة" أنّ "عدد العائدين إلى سوريا لم يتخط أكثر من 10عائلات، وغالبية اللاجئين لم يعبّروا عن نيتهم العودة إلى سوريا، الأمور هنا لا زالت على حالها، ويبدو أن هناك حذرا كبيرا لدى اللاجئين، وقرار عودتهم ينتظر اتضاح الأمور أكثر في سوريا".

ليس هناك خوف من العودة بقدر ما هو قلق بسبب انعدام مقومات الحياة الأساسية في سوريا، هناك مناطق عديدة في سوريا غير قابلة للحياة، وبالتالي استحالة عودة اللاجئين إليها

عودة مؤجلة

في هذا السياق، يؤكد الحسين لـ"المجلة" أنه ومجموعة من الناشطين "بدأوا بإعداد دراسة شاملة في كل مخيمات البقاع، وفي مناطق لبنانية مختلفة، وما شاهدناه ليس هناك تخوف من العودة بقدر ما هو قلق بسبب انعدام مقومات الحياة الأساسية في سوريا، هناك مناطق عديدة في سوريا غير قابلة للحياة، وبالتالي استحالة عودة اللاجئين إليها، مثلا الريف الغربي لحماة المتاخم للقرى العلوية، أثناء الحرب لجأ النظام لتدميره بالكامل. فكيف يمكن لأهله أن يعودوا إذ لا توجد مياه ولا كهرباء ولا متاجر ولا مدارس... أيضا الريف الشرقي لحمص مدمر بالكامل، مع كثير من الأحياء داخل حمص مثل بابا عمرو والبياضة وغيرهما، أيضا الريف الشرقي لحماة وريف إدلب، لذلك لا نستطيع الحديث عن عودة النازحين إلى بيوت مهدمة قبل إعادة الحياة إلى هذه المناطق".

وأضاف: "غالبية اللاجئين الذين قرروا العودة إلى سوريا، عندهم منازل أو لهم أقارب يستطيعون المكوث عندهم في مناطق لا تزال فيها مقومات حياة كالعاصمة دمشق أو مدن أخرى كدرعا، والرقة وحلب، وغيرها.أمّا بالنسبة لأبناء القرى المدمرة فعودتهم غير ممكنة حاليا، خصوصا أننا على أبواب فصل الشتاء، والأطفال بدأوا عامهم الدراسي. أيضا الوضع الاقتصادي يؤثر على اتخاذ قرار العودة، فحتى لو أن مئات الآلاف من النازحين يعيشون في مخيمات لجوء، فإن تأمين مفوضية اللاجئين، الطبابة والتعليم والماء والكهرباء بشكل مجاني إضافة إلى المساعدات المالية والتدفئة وغيرها من الخدمات، تجعل غالبيتهم يتريثون في اتخاذ قرار العودة، فكل هذا غير موجود الآن في سوريا، إضافة إلى سوق العمل، الذي انصهر فيه اللاجئ في لبنان".

رويترز
لاجئون سوريون يجلسون بالقرب من مخيم للاجئين السوريين في البقاع بلبنان، 18 أكتوبر 2022

ولكن هل هناك إمكانية في نقل المخيمات من لبنان إلى الداخل السوري، يقول الحسين: "هذه الفكرة هي إحدى الأفكار التي نطرحها، لكن الردود التي تأتي من سوريا، هي أننا لسنا مضطرين لدرجة أن نعمل على نقل المخيمات من لبنان إلى سوريا، بما أن المخيمات أصلا موجودة داخل لبنان يمكننا الصبر 3 أو 6 أشهر لتأمين عودة كريمة للاجئين إلى قراهم المدمرة. أيضا علينا أن نبني ثقة مع المجتمع الدولي لكي نستطيع الحصول على مساعدات، وأن تستطيع "مفوضية اللاجئين" الدخول إلى سوريا ونقل مساعداتها إلى هناك، وأعتقد أن هذا يحتاج وقتا وجهدا من الحكومة الجديدة" يختم الحسين.

