يموت رجل الدولة مرتين: مرة بموته، ومرة بموت العالم الذي سعى لبنائه. والجنرال الإيراني قاسم سليماني قضىأول مرة عام 2020 عندما قتلته مسيّرة أميركية بأمر من الرئيس ترمب، ثم مات مرة ثانية هذا العام، عندما تهاوى البناء الذي تخيله، وعمل على إنشائه، أي "الممر البري" الممتد من إيران حتى البحر الأبيض المتوسط.
في هذا العام، مني"حزب الله"، حليف إيران في لبنان، بهزيمة كبيرة على يد إسرائيل. كما هُزمت "حماس" كقوة تقليدية، وما زاد الطين بلة أن بشار الأسد، وهو جزء رئيس من المبنى، غادر البلاد بلا مراسم إلى منزل ريفي في موسكو، فيما قوات المعارضة تتقدم من العاصمة السورية.
أشرف سليماني، كرئيس لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني" منذ عام 1998، على فترة من الاضطرابات، ولكنها كانت في معظمها فترة توسيع "منطقة النفوذ" الإيرانية الجديدة. وهي الفترة التي حولت إيران إلى "مَلك على الأنقاض".
فسقوط صدام حسين، والفوضى التي تلت ذلك في العراق، واندلاع الثورة السورية وثورات الربيع العربي (بما فيها الثورة في اليمن)، وصعود "تنظيم الدولة الإسلامية"، وعلاقات إيران مع "حزب الله" الذي كان يزداد ثقة بنفسه، شكلت جميعها الركائز التي قام عليها صرح سليماني. ومع بروز جهات فاعلة ذات بنية ما دون الدولة على أنقاض الأنظمة المنهارة أو الأنظمة السابقة، سارعت إيران إلى الاستفادة منها وتكوين صداقات معها.