على الرغم من أن السؤال عما بعد سقوط نظام آل الأسد في سوريا سؤال مشروع بعد نحو ستين عاما من حكمه، وبعد 13 عاما من الحرب الأهلية، فإن هذا السؤال نفسه يتحول إلى سؤال فاقد لأي حس سياسي وأخلاقي، عندما يصدر عن دفاع ضمني عن النظام المخلوع، بحجة أنه كان "مضمونا" أكثر من المطيحين به.
في الواقع إن مجرد القبول بمناقشة حجة كهذه، يكاد يكون سقوطا أخلاقيا وسياسيا، فأن يبقى أحد يدافع عن هذا النظام، الذي لم يخطئ من وصفه بالنازي، ولم يخطئ من وصف معتقلاته بالمحارق التي أقامها النازيون ليهود أوروبا، أن يبقى أحد بعد كل هذه الصور والفيديوهات من سجن صيدنايا، الذي لا يماثل فظاعته سجن حول العالم في الـقرن الواحد والعشرين، فهذا يظهر حجم المشكلة السياسية والأخلاقية في بلداننا، والتي لا يختصرها أي انقسام سياسي، كما لو أن هذا الانقسام، يحصل على أجندات سياسية غير متفاوتة في تبنيها لسلم قيم سياسية واجتماعية، تتصدره المساواة القانونية للأفراد في حقوقهم الأساسية.
والمستغرب أن كثيرين ممن انتقلوا من ولائهم الأعمى للنظام، إلى التنصل منه لم يفعلوا ذلك بحجة ما اكتشفوه في معتقلاته، بل لأنهم اعتبروه متقاعسا ومتواطئا، وهذا سبب إضافي للتفكير في معايير الانحياز السياسي في بلداننا، وفي معاني السياسة والدولة والسلطة والعقد الاجتماعي، علما بأن مآسي السجون السورية لا يفترض أن تكون هي أول ما يستدعي الموقف من هذا النظام، إذ إن الموقف منه ينبغي أن يكون سابقا عليها بفعل الأدوات التي استخدمها على مدى نحو ستة عقود لحكم سوريا، وبالأخص منذ عام 2011 عندما قابل مطالب السوريين بالتغيير بالحديد والنار.
لذلك فإن سقوط نظام آل الأسد هو فرصة كبيرة وغير مسبوقة للسوريين- وللبنانيين والفلسطينيين أيضا، بحكم أنهم جميعا عانوا كلٌ في سياقه من سياسات هذا النظام، لإعادة بناء حياتهم بمعانيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بعد زمن طويل من تشويه السياسة والدولة والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية.