أربعة أفلام سعودية جديدة تعكس التنوع والطموحhttps://www.majalla.com/node/323471/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D9%81%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%88%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%85%D9%88%D8%AD
اختتمت يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول 2024 النسخة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي في منطقة جدة التاريخية المعروفة بـ"البلد" والمصنفة كإرث إنساني من منظمة الـ"يونيسكو". هدف المهرجان إلى خلق جو سينمائي يجتمع فيه الماضي والحاضر في جدة التاريخية، جو تختلط فيه الثقافات المتنوعة من جميع أنحاء العالم تحت شعار "للسينما بيت جديد". شملت عروض المهرجان 120 فيلما من 81 دولة، طويلة وقصيرة ووثائقية وأفلام رسوم متحركة. وكرم المهرجان الفنانة منى زكي والممثلة الأميركية فيولا ديفيس على مسيرتيهما السينمائية.
افتتح المهرجان بالفيلم المصري "ضي"، الذي يروي قصة طفل يدعى نوبي يعاني من مرض المهق ويواجه تنمرا ومضايقات بسبب هذا المرض. حلم نوبي هو أن يصبح مغنيا شهيرا ويتغلب على الصعوبات الناتجة من مرضه.
كما شهد المهرجان العرض الأول لأفلام سعودية جديدة مثل "صيفي" و"ثقوب" و"هوبال" و"ليل نهار" والفيلم الوثائقي "مركب فرسان".
تشهد هذه الأعمال عودة مخرجين سعوديين بأعمال جديدة مثل عبد المحسن الضبعان وعبد العزيز الشلاحي، وتجربة إخراجية أولى للكاتب والمنتج عبد العزيز المزيني.
"مركب فرسان" يحكي قصة مثيرة حافلة بالمشاعر والتحديات الإنسانية الخاصة بالصبر والصمود ومقاومة الهلاك
"مركب فرسان"
في استمرار منصة "ثمانية" الدؤوب في اقتحام الساحة السينمائية من طريق الأعمال الوثائقية، يأتي إلينا فيلم "مركب فرسان" الذي يحكي وقائع حقيقية حصلت لمجموعة شباب سعوديين ذهبوا في رحلة صيد إلى جزيرة فرسان في منطقة جازان، وتحولت هذه الرحلة إلى 90 ساعة من الرعب النفسي والصراع لأجل البقاء ضد الجوع والعطش والرعب النفسي الناتج من الضياع في البحر قرب الحدود اليمنية التي تقع تحت وطأة الحرب. الفيلم من إخراج موفق علي العبيد وسيناريو نايف نجر ومن إنتاج شركة "ثمانية".
"مركب فرسان" يحكي قصة مثيرة حافلة بالمشاعر والتحديات الإنسانية الخاصة بالصبر والصمود ومقاومة الهلاك، ولعلّ هذا الوثائقي يشجّع على تحويل القصة إلى فيلم درامي طويل، فقصص كهذه تلقى نجاحا كأفلام قصصية طويلة، إذ عندما أشاهد بطل القصة وهو يصارع العطش والرطوبة والجفاف، ويواجه مصيرا قاتما ويتخيل ردّ فعل أهله حينما يتلقون خبر وفاته، حينما أشاهد هذه العناصر وهي تحيط بالبطل من كل جانب، فإن تعاطفي معه وارتباطي بقصته سوف يكون مختلفا عن استماعي إلى قصته ولو منه مباشرة.
إن طموح شركة "ثمانية" في اكتشاف القصص الفريدة وتقديمها إلى المشاهدين من طريق الوثائقيات، سوف ينقل قسم المحتوى البصري إلى مستوى آخر بمجرد إدراك أن العديد من هذه القصص يمكن تطويره من الإطار الوثائقي لبناء نصوص درامية تحيي القصة في الشاشة الكبيرة.
"هوبال"
بعد النجاح النقدي الباهر لفيلم "حد الطار"، يعود المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل بعمل سينمائي جديد من إنتاج "ستوديو شاف". يتحدث الفيلم الذي فاز بجائزة الجمهور في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، عن أب صارم (إبراهيم الحساوي بدور ليام) يقرر الرحيل مع أبنائه وأحفاده إلى خارج أسوار البلدة بعدما أيقن أن الساعة اقتربت اثر رؤية تطاول البنيان، وذلك في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، حين بلغ صراع "الصحوة" مع الحداثة أوجه، وفي وقت كان المجتمع يواجه أزمة هوية بين الانفتاح وتشدد ديني قائم على التحريم.