رغم أن المعابر الحدودية الرسمية في شمال لبنان مغلقة حالياً، يتم الإبلاغ عن عمليات عودة عبر المعابر غير الرسمية في مناطق مثل وادي خالد

وفي هذا السياق تقول ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" في لبنان لـ"المجلة": "إن المفوضية تعمل على أن تكون جميع عمليات العودة طواعية وكريمة وآمنة". وتضيف: "لا أرقام دقيقة عن عدد العائدين، ولكن بحسب معلومات المفوضية، ثمة تقارير تفيد بعودة لاجئين سوريين من لبنان إلى سوريا عبر معبر المصنع الحدودي في البقاع. ونحن ندرك أن المعابر الحدودية الرسمية في شمال لبنان مغلقة حالياً، بينما يتم الإبلاغ عن عمليات عودة عبر المعابر غير الرسمية في مناطق مثل وادي خالد. ووفقاً للمديرية العامة للأمن العام اللبناني، تم الإعلان عن تدابير لتسهيل العودة إلى سوريا".

وتابعت: "لا يزال الوضع داخل سوريا يتكشف مع محاولة الكثير من السوريين تقييم عواقب تطورات الأسبوع الماضي على الوضع داخل سوريا، وما إذا كانت الظروف آمنة والوقت مناسباً لهم للعودة أم لا. أيضا هناك مخاوف اقتصادية مع تدمير البنية التحتية، واعتماد أكثر من 90 في المئة من السكان في سوريا على المساعدات الإنسانية".

وهذا بالفعل ما يؤكده عدد من السوريين الذين التقتهم "المجلة"، بينهم مهند، شاب سوري في بداية العشرينات هرب مع عائلته قبل 13 عشر عاما من سوريا- أي عندما كان طفلا- خوفا عليه وعلى أشقائه من التجنيد الإجباري، يصف لحظة سقوط النظام بالحلم، والتخلص من التجنيد فرحة ثانية لا يوازيها شيء، ويؤكد: "لم نكن نتوقع أن يكون التحرير بهذه السرعة، لم نستطع النوم في تلك الليلة، الصدمة والفرحة كانت كبيرة، أخيرا نستطيع العودة لبلدنا بعد سنوات من التهجير، ولكن هذا القرار لن يكون الآن، سننتظر حتى تنجلي الصورة، وأن تتحسن الظروف الاقتصادية في البلد، حتى نأخذ قرار العودة، فالأمر ليس بالسهل، نحن هنا نعمل ونستطيع تأمين الحد الأدنى من احتياجاتنا، ولكن إذا قررنا العودة لا نعرف كيف ستكون الظروف هناك، خصوصا أن سوريا تحتاج إلى وقت طويل لتتعافى من آثار الفساد والفقر، والتدهور الاقتصادي الذي خلفه النظام".

أما أبو عبدو صاحب متجر في إحدى القرى الشرقية، فهو أيضا هرب من سوريا منذ 11 عاما خوفا من التجنيد الإجباري، لأن المجند في سوريا- بحسب قوله- يرى كل أنواع الذل والقهر والطائفية، خصوصا إن كان من الطائفة السنية، يقول لـ"المجلة": "أنا لا أنتمي لأي طرف في سوريا، بنظري الطرفان متورطان بدم الشعب السوري، ولكن أتمنى أن يكون هذا التغيير خيرا على بلدي، والشيء الوحيد الذي يفرحني بالتحرير، هو أنني أستطيع زيارة حلب التي اشتقت إليها كثيرا، ولكن ليست لدي أي خطة للعودة النهائية، فأنا أسست عملي في لبنان، ومتزوج من لبنانية، وأبنائي ترعرعوا هنا، فأمر العودة لبلدي لن يكون خيارا صائبا، خصوصا أن وضعي الاقتصادي هنا يعتبر جيّدا، ولا أستطيع المخاطرة بعائلتي". 

وفي هذا السياق تؤكد ليزا أبو خالد أن "المفوضية تقف على أهبة الاستعداد لدعم اللاجئين العائدين عندما تسمح الظروف بذلك، مع التأكيد على ضرورة إمهال السوريين خلال فترة عدم الاستقرار هذه، لتقييم الظروف التي سيعيشونها عند العودة، مثلاً من خلال زيارات مسبقة لمعاينة الوضع على الأرض".

أ.ف.ب
امرأة قادمة من سوريا تسير مع أمتعتها إلى لبنان عبر معبر العريضة الشمالي في 10 ديسمبر 2024

نزوح جديد إلى لبنان

اجتاحت موجة نزوح جديدة الأراضي اللبنانية، بعدما كان متوقعا عودة النازحين إلى بلدهم، فمنذ سقوط النظام السوري تسود حالة من الفوضى والزحمة معبر المصنع الحدودي.

وهذا ما تؤكد ليزا أبو خالد أنه: "رغم مشاعر الفرح والارتياح والأمل التي تعمّ بطبيعة الحال أوساط اللاجئين، ومع رصد المفوضية عودة آلاف السوريين إلى بلدهم من الدول المجاورة، نشهد فرارا لمئات الآلاف خوفاً على حياتهم، سواء داخل سوريا أو عبر الحدود. والمجموعتان بحاجة إلى الحماية والدعم".

لكن الجدل يثور الآن في لبنان حول تداول أخبار عن دخول بعض المسؤولين السوريين السابقين أو عبورهم إلى دول أخرى من لبنان، ومن بينهم مدير إدارة المخابرات العامة للنظام السوري السابق، علي مملوك الذي أدين سابقا من قبل القضاء اللبناني بالقيام بـ"أعمال إرهابية" في ملف "مسجدَي التقوى والسلام".

مصدر رسمي: لم يدخل أي مسؤول أمني من النظام السوري السابق عبر المعابر الشرعية بخلاف بعض العائلات ورجال الأعمال، وهم من غير المطلوبين بأي مذكرة عدلية أو دولية

مصادر وزارة الداخلية أكدت لـ"المجلة" أنه: "بحسب معلومات الأجهزة الأمنية اللبنانية فإن علي مملوك ليس موجودا في لبنان، وهو لم يدخل من أي من المعابر الشرعية. والأجهزة الأمنية الاستخبارية تفيد بأنه غير موجود في أي من الأراضي اللبنانية".

وتابعت المصادر: "كما أنه لم يدخل أي مسؤول أمني من النظام السوري السابق عبر المعابر الشرعية بخلاف بعض العائلات، ورجال الأعمال الذين دخلوا إلى لبنان، عبر المعابر الشرعية، لانطباق وضعهم مع التعليمات المشددة الصادرة عن الأمن العام اللبناني، ولكنهم غير مطلوبين بأي مذكرة عدلية أو دولية. وفي المعلومات أن أغلبهم غادر عبر المطار".

أ.ف.ب
صورة ملتقطة من الجانب اللبناني لمعبر العريضة الحدودي الشمالي تظهر مقاتلين من المعارضة السورية يساعدون في إعادة السوريين إلى بلادهم في 10 ديسمبر 2024

وختمت المصادر: "الأجهزة الأمنية والاستعلامية والاستقصائية تتابع باستمرار ما يتم تداوله بوجود مسؤولين آخرين للتحقق من مدى صحته وفي المناطق اللبنانية كافة. إن الأجهزة الأمنية اللبنانية تعمل تحت سقف القانون، وستعمد إلى توقيف كل المطلوبين بموجب مذكرات لبنانية أو دولية".

كما أن المعلومات عن المعابر الرسمية وغير الرسمية تتحدث بأن هناك عددا كبيرا من الوافدين إلى لبنان، هم من عائلات شيعية قادمة من منطقة السيدة زينب، وهي المحطة التي جمعت عائلات شيعية سورية من مختلف القرى التي هجروا منها سابقا.

وبالفعل مع بداية الأحداث الأخيرة في سوريا، بدأ الكثير من السوريين بالتوافد إلى الحدود اللبنانية– السورية للدخول إلى لبنان، بسبب الهواجس والخوف من الحكم الجديد.

وفي حين انتشرت معلومات عن أن أعداد النازحين الجدد الذين دخلوا إلى لبنان تصل إلى عشرات الآلاف، فإن الأرقام الرسمية الوحيدة التي صدرت هي عبر بيان للأمن العام اللبناني بأن "السوريين الذين دخلوا في الفترة السابقة إلى لبنان من أصحاب الإقامات القانونية، وتتوفر فيهم الشروط بلغ عددهم 8400 شخص".

وهذه الشروط هي حيازتهم للإقامات أو لديهم أوضاع إنسانية أو يُعد لبنان بالنسبة إليهم بلد عبور للسفر إلى الخارج. وأكّدت المديرية العامة للأمن العام، أنها تمنح إذن دخول لمدة أسبوع، أو أسبوعين أو شهر (استثنائيا) وفقاً لكل حالة تتوفر فيها الشروط الإنسانية، للدخول إلى لبنان.

font change

مقالات ذات صلة