كانت سوريا على موعد مع عشرية من الأحداث غيّرت واقعها بالكامل، وصنعت فصلا تاريخيا جديدا يتوّج نضال شعبها المتواصل منذ عقود في سبيل التحرر من أحد أطول الأنظمة الديكتاتورية العائلية في العصر الحديث. كان التغيير سريعا وحاسما، وكأنه لحظة تحوّل مفاجئة، شهد فرار الديكتاتور كأنه أنه لم يكن موجودا، تاركا خلفه وطنه وكأنما كان مجرد محطة عبور في مسيرته الشخصية، فلم يتجرأ حتى على إلقاء خطاب وداع.
على مدار أكثر من خمسين عاما، صاغ المثقفون السوريون أدوات نقدية فنية وجمالية لم تقتصر على التعبير عن الواقع فحسب، بل راهنت على لحظة انقشاع الظلمة وظهور كيان الثورة والتحرر، بعدما خلق كل مثقف آلية جمالية تحويلية تهرب من القمع. كان الفن لوقت طويل وسيلة للتحرر الذاتي، وكان الفنانون يمارسون دورا مضادا لاغتراب الفرد، من خلال الكتابة عن سوريا وتأسيسها جماليا.
كل الانطباعات السورية الأولى تشير إلى أمل كبير وحقيقة يتداولها الجميع: لقد تجاوزنا عتبة تاريخية فارقة بالخلاص من نظام الأسد. الفنانون جسدوا هذا التحول في طموحاتهم، والأهم من ذلك، في أعمالهم الفنية. كل قصيدة، كل منحوتة، وكل لوحة تركت أثرا في البنية الرمزية التي حاول النظام الهيمنة عليها، تغطيتها، وحجبها. لقد عمل النظام على تهميش ثقافة البلاد بأكملها للحفاظ على صورة واحدة ومحدودة للثقافة.
هذا الانطباع الأول لكل فنان يحمل بعدا تاريخيا وتأويليا بالغ الأهمية. فهو ليس مجرد لحظة عابرة، بل بداية فهم أعمق لما يمكن أن تؤول إليه سوريا. في ظل هذا التحول، تبرز أهمية استعادة الفضاء الثقافي كعملية جوهرية لإعادة بناء الهوية الوطنية، وفتح المجال أمام التعبير المتنوع الذي يعكس تطلعات الشعب السوري.
فهل سيتحرر المشهد الجمالي السوري بعد انتهاء القمع والتخويف؟ وهل سيشهد إعادة تعريف للهويات الجمالية التي نُسجت في زمن الظلمة؟ كيف تلقيتَ الخبر وما رؤاك للمستقبل؟ وجهنا هذه الأسئلة إلى العديد من المثقفين والفنانين السوريين، الذين لطالما تفاعلوا مع الأحداث الدراماتيكية التي شهدها بلدهم خلال السنوات الأخيرة وصولا إلى سقوط النظام.