ينتمي "أثر الأشباح"، أو "الأشباح" حسب عنوانه الفرنسي الأصلي Les Fantômes، نوعيا إلى أفلام التشويق والدراما، إذ يروي حكاية بحث عن جلّاد سابق في سجون النظام السوري، تمكن من الهرب وبدأ حياة جديدة في أوروبا، تقطع مع ماضيه الإجرامي، مختلقا لنفسه هوية جديدة، أو بالأحرى هويات عدة تجعل منه لاجئا طيّبا، وتساويه بضحاياه.
إنه الشبح الأول الذي يبحث عنه فريقٌ من السوريين المهاجرين المؤمنين بضرورة تقديم أمثاله إلى محاكمة دولية، بعد شُغلٍ جبّار على جمع الأدلة وشهادات المعذّبين بوحشية، أو من تبقى منهم حيا، قادرا على الإدلاء بشهادة مفهومة. غير أن هؤلاء المطارِدين الساعين إلى عدالة ما، يبدلون بدورهم هويات عدة، يحافظون على سريتهم ما أمكن، ولا يعيشون تقريبا الحياة الطبيعية للناس. أي إنهم في بحثهم عن الشبح، تحوّلوا هم أيضا إلى أشباح. هكذا يبدو العنوان الفرنسي الأصلي، أقرب الى روح الفيلم.
ينهض "الأشباح" على وقائع حقيقية في طبيعة الحال، وهو إنتاج فرنسي من إخراج الفرنسي جوناتان ميليه، ومن تأليفه مع فلورنس روشاه، التي هي سينمائية فرنسية كذلك. عُرِض الفيلم ضمن أسبوع النقاد في الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائي، واستُقبل بحفاوة نقدية وجماهيرية حين طرحه في الصالات الفرنسية. ومع ذلك يصعب النظر إلى "أثر الأشباح" باعتباره مجرد فيلم إثارة فرنسي محكم الصنع، لا سيما في اللحظة الحالية، ومن موقعنا العربي المعايش لما يُتداول الآن من مآسي معتقلي صيدنايا، أحد أشنع سجون النظام السوري السابق، مع سقوط رأسه، وتصوير مئات الفيديوهات للناجين، من دهاليز المعتقل ومسالخه.
بل كان حميد بطل الفيلم (يؤدي دوره الممثل الفرنسي التونسي آدم بيسة) أحد معتقلي صيدنايا تحديدا، وتعرض لتعذيب وحشي، وتُرك للموت في الصحراء. ومن هنا يبدأ الشريط، على لقطة مظلمة، تقدم أصواتا وجلة لرجال ملتصقين في وضع غير مريح، هم أولئك الذين سيلقي بهم العساكر في الصحراء، ظنا منهم أنهم يلقونهم إلى مصيرهم النهائي، بعد التعذيب الأول. في الواقع لا يُشهدنا الفيلم لاحقا، على مشاهد تعذيب، إلا في بعض الشهادات المسموعة التي يلجأ إليها حميد، وهو يقتفي أثر حرفز (توفيق برهوم) جلّاده وجلّاد آخرين غيره في المعتقل، وهو الآن حر طليق في مكان ما من أوروبا.
لا يملك حميد، في الواقع أي صورة لحرفز، لكنه يعرف قعر ما في صوته، ويحفظ رائحته. تفاصيل يعرفها الأحبّة أحدهما عن الآخر، لكننا نختبرها هنا في إطار علاقة جلاد يقترب بشدة من جسد أسيره.