ولعلنا لا نجانب الصواب إن قلنا إن "هوبال" مع فيلم "ثقوب" هما أكثر الأعمال جاذبية من ناحية المحتوى الأساسي لهذه السنة، وهما امتداد لموجة من التطور السردي في السينما وابتعاد عن القصص التقليدية والمباشرة. هذه الموجة تشمل أفلاما مثل "ناقة" و"مندوب الليل"و"أغنية الغراب".
من المشهد الاول تظهر قيمة اختيار الصحراء كبيئة للفيلم. يبرع المصور السينمائي محمود يوسف بشكل خلاب في تصوير طبيعة صحراوية جذابة ويظهر تباينا بين الواقع القاسي الذي تعيشه الشخصيات وبين جمال العالم المحيط بهم. تبدو الصورة شاعرية ورومانسية إلى حد كبير، ولا تعكس الواقع المرير الذي تعيشه الشخصيات، الخواء الهائل المخيم عليهم والتضارب الأخلاقي الذي تعيشه نفوسهم، كل ذلك أثناء مواجهة موت محتوم مع داء الحصبة الذي يمكن علاجه من خلال التلقيح، ولكن رفض الجد الصارم وطاعة الأبناء العمياء يوديان بحياة إحدى الحفيدات في بداية الفيلم.
يأتي السرد التأملي البطيء للفيلم مناسبا لنقل صورة زمن يبدو من الماضي السحيق الآن، ليس بسبب عدد السنوات ولكن بسبب تسارع أحداث عالمنا اليوم. تمر أيامنا بسرعة مخيفة ونحن نتنقل بين شاشات هواتفنا وأجهزتنا المحمولة مستهلكين أكبر قدر ممكن من المحتوى، بينما في "هوبال" العالم بطيء فعلا، والأيام تبدو أسابيع، وكل مهمة يومية تستغرق وقتا طويلا لإنجازها. الهدوء يخيم على الشخصيات ويعزلها عن العالم حولها، ولا توجد سلطة أعلى من السلطة الأبوية.
يقدم الفيلم نقلا واقعيا لطبيعة العلاقات الأسرية في تلك الفترة، حيث يستنبط رب الأسرة كل قراراته من التعاليم الدينية بغض النظر عن صحة تفسيره من عدمها، ويفعل ذلك بسبب حجم المسؤولية الهائل الملقى على كاهله، فهناك شعور بأن الأسرة وحيدة تواجه مفاسد العالم الخارجي وشروره الدنيوية. ويجد الأبناء الأكثر تفتحا أنفسهم أمام صراع بين هذه الطاعة العمياء وما يفرضه المنطق أمامهم بكل وضوح.
إحدى أكثر المفاجآت السارة في الفيلم، كان حمدي الفريدي الذي يأتي بأول دور سينمائي له ويتفوق على العديد من أقرانه المخضرمين. الفريدي في دور بتال، هو تجسيد للصراع بين الثقة العمياء وما يفرضه المنطق. دور بتال كان أكثر أدوار الفيلم تعقيدا وصعوبة، والفريدي يقتحم الساحة بأداء متمكن. ميلا الزهراني كذلك، كانت من أكبر نقاط قوة الفيلم في دور سارة، وهو دور تطلب العديد من مشاهد المواجهات، وكان كعبها أعلى في كل مرة.
في المقابل، يعاني الفيلم من ضعف في الحوارات ومباشرتها في بعض الأحيان، هناك حكم وأمثال محشورة في النص وكأن وجودها يهدف إلى إقناعنا بأن الشخصيات بدوية، لكن ظهورها المفاجئ يقلص النبرة الواقعية للفيلم، التي بذل فيها التصوير والديكور والأزياء الغالي والنفيس لإحيائها بالصورة التي شاهدناها.
تتضخم مشاكل الفيلم في النصف الثاني، حيث قلة الأحداث وبطء النسق وخلو الفيلم من خطوة أخرى واضحة، والأداءات التمثيلية غير المقنعة أحيانا، والحوارات التي لا تساهم في تطوير الشخصيات أو تحريك القصة، والاستخدام غير الموفق للمؤثرات البصرية، والكثافة الإجمالية لشخصيات الفيلم. والنقطة الأخيرة تتضح منذ البداية حيث يكثر ذكر أسماء الشخصيات، وبسبب قلة ظهورها على الشاشة يتشتت انتباه المشاهد ويقل تركيزه على الحبكة، خصوصا في ظل ذكر الكثير من الأحداث في الماضي أثناء الحوارات. تقليص عدد الشخصيات وإدارة ظهورها بشكل أفضل، كانا كفيلين بتقليل أثر هذه المشكلة.
"هوبال" كغيره من الأفلام السعودية الطموحة، يبدأ بداية مبشرة والعناصر الإيجابية في الفيلم تسطع، ولكن طول مدة العرض وغياب الدور النقدي في غرفة التحرير، يعملان على إظهار بعض الهنّات على السطح في النصف الثاني من الفيلم.
"هوبال" مع فيلم "ثقوب" هما أكثر الأعمال جاذبية من ناحية المحتوى الأساسي لهذه السنة، وهما امتداد لموجة من التطور السردي في السينما وابتعاد عن القصص التقليدية والمباشرة
"ميرا ميرا ميرا"
الفيلم القصير "ميرا ميرا ميرا" أحد أكبر المفاجآت السارة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي لهذا العام، الفيلم مقتبس من قصة قصيرة بالعنوان ذاته للكاتب عبد العزيز العيسى الذي كتب سيناريو الفيلم كذلك، وهو من إخراج خالد زيدان وبطولة إسماعيل الحسن وخالد يسلم. يتحدث الفيلم عن شاب فقد القدرة على الحديث بشكل مفاجئ ولم يعد يستطع إلا أن ينطق كلمة واحدة: ميرا. يتسبّب ذلك بمشكلة جسيمة لبطل الفيلم سعيد، فتتوتر علاقته بزوجته ويبدأ بالتهرب من مكالمات أمه القلقة عليه، فيلجأ إلى أخيه الأكبر لتحديد موعد مع اختصاصية أعصاب لحل المشكلة.
أداء إسماعيل الحسن، الذي لم أشاهده سوى في أعمال كوميدية من قبل، وهو مؤدي "ستاند أب كوميدي"، كان أداء صاعقا ومفعما بالمشاعر. منذ أول مشهد له في غرفة النوم وهو يجلس وحيدا على السرير، يبدو منهكا وكل الجهد الجسدي الذي يبذله يكمن في محاولة نطق أي كلمة أخرى غير ميرا. نشعر بأثر هذا الإنهاك الجسدي على جسده النحيل ونشعر بالهم الذي يخيم على حياته. ليس لأنه يواجه مشاكل في زواجه أو يخشى رد فعل أمه وقلقها عليه، لكن لأن ما يواجهه مجهول بالكامل. إنه يريد تفسيرا منطقيا لما يحدث حتى يتمكن من البحث عن حل لمشكلته.
أثناء بحثه على الإنترنت عن أسباب محتملة لحالته، يجد أن أحد التفسيرات يعود إلى الصدمات النفسية الشديدة. يستمر إسماعيل بأداء استثنائي خلال مدة الفيلم وهي عشرون دقيقة، ويحاول توظيف كل المشاعر التي يمكنه الولوج إليها في كل مرة ينطق كلمة ميرا. وقد استطاع باقتدار أن يستخدم هذه الكلمة للتعبير عن مشاعر الغضب والخوف والقلق والضياع. إنه أداء مبهر لأي ممثل، لكنه مبهر تحديدا لممثل لم يقم بهذا النوع من الأدوار من قبل. انعدام الحوارات والاعتماد على تعابير الوجه ولغة الجسد، يجعلان الدور مسرحيا بالكامل، والحسن يرتقي الى هذا التحدي بكل جدارة.
أما المخرج خالد زيدان فقد تمكن من عالم متكامل حول شخصية سعيد، بحيث أننا مع نهاية الفيلم ندرك حياة سعيد قبل حصول هذه المصيبة. وظيفته كخياط نسائي، وما يترتب عليها من نظرة مجتمعية دونية، الوضع المادي الذي بالكاد يضعه في الطبقة المتوسطة، علاقته مع أخيه الذي رغم القرب منه فإنه لا يتفاهم معه لا تماما، والرغبة الكامنة في الانفجار في وجه من حوله. لا نشعر بأن حياة سعيد أصبحت تعيسة فقط بسبب عدم قدرته على النطق، بل بأنه كان ينتظر مثل هذه الفرصة حتى يتنسى له أن يصرخ في السيارة بأعلى صوت دون أن يسمعه أحد.
في الوقت نفسه، كان العالم حول سعيد ينتظر هذه الفرصة للانهيار من حوله، فهو مبني على أسس هزيلة. بعد أن تتركه زوجته وتذهب إلى منزل أهلها، يستمع سعيد إلى الرسائل الصوتية المسجلة. تقلل زوجته هيئته وحالته المادية والاجتماعية وتتعالى عليه، ومن ثم تهدأ حدة الرسائل ولغة الخطاب القاسية فتتوسل إليه لكي يعتذر حتى تتسنى لها العودة إلى المنزل ببعض كرامتها المسلوبة. كيف لا يمكننا التعاطف مع وضع سعيد؟ فبعد وابل من السهام القاتلة التي صدرت من أقرب الناس إليه، مطلوب منه أن يضع كل ذلك جانبا ويستمر في رحلته التعيسة. وكأنه لا يمتلك خيارا أفضل، كما هو الحال مع زوجته التي لا تمتلك خيارا آخر بدورها.
في نهاية الفيلم تتصل الطبيبة التي زارها سعيد لتخبره بحالة مماثلة لفتاة تواجه مثل مشكلته، ولا تملك في معجمها سوى اسم سعيد، في نهاية قابلة للتأويل وتطرح أسئلة عدة على المشاهدين، ولكن في الوقت نفسه تبدو مفعمة بالأمل، لأن سعيد أخيرا وجد من يؤانسه في وحدته. بمعزل عن جميع الفوارق الاجتماعية والطبقية بين سعيد وميرا، إلا أن هناك درجة من الأنس في مشاركة الهموم والمشاكل.
الفيلم القصير "ميرا ميرا ميرا" أحد أكبر المفاجآت السعودية السارة لدورة هذا العام من المهرجان
"ليل نهار"
في التجربة الإخراجية الأولى للكاتب الكوميدي عبد العزيز المزيني، الذي عمل على كتابة وإنتاج فيلم "راس براس" ومسلسل "محافظة مسامير"، يأتي بنص جديد لا يختلف كثيرا عن الدرجة المعتادة من الكوميديا التي يقدمها في أعماله. الفيلم من إنتاج ستوديوهات "موفي" و"سرب" ومن بطولة زياد العمري وأبرار فيصل وعبدالله السدحان ونواف السليمان.
يحاول المزيني اختزال أفكاره في قالب هزلي بحت، بحيث أنه مهما كانت حدة الموقف، فإن العواقب لا تبدو وخيمة أو على أي درجة من الواقعية، وهذه المعادلة نجحت إلى حد كبير في فيلم "راس براس" خصوصا في اندماجها مع طريقة تصوير فانتازية فريدة مشبعة بالمؤثرات البصرية والألوان المتنوعة.
هذا الأسلوب لا يزال حاضرا عند المزيني بسبب عمله في "مسامير"، لأن الرسوم المتحركة تعطي مساحة وحرية أكبر للتصرف بهزلية، فأحد أشهر شخصيات "مسامير" هي كلب ناطق. إحضار هذا الحسّ الكوميدي إلى الشاشة الكبيرة، يأتي مع تحدياته الخاصة التي يواجهها نص المزيني. حتى التعاون السينمائي الثاني مع زياد العمري لا يؤتي ثماره نفسها، والأداءات التمثيلية المصاحبة لا تساهم في إنجاح النص، بل هي تعاني بسببه.
يحاول المزيني اختزال أفكاره في قالب هزلي بحت، بحيث أنه مهما كانت حدة الموقف، فإن العواقب لا تبدو وخيمة أو على أي درجة من الواقعية
عناصر سيناريو المزيني الذي نجح في "راس براس"، وحضور اسم كوميدي مميز مثل زياد العمري، يجعلاننا نتساءل عن سبب عدم قدرة الفيلم على تحقيق أهدافه، ذلك أن زوايا التصوير التي تركز على هزلية الموقف وإظهاره للمشاهدين وتحركات الكاميرا السريعة، جعلتنا نشعر أننا أمام إسكتش كوميدي وليس أمام فيلم روائي بالمعنى المعهود للكلمة